المحتوى الرئيسى

أزمة المعنى؟

06/26 10:26

حين صدر كتاب «ازمه الثقافه» للكاتبه الالمانيه الاميركيه حنّه ارندت عام 1954، كان العالم ينفض عنه غبار حربين كونيّتين، اهلكتا عشرات ملايين الخلائق، وبدّلتا الكثير من المعالم والعلاقات، لا سيّما علاقه الفرد، بثقافه معيّنه. ولئن صحّ انّ ارندت كانت تنظر الي الواقع الاميركي، في الستّينيات من القرن العشرين، وترمي بنظرها المقارن بين وطنها الثاني وبين وطنها الاول، المانيا واوروبا بعامه، وانها كانت تسعي الي تلمّس العلائق المضطربه، بل المزلزله، بين الفرد وبين مجتمعه المحافظ، وبين الحقيقه وبين السّلطه بانواعها، وبين الفن والسياسه وبين مفهوم الحريه، وبين التربيه النخبويه والتربيه الشعبيه او الديموقراطيه، وبين الثقافه الاستعلائيه والثقافه ببعديها الاجتماعي والسياسي، فانّ في نظرتها، اليوم، بعضًا من الحقيقه.

وبالعوده الي موضوعنا نسال: اين الثقافه، باعتبارها «مجموعا من السمات الروحيه والماديه والعاطفيه والفنّيه والقيَميه والتراثيه..» في جامعاتنا؟ ولا نقصد الجامعه الوطنيه تخصيصا، انما كلّ الجامعات الراسخه والنابته في ارض الوطن علي السواء؟ قبل الاجابه عن السؤال، نشير الي انّ ما نورده يندرج في باب الراي المستند الي الخبره التعليميه والاكاديميه، ولا يدّعي حملَ الحقيقه الشامله باي حال. ومع ذلك يمكن القول انّ مفهوم الثقافه، لدي كلّ من الجامعات العامله في لبنان، ليس واحدا؛ ففي حين تركّز بعض الجامعات علي البعد الديني، تركّز بعضها علي البُعد التقني، والبعض الاخر علي البُعد الاستعلائي التمييزي، والبعض علي البعد التراثي. وان اجتمع بُعدان في جامعه واحده او عدد من الجامعات، فانّ الطابع العام او النهج الاجتماعي، بحسب بيار زيمّا، يتكفّل بترجيح كفّه بُعد علي اخر، في وعي القيّمين علي الامر وفي لاوعي الجمهور المتلقّي. وههنا يمكن التثبّت من توزيع تلك الابعاد، من خلال دراسه النشاطات الثقافيه المتوفّره لطلاّب الجامعه وطالباتها، ومدي مشاركه هؤلاء الفعليه فيها.

هذا من دون ان نتكلّم علي البُعد السياسي ـ الطائفي الذي يبدو، في هذه اللحظه من تاريخ لبنان والمنطقه، في ذروهٍ عزّ نظيرها، وعليه فانّ النشاطات الثقافيه في الجامعات كان يفترض بها ان تكون عاملَ تجاوز فكريّ، او نوعا من القفز الموقّت من فوق الانتماءات الحادّه، والاصطفافات والهويات القاتله التي تحفل بها الشاشات والساحات، في جوارنا، فيعود الوعيُ منها اقلّ قلقا علي الوجود، واكثر استئناسا بالفنّ والادب والمسرح والرسم والغناء والايماء والرقص والسينما والشعر، واكثر استعدادا لاستقبإل ألوجه المختلف عن صورته المكروره فيه وفي من ينتمي اليهم، ولاستقبال الصوت والايقاع المفترقين عن صوته وايقاعه، وليحتفل بهما علي انهما جزؤه الاخر الذي حان خروجه الي النور.

ولكنّ الثقافه في الجامعات، هل تعني النشاطات الثقافيه، السالف وصفها، والتي لا تكاد تدخل حياه طلاّبنا سوي من باب الاختيار، او الحشريه، او السعي الي تكوين الصداقات ليس الاّ؟ الا تعني الثقافه هذه العمل الجدّي علي تغيير علاقه طلاّبنا بالمعارف، وبالتعليم الاكاديمي، لكي يصيروا شركاء في تكوين المعارف، متعلّمين، وباحثين، ومبدعين بدورهم؟ ثمّ الا تعني الثقافه ان يُعمل علي شحذ همه كلّ طالب جامعي لكي يكون مخترعا او مبدعا في مجاله، علي ما دعا اليه الصحافي والمتخرّج من الجامعه الأميركيه، غسّان تويني في احدي خطبه الي الطلاّب، في التسعينيات من القرن الماضي؟ بيد انّ هذا الامر يستدعي تغييرا اخر، اشار اليه علمٌ متعدد الميادين، وهو علم التعلّميه (الديداكتيك)، اي تغيير العلاقه بين استاذ المادّه الاكاديمي وبين الطالب بحيث يصير الاخير محور العمليه التعليميه – التعلّميه، لا الطرف الاضعف في تلقّي المعارف وتلقينها، وصاحب كفايه في الحُكم علي الامور وفي بناء معرفته بذاته، لا شخصا عديم الشخصيه وتابعا شخصا اخر ايا تكن صفته، وصاحب نِظره وذوق بناء علي معايير اعانه استاذه علي انتقائها وتعقّلها، لا تلميذا عديم الثقه بمهاراته ومعارفه ولائذا بمرجع اكبر منه واذكي علي الدوام.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل