المحتوى الرئيسى

إندونيسيا بين استمرار النظام القديم والتطلع للتغيير

06/27 22:23

الانتخابات التي جرت في اندونيسيا في التاسع من الشهر الحالي -وهي الثالثه منذ سقوط حكم سوهارتو سنه 1998- وفرت فرصه للاندونيسيين للاختيار بين "برابوو سوبيانتو" احد الوجوه العسكريه للعهد القديم، و"جوكووي" الوجه السياسي الصاعد.

وقد حاولت اندونيسيا خلال الـ15 سنه الماضيه بناء نظام ديمقراطي فعال والتخلص من اعباء تركه سوهارتو، غير ان الكثير من كبار ضباط الجيش المتقاعدين ما زالوا يتمتعون بثقل ويقومون بادوار طلائعيه في الحياه السياسيه لاندونيسيا.

برابوو سوبيانتو، جنرال متقاعد، وابن وزير التجاره في عهد سوهارتو، وزوج ابنه الاخير، عاد الي الواجهه السياسيه بقوه بعد ان تم اعفاؤه من مهامه في الجيش سنه 1998، بعد ان وجهت له اتهامات بالتورط في عمليه اختطاف وتعذيب طلبه ناشطين في مجال الديمقراطيه، وبعد سنوات من المنفي في الاردن عاد الجنرال السابق الي اندونيسيا ليتاقلم بسرعه مع الوضع السياسي الجديد.

وقد اسهم في بزوغ نجمه علي الصعيد السياسي الدعم الكبير الذي تلقاه من اخيه المليونير هاشم دجوجو هادي كوسومو. وكان قد فشل في الحصول علي تزكيه حزب غولكار للترشح باسمه لرئاسيات سنه 2009، ليؤسس بعد ذلك حزب حركه اندونيسيا العظمي، واستطاع هذا الحزب الحصول علي 12% من مقاعد البرلمان في الانتخابات العامه التي جرت في ابريل/نيسان الماضي. ويتبني هذا المرشح خطابا قوميا، واستطاع بناء صوره لنفسه باعتباره رجلا قويا ذا اسلوب قيادي حازم وفعال.

ويضم التحالف الذي يدعم برابوو حزب غولكار الحزب الحاكم ابان فتره سوهارتو، والفائز بالمرتبه الاولي في الانتخابات البرلمانيه التي جرت في ابريل/نيسان الماضي، وثلاثه احزاب اسلاميه هي حزب التنميه المتحد، وحزب العداله والرفاه، وحزب التفويض الوطني، بالاضافه الي الحزب الديمقراطي، وهو حزب الرئيس الحالي. واختار لمنصب نائب الرئيس "حتي راجاسا" رئيس حزب التفويض الوطني الاسلامي.

وعلي خلاف الجنرال المتقاعد، ينحدر المرشح الثاني جوكو ويدودو او جوكووي -بائع الاثاث- من اصول اجتماعيه متواضعه. في سنه 2005، اصبح محافظا لمدينه سولو، واعاد الكرّه بعد فوزه في انتخابات 2010 باغلبيه ساحقه. وفي عام 2012، اصبح محافظا لمدينه جاكرتا بعد ان اشتهر بالنزاهه ونظافه اليد.

وقد اختلفت حملاته الانتخابيه عن النمط السائد في اندونيسيا الذي يعتمد علي الدعايه التلفزيونيه، فقد اعتمد في بادره هي الاولي من نوعها في البلد، علي الرسائل النصيه والفيديوهات عبر الانترنت والقمصان التي تحمل صوره، واستطاع بذلك الترويج لنفسه كسياسي مختلف عن الاخرين.

ويعزو المراقبون جزءا من شعبيته الكبيره الي الزيارات المفاجئه التي يقوم بها الي المناطق المختلفه من العاصمه والاستماع الي الناس والحديث معهم بشكل مباشر عن المشاكل التي تواجههم. ويُري ترشح جوكووي كفرصه كبيره لتبتعد اندونيسيا عن النظام القديم ووجوهه، وخصوصا العسكر الذين لعبوا دورا كبيرا في الحياه السياسيه لاندونيسيا بعد سقوط نظام سوهارتو.

يتسلح محافظ جاكرتا بدعم حزب النضال من اجل الديمقراطيه الذي تتراسه ميغاواتي سوكارنو بوتري ابنه الرئيس الاسبق سوكارنو، وحزب الصحوه الوطنيه الاسلامي، والحزب الوطني الديمقراطي، وحزب ضمير الشعب.

وخلافا للتقليد السائد في اندونيسيا الذي يقضي بان يمنح المرشح الرئاسي منصب نائب الرئيس ومناصب في حكومته للاحزاب الداعمه له، رفض جوكووي هذا ورحب بكل حزب يدعم ترشحه للرئاسه علي اساس برنامجه الانتخابي ورؤيته السياسيه لاندونيسيا ومستقبلها، واختار يوسف كالا نائبا له.

بالنظر الي الفضائح وقضايا الفساد التي تورط فيها بعض كبار المسؤولين في عهد الرئيس الحالي، وما اثارته من ردود شعبيه، حاول المرشحان معا الاحتفاظ بمسافه واضحه بينهما وبين الرئيس المنتهيه ولايته سوسيلو بامبنغ يوديونو، الذي تراجعت شعبيته لعدم قدرته علي التعامل مع الفساد، الذي فرض نفسه كقضيه مركزيه في الحمله الانتخابيه الحاليه.

وهناك حنق شعبي كبير علي استفحال الفساد داخل المؤسسات العموميه في اندونيسيا. ففي تقرير لمنظمه الشفافيه الدوليه لسنه 2013 حول الفساد، احتلت اندونيسيا المرتبه 114 بين 177 دوله شملها التقرير. وقد شملت الاعتقالات بتهمه الفساد قضاه في المحكمه الدستوريه وضباطا كبارا من الشرطه وسياسيين من ضمنهم حكام اقاليم، ولهذا السبب كانت الرشوه احد المواضيع الرئيسيه للمناظره الرئاسيه الاولي التي جرت بين المرشحين للانتخابات الرئاسيه في التاسع من يونيو/حزيران الماضي.

قدم المرشحان معا وعودا، الغايه منها تحويل اندونيسيا الي قوه اقليميه، لكن الوسائل المتبعه تختلف من مرشح الي اخر. وقد حدد جوكووي سياسة خارجية ترتكز علي ثلاثه مستويات من الدبلوماسيه، وهي: العلاقات بين اندونيسيا والدول الاخري، والعلاقات بين رجال الاعمال المحليين ونظرائهم من الخارج، وعلاقات الشعب الاندونيسي مع الشعوب الاخري، بما يجعلها مبتعده عن الحلول العسكريه.

وتتمحور هذه السياسه حول اربع نقاط رئيسيه هي: الحفاظ علي امن المواطن الاندونيسي، وحمايه الثروات الطبيعيه والبحريه، والعمل علي استقرار وتعزيز امن المحيط الاقليمي لاندونيسيا، ودعم قيام دوله فلسطينيه مستقله ذات عضويه كامله في الامم المتحده. وعلي مستوي الدفاع، تعهد جوكووي بان يُحسّن الظروف المعيشيه للجنود وان يطور الصناعه الحربيه. مؤكدا ضروره اللجوء الي الطائرات بدون طيار لمواجهه الاخطار الداخليه والتركيز علي الحرب الالكترونيه.

اما برابوو فقد اشار الي ان الاخطار الخارجيه المحدقه ببلده تتطلب قياده قويه وحازمه للتصدي لهذه الاخطار، الناجمه عن النزاعات الحدوديه مع الصين في بحر الصين الجنوبي. وقال ان الدول الاخري ستتعامل مع اندونيسيا علي اساس قوتها العسكريه وان الدبلوماسيه ليست سوي كلمات لا تقدم ولا تؤخر.

ويري ان مفتاح النجاح للسياسه الخارجيه هو رفاهيه الشعب ومستوي تقدم الرعايه الاجتماعيه. ولضمان هذه الرفاهيه، وَعد بان يَحُدَّ من خروج الرساميل الاندونيسيه الي الخارج.

واشترك المرشحان في التاكيد علي ضروره حمايه حقوق العمال الاندونيسيين بالخارج، كما احتل الامن الغذائي حيزا مهما في برامجهما، حيث شددا معا علي ضروره تحقيق الاكتفاء الذاتي في المواد الاساسيه وتخفيض الاعتماد علي الخارج.

وكان الاقتصاد هو الموضوع الرئيسي للمناظره الثانيه التي جرت بين المرشحين في 15 يونيو/حزيران الماضي. ولا توجد خلافات كبيره بين السياسة الاقتصادية للرجلين، حيث عبرا عن ضروره تحرير اندونيسيا من ارتباط اقتصادها بالراسمال الاجنبي والمساعدات والتكنولوجيا الخارجيه وضروره تحقيقها استقلالا اقتصاديا تاما والحفاظ علي ثرواتها التي تستنزفها الشركات العالميه.

وفي هذا السياق، وصف برابوو السماح للاستثمارات الاجنبيه بالتدفق علي اندونيسيا بالخيانه، في حين اكد جوكووي ان هدفه الاول هو تحقيق الاكتفاء الذاتي والاعتماد علي الذات في جميع المجالات.

بالاضافه الي ذلك، وعد كلا المرشحين برفع الحد الادني للاجور والعمل علي ردم الهوه الكبيره بين الفقراء والاغنياء. وعلي مستوي البنيه التحتيه، وعد جوكووي بتجديد شبكه السكه الحديديه وتمديدها بالاضافه الي بناء موانئ في كل اندونيسيا لتسهيل حركه المرور في الارخبيل. اما المرشح الاخر فقد وعد ببناء ثلاثه الاف كيلومتر من الطرق السريعه.

ويؤكد اغلب المراقبين ان تنامي النبره القوميه في خطاب المرشحيْن مُوجَّه اساسا للاستهلاك الداخلي، وان المرشحيْن يُدركان جيدا الدور الكبير الذي لعبته -وما زالت- الاستثمارات الاجنبيه في التنميه الاقتصاديه التي حققتها اندونيسيا، لذا سيضطر الرئيس المقبل -ايّا كان- الي التضحيه ببعض الوعود التي قدمها، او علي الاقل محاوله تقديم تفسير جديد لها.

وتجدر الاشاره الي ان المرشحيْن معا فشلا في تقديم برنامج مفصل للرفع من الجوده الرديئه للموارد البشريه في اندونيسيا، الناتجه اساسا عن ضعف المنظومه التعليميه والتربويه لهذا البلد. واذا استمرت المنظومه علي هذه الحال، فستكون لها انعكاسات سلبيه علي الاقتصاد الذي وعد المرشحان بالدفع بعجلته الي الامام.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل