المحتوى الرئيسى

فورن أفيرز: إستراتيجية داعش في جنوب آسيا

06/27 22:46

لاكثر من سنه، تحاول الدوله الاسلاميه (المعروفه ايضًا باسم داعش) ان تتوسع في جنوب آسيا. وقد وضعت داعش هيكلًا تنظيميًا فضفاضًا في افغانستان وباكستان، ووفرت الاموال الي الجماعات المحليه، واعتمدت نهج مواجهه مع حركه طالبان الافغانيه وتنظيم القاعدة - في موطن تنظيم القاعده الاصلي. وهدفها بسيط: استماله المقاتلين المحليين الساخطين في محاوله لبناء النفوذ والسلطه في المنطقه.

ان داعش في جنوب اسيا – التي تسمي نفسها الدوله الاسلاميه في خراسان- اكبر مما يعترف اغلب الناس، وهي تضم مجموعه تتراوح بين عده مئات وعده الاف من المقاتلين. وادي توغلها في شبه القارة الهندية الي العديد من المناوشات مع حركه طالبان الافغانيه، وهي الجماعه المسلحه الافغانيه الاكبر عددًا والافضل تنظيمًا. في اوائل يونيو، علي سبيل المثال، دخل مقاتلو داعش وطالبان في معارك ضاريه في شينوار، واشين، ومناطق اخري في محافظه نانجارهار.

علي الرغم من هذه التطورات، اعتبر بعض المحللين وجود داعش في افغانستان وباكستان وهميًا في اسوا الاحوال او مبالغا فيه بشكل فاضح في احسن الاحوال. في مقال نشر علي الجزيره في مايو، علي سبيل المثال، يجادل ايمال فايزي- وهو صحفي والناطق الرسمي السابق لحامد كرزاي- بان وجود داعش في افغانستان هو الي حد كبير "اسطوره مفتعله" يستخدمها المسؤولون الافغان والامريكيون لاغراض سياسيه.

قد يكون هناك جزء من الحقيقه في تاكيده. مثلًا، من المرجح ان بعض المسؤولين الافغان يبالغون في وجود داعش في افغانستان باعتبارها وسيله للضغط علي واشنطن لابقاء القوات الاميركيه في البلاد او القاء اللوم علي باكستان لتدخلها في الشؤون الداخليه لافغانستان. وبالتاكيد استغلت السلطات المحليه المخاوف بشان داعش لمصلحتها الخاصه: في وقت سابق من هذا العام، كتبت صحيفه نيويورك تايمز ان المسؤولين في اقليم غزنه في افغانستان قد افتعلوا قصه عن قطع داعش للرؤوس في محاوله للحصول علي الدعم العسكري من كابول في عام 2014.

بالتاكيد سيكون من الصعب علي فرع داعش في جنوب اسيا السيطره علي الجماعات المتطرفه الاخري في المنطقه. هناك مجموعه متنوعه من المنظمات الجهاديه المتنافسه موجوده بالفعل هناك وليس لدي ايديولوجيه داعش جذور محليه قويه في المنطقه.

ولكن حتي مع ذلك، لاقت استراتيجيه تجنيد داعش في المنطقه بالفعل بعض النجاح. وبينما تكتسب المجموعه موطئ قدم بين المسلحين الافغان والباكستانيين، يمكن ان ينتظر المنطقه المزيد من الصراعات، بما في ذلك الصراعات بين الجماعات المسلحه.

في ربيع عام 2014، بينما كانت داعش توطد سيطرتها علي مدينه الرقه في سوريا وتتوسع في محافظه الانبار العراقيه، تواصل قاده الجماعه بالمسلحين في جنوب اسيا. يبدو ان داعش كانت تامل في قياس امكانيه توسيع نفوذها في المنطقه وتجنيد مقاتلين للقدوم الي العراق وسوريا.

كانت داعش قد تم طردها للتو من تنظيم القاعده بعد سلسله من الخلافات الشخصيه والايديولوجيه، وخلافات حول القياده والسيطره. الا ان خطتها للتوسع في افغانستان وباكستان اتبعت استراتيجيه برع فيها حليفها السابق: محاوله استماله المقاتلين المحليين. كان تنظيم القاعده قد فعل ذلك بنجاح كبير في العراق، والصومال، واليمن، وشمال افريقيا، وبذلك تجنب ان يبدا من الصفر العمليه غير الفعاله – والتي تتطلب الكثير من العماله -  لبناء تابع اجنبي.

وفي الوقت الذي بدا فيه زعماء داعش سلسله من المباحثات مع جماعات في مصر (بما في ذلك انصار بيت المقدس)، وليبيا (بما في ذلك كتائب من انصار الشريعه)، ولاحقا في نيجيريا (بما في ذلك بوكو حرام)، بداوا ايضا في التواصل مع مسلحين في افغانستان وباكستان. بدت جنوب اسيا واعده بالنسبه لداعش. كان للمنطقه تاريخ طويل من رعايه الجماعات الجهاديه، التي يعود تاريخها الي الحرب ضد السوفيات في الثمانينيات، فضلًا عن الحكومات الضعيفه نسبيا، والتي اتاحت الفرصه لتامين ملاذات امنه في المناطق الخاضعه لسيطره محدوده من الدوله، الي جانب الحروب المستمره ضد الانظمه "الكافره" ومؤيديهم الغربيين.

وبينما كانوا يدرسون التوسع في المنطقه، خلص قاده داعش الي ان هناك مشاكل حقيقيه في وجهات النظر الايدولوجيه والاستراتيجيه للعديد من الجماعات المحليه، بما في ذلك تنظيم القاعده وحركه طالبان الافغانيه. في عدد ديسمبر 2014 من مجله "دابق" والتي توفر الدعايه الرسميه للجماعه، نشر مقال ملتهب يوجز تلك المخاوف. اتهم الكاتب تنظيم القاعده وحركه طالبان الافغانيه بالتخلي عن الاسلام من خلال دعم القانون القبلي فوق الشريعه، والفشل في الاستيلاء والسيطره علي الاراضي بفاعليه، وتجاهل استهداف السكان الشيعه، والاعتراف – الذي يعد خطاً- بالحدود الدوليه. كما انتقد المقال بوقاحه الملا محمد عمر زعيم حركه طالبان الافغانيه، لممارسه نسخه مشوهه من الاسلام والدعوه اليها.

احد المجموعات القليله التي هربت من انتقادات داعش كانت حركة طالبان باكستان (او بالاورديه: تحريك طالبان باكستان) ، التي تشكلت في ديسمبر 2007 كمنظمه مظله لمختلف الجماعات المسلحه في المنطقه. خلصت مقاله دابق الي ان تحريك طالبان باكستان "كانت علي خير عظيم". واضافت "انهم يحملون العقيده السلفيه ونامل ونسعي جاهدين لاقامه شرائع الاسلام في منطقتهم." قابلت داعش اقوالها بافعال. في سبتمبر 2014 تقريبًا، ارسلت داعش ممثلين عنها الي باكستان للقاء المسلحين المحليين، بما في ذلك بعض قاده حركه طالبان باكستان، بعد عده اشهر من المناقشات. في نفس الوقت تقريبا، بدا مسؤولون باكستانيون في تلقي تقارير عن منشورات مؤيده للداعش في المناطق القبليه الخاضعه للاداره الاتحاديه.

بحلول يناير، عُيْن حافظ سعيد خان - الرئيس السابق لفرع اوراكزاي من حركه طالبان باكستان في المناطق القبليه في باكستان- زعيمًا لفرع داعش في جنوب اسيا. وكان نائبه هو الملا عبد الرؤوف كاظم، وهو من قبيله علي زاي وقائد سابق لطالبان من ولايه هلمند، برز علي الساحه بعد اطلاق سراحه عام 2007 من منشاه امريكيه في خليج جوانتانامو بكوبا.

ستصبح شبكات معارف سعيد وكاظم الراسخه شديده الاهميه لجهود داعش من اجل التجنيد. كان سعيد مفيدا بشكل خاص في توسيع بصمه الجماعه الارهابيه في المناطق القبليه الباكستانيه وفي محافظات الحدود الافغانيه كونار ونانجارهار، حيث فر بعض عناصر حركه طالبان باكستان في اعقاب العمليات العسكريه الباكستانيه. من ناحيه اخري، ساعد كاظم في تطوير شبكه داعش في مقاطعه بلوشستان الباكستانيه، وفي محافظات هلمند وفراه الافغانيتان.

بحلول اواخر عام 2014، اصبح المسؤولون الامريكيون والافغان منتبهين بما فيه الكفايه الي نشاط كاظم والتهديد الذي يمثله للقوات الاميركيه، حتي انهم بداوا التفكير في توجيه ضربه ضده. في 9 فبراير 2015، تابعت طائره امريكيه بدون طيار سياره كاظم في مقاطعه هلمند في افغانستان واطلقت صاروخا عليها، مما اسفر عن مقتل كاظم والعديدين غيره.

خلال الاشهر التاليه، ركزت داعش علي استماله المزيد من المقاتلين وتوسيع شبكاتها في شرق وجنوب وغرب افغانستان، وفي مقاطعه بلوشستان الباكستانيه ومناطقها القبليه.

تشمل استراتيجيه داعش للتوسع في افغانستان وباكستان ثلاثه عناصر رئيسيه:

اولًا، حاولت داعش جذب اعضاء جدد من خلال استغلال المظالم الشخصيه والفئويه داخل الشبكات الجهاديه الراسخه. في الواقع، انضم اول قاده لفرع جنوب اسيا في اعقاب نزاعات داخل منظماتهم السابقه. في باكستان، كان سعيد قد اصبح علي غير وفاق مع حركه طالبان باكستان بعد ان تجاهلوا تعيينه علي قمه  المنظمه، في اعقاب وفاه عدد من الزعماء بينهم حكيم الله محسود، في عام 2013.

وفي جنوب افغانستان، وكان لدي كاظم تحفظات مع ما زعم انه تمثيل قبائلي غير متوازن في مجلس شوري طالبان الداخلي، وفقا لمقابلات اجرتها مع مساعديه "شبكه محللي افغانستان" كان كاظم وقاده حركه طالبان الافغانيه الاخرين قد اصيبوا ايضا بخيبه امل تجاه الملا عمر، الذي ادت حالته ومكانه غير المعروفين الي تكهنات حول ما اذا كان لا يزال علي قيد الحياه.

الثانيه، دفعت داعش المال لتشجيع عمليات الانشقاق. فقد ازدهرت داعش بفضل تدفق تهريب النفط، وبيع السلع المسروقه والخطف والابتزاز والاستيلاء علي الحسابات المصرفيه، وتهريب الاثار في العراق وسوريا، الي جانب انشطه اخري. كان قادتها علي استعداد لانفاق المال -ربما ما يصل الي مئات الالاف من الدولارات- لبناء شبكات في جنوب اسيا.

ثالثا، استخدمت داعش انتصاراتها في العراق وسوريا لجذب بعض المجندين. واصلت المجموعه السيطره علي مناطق كبيره في الشرق الاوسط في اعقاب حملتها الحربيه الخاطفه عام 2014. وقال مسؤول عسكري امريكي كبير في افغانستان: "يبدو ان بعض السكان المحليين انجذبوا الي نجاح المعركه في العراق وسوريا." واضاف "الجميع يحبون المنتصر" سرعان ما استغلت داعش هذه الانتصارات من خلال حمله وسائل اعلام اجتماعيه متطوره.

علي الرغم من هذه التطورات، لا يبدو ان قاده داعش في العراق وسوريا يمارسون رقابه تشغيليه او تكتيكيه علي القاده العسكريين في افغانستان وباكستان. في الوقت الراهن، تبدو داعش في جنوب اسيا اقرب الي حليف تابع بشكل فضفاض اكثر منها ذراعًا مباشرًا للمنظمه.

ما هو اكثر من ذلك، تواجه داعش عقبات كبيره في المنطقه بسبب الجبهه المزدحمه بالجماعات الجهاديه وافتقارها للايديولوجيا التي لها جذور محليه قويه. ان الجماعات المسلحه الشعبيه في افغانستان وباكستان متعلقه بشكل عام بالتفسيرات المتطرفه للنسخ المنشاه محليا من الراديكاليه، مثل الديبونديه. لكن افكار داعش لا تزال تعد وارده عليهم، وليست بالضروره تلقي شعبيه.

ومع ذلك، يمكن ان تستفيد داعش من التقدم في مناقشات المصالحه بين الحكومه الافغانيه وحركه طالبان. هناك بعض فصائل طالبان التي يكاد يكون من المؤكد انها ستنشق الي جماعات مثل داعش في حال التوصل الي اتفاق سلام.

ولكن اذا ارادت داعش التوسع في جنوب اسيا، فمن المرجح ان عليها توظيف زعيم له كاريزما اقوي في افغانستان حتي يمكنه ان يجتذب المزيد من المقاتلين ومن التمويل. وقد اعرب قاده داعش عن اهتمامهم بالملا عبد القيوم ذاكر، وهو قائد عسكري متشدده سابق بحركه طالبان الافغانيه استقال العام الماضي بعد صراع داخلي علي السلطه.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل