مرثية ما بعد المعركة
الشجن هو ما نصل اليه بعد ان نخرج من معرض ريم الجندي. ليس شجنا فحسب، انما هو بحث عما بحثت عنه ريم ووجدته ولم تجده: محاوره الاموات. معرض ريم الذي نقلت بورتريهاته عن صور شخصيه، عن قتلي حقيقيين، هو ايضاً محاوله لتكليم هؤلاء الموتي محاوله جعلهم يتكلمون. البورتريه والهاله التي حوله والتي هي غمامه تغمر الوجه، او شال يحيط به، او لفافه حوله. هالات لكنها ليست من نور حتي حين تكون بيضاء، انها اقرب الي اكفان او مثوي للوجه يلفه كانما يلف هكذا الجسد الغائب، هكذا يحضر الجسد في الوجه ويحضران معا في اللحظه التي هي نفسها في المعرض كله، فكانما هو جميعه لحظه واحده لا نلبث ان نستشعرها ما ان ندخل الي المعرض.
المعرض الذي يكاد يكون مجموعات بورتريهات بذات الحجم تقريباً. بورتريهات حولها حلقه من شعر اسود ولفافه، ثمه ما نستشعره بمجرد دخول المعرض هو تلك اللحظه الحاضره التي تتولد وتتكوكب من لوحه الي لوحه. ان ما يبدو لاول وهله تكراراً، ما يبدو استعاده هو ذلك الزمن الذي يتكثف في لحظه تتناسل وتتوالد لوحه فلوحه. انه الزمن الذي تتعاقب ثوانيه في كل المعرض، الزمن الذي هو لحظه قريبه نافذه بل ثاقبه. كان ما ترسمه ريم الجندي هو صدي المعارك، بل هو ما بعد المعركه، هو الفقدان والغياب. وهذه الوجــوه المتعاقبه تحمل في تكرارها وتعاقــبها ذلك الزمــن المكسور الذي هو ايضاً لحظه الغياب.
شالت ريم الجندي الجثث عن الارض، فهذه البورتريهات هي لقتلي حقيقيين، شالتهم ريم الجندي عن الارض حيث تركوا للعراء. شالتهم وانحنت عليهم وبريشتها صنعت لهم اكفانا واضرحه، بريشتها صنعت لهم زهوراً واكاليل واغصاناً وايادي واهلّه ونجوما للجنازه. انحنت عليهم وصورت بريشتها ما بعد الموت ما بعد المعركه. صورت الزمن الذي يتسلسل فيه الغياب، صورت لحظه الفاجعه الخرساء الجامده. كانوا متشابهين بالشعر الاسود والوجه الترابي والعيون الواسعه المفتوحه، متشابهين بالنظره والخرساء والوجه شبه النمطي، متشابهين لانهم جميعاً في ظلال الموت، لانهم جميعاً «جردا» كالارض اليابسه، ولانهم كالفراغات التي تركوها متماثلون. ذلك ان وراء الوجوه شبه النمطيه والالوان شبه الواحده الغياب، وتلك اللحظه المتكرره المستعاده التي تطن بنفس الايقاع هي لحظه الفقدان، فالمعرض اشبه بمرثيه طويله.
Comments