المحتوى الرئيسى

محمد حامد البديوي يكتب: المحكمة الجنائية الدولية والسعي نحو عدالة غائبة: قراءة في دور المحكمة وأزماتها السياسية | ساسة بوست

06/26 05:18

منذ 5 دقائق، 26 يونيو,2015

تاسست المحكمه الجنائيه الدوليه في 2002 باعتبارها منظمه دوليه ذات اختصاص في محاكمه الافراد المتهمين بانتهاك قواعد القانون الدولي الإنساني بموجب ميثاق روما الاساسي الموقع في 1998، والذي وقعت عليه 121 دوله من اصل 160 واعترضت عليه 7 دول ابرزهم الولايات المتحدة، اسرائيل، الهند، الصين، ودخل حيز التنفيذ في يوليو 2002 لتصبح الجنائيه الدوليه هي اول محكمه دوليه تسعي للحد من ثقافه الافلات من العقوبه.

وتختلف المحكمه الجنائيه عن محكمه العدل الدوليه في ان الثانيه هي الهيئه القضائيه الرسميه للأمم المتحدة وتقوم بحسم الخلافات التي تنشا بين الدول الاعضاء، كما تقدم اراءً استشاريه في المسائل التي تعرض عليها من الوكالات والهيئات الدوليه، بينما المحكمه الجنائيه ليست من الاجهزه التابعه للامم المتحده وتختص بالنظر في الجرائم التي يرتكبها الافراد، ووفقا لميثاق روما فان المحكمه تضطلع بالنظر في قضايا الاباده الجماعيه، الجرائم ضد الانسانيه، وجرائم الحرب التي تشكل انتهاكات لاتفاقيات جنيف 1949 وبمعني اخر فالجنائيه الدوليه لها اختصاص قانوني جنائي في الجرائم بينما العدل الدوليه ذات اختصاص فني للبت في المشاكل والازمات ذات الصبغه القانونيه كمسائل ترسيم الحدود. اما عن الاختصاص الزماني فان الجنائيه تقصر النظر علي القضايا التي وقعت بعد تاسيسها ولا تمتد ملاحقتها الي ما قبل 2002.

لماذا تقتصر الملاحقات القضائيه علي القضايا الافريقيه دون غيرها؟

عاده ما يثار جدل حول الدور الحقيقي للمحكمه نحو ترسيخ قيم العداله في النظام الدولي في ظل اختلاط الاوراق بين ما هو سياسي وما هو قانوني، لا سيما في ضوء عدم اتخاذ المحكمه او تجاهلها التدابير اللازمه لحمايه المدنيين من خطر الاستبداد والقهر السياسي الا مع الضوء الاخضر للقوي العظمي، ولعل موقف الولايات المتحده من الميثاق خير شاهد، فقد قامت بالتوقيع علي ميثاق روما ثم سحبت توقيعها، فضلًا عن التجاوزات الاسرائيليه بحق المدنيين في فلسطين ولبنان بدءًا من 2009 وحتي 2014.

ولعل الجدل الدائر يجد ما يؤيده خاصه بعد اصدار محكمه جنوب افريقيا حكمًا باعتقال الرئيس السوداني اثناء مشاركته في القمه الافريقيه الذي صدر بحقه مذكره توقيف من المحكمه في عام 2009 لادانته بارتكاب سبع تهم وفقًا لميثاق روما الاساسي. وللوقوف علي حدود تلك الازمه يجب اولًا معرفه اليات وسبل التقاضي امام المحكمه الجنائيه الدوليه.

حدد ميثاق روما المصادر الاساسيه للقضايا التي تقع في اختصاص المحكمه وهي كالتالي:

• مجلس الامن له الحق في احاله اي قضيه للمحكمه (م13).

• الاحاله عن طريق دولة عضو في المحكمه (م14)

• المدعي العام له الحق في مباشره التحقيقات اذا نما الي علمه حدوث انتهاكات انسانيه ضمن اختصاص المحكمه (م15)

وهنا يثور السؤال التقليدي انه بالنظر الي قضايا المحكمه نجد انها دارت جميعًا في دول افريقيه، وبالنظر الي القضايا المنظوره امام المحكمه نجد ان اربع دول “الكونغو- اوغندا- افريقيا الوسطي- مالي” طالبت باعتبارها دولًا اعضاء في المحكمه بالتحقيق في تلك الجرائم التي نشبت علي اراضيها بموجب م 14، بينما تمت الاحاله من قبل مجلس الامن في قضيتين “دارفور– ليبيا”، فيما اتخذ المدعي العام للمحكمه قرارًا بمباشره التحقيقات في قضيتي كوت ديفوار وكينيا في اكتوبر 2011 ونوفمبر 2009 علي الترتيب.

وتعتبر حاله كينيا مثالًا فريدًا لتفعيل البند الثالث في طرق الاحاله التي نص عليها ميثاق روما، اذ تم فتح التحقيق بناءً علي معلومات نمت الي المدعي العام في نوفمبر 2009 بشان اعمال العنف التي تلت الانتخابات في 2007 ونتج عنها قرابه الالف قتيل وستمائه نازح بدون تفويض مسبق من الحكومه الكينيه. ويعتبر الرئيس الكيني “اوهورو كينياتا” هو اول رئيس يمثل امام المحكمه ويحضر جلساتها وهو لا زال في السلطه وبصرف النظر عن اسقاط ممثلي الادعاء التهم الموجهه للرئيس الكيني الا ان ممثله الادعاء الحاليه “فاتو بنسودا” اتهمت الحكومه الكينيه بعرقله التحقيقات، كما اتهم الرئيس الكيني المحكمه “بالانتقائيه لخدمه مصالح غامضه”.

ايضًا مثلت كينيا اختلافًا عن حاله كوت ديفوار، فبالرغم من قيام المدعي العام ايضًا بفتح التحقيق في حاله كوت ديفوار في اكتوبر 2011 والتي ليست عضوًا في ميثاق روما الاساسي عكس كينيا، الا انها وافقت علي قبول اختصاص المحكمه للتحقيق في احداث العنف التي تلت الانتخابات الرئاسيه في 2010.

الدول العربية والمحكمه الجنائيه الدوليه

شاركت الدول العربيه بلا استثناء في مؤتمر روما، والذي نتج عنه النظام الاساسي المؤسس لنظام المحكمه الجنائيه، ووقع علي الميثاق سبع دول عربية “مصر – الجزائر – الامارات – البحرين – الكويت – المغرب – عمان – اليمن – سوريه”. بينما صدقت علي المعاهده فقط ثلاث دول ومن ثم صاروا اعضاءً دائمين بالمحكمه “الاردن – جيبوتي – جزر القمر – فلسطين”.

وفي لقاء سابق بين لويس اوكامبو – المدعي العام السابق للمحكمه– مع قناه الجزيره وردًّا علي سؤال بشان القضايا العالقه في المنطقه العربيه علق بدوره انه مقيد بالقانون الاساسي، ومن ثم لا يستطيع توقيف الدول غير الاعضاء، وهنا وجه دعوته للدول العربيه بالمشاركه لخلق واقع افضل من خلال تغيير القوانين المنظمه. وللدول العربيه تاريخ مع المحكمه الجنائيه، وفيما يلي محاوله لاستعراض ابرز القضايا العربيه التي طرحت امام الجنائيه الدوليه:

تمت احاله ملف دارفور السودان بواسطه مجلس الامن في 2005 للتحقيق في الانتهاكات التي تمت اثناء حمله لمكافحه التمرد شنتها حكومه السودان علي حركه جيش تحرير السودان وحركه العدل والمساواه، وجماعات مسلحه اخري معارضه لحكومه السودان في دارفور. ويواجه البشير تهمه ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانيه بالمشاركه مع كل من احمد هارون، عبد الرحيم محمد حسين، علي كوشيب، بحر ادريس، عبد الله باندا.

ولعل تلك هي المره الاولي التي يصدر فيها امر بالاعتقال في حق رئيس بالسلطه، ويواجه البشير “رئيس السودان” جريمتي حرب “توجيه هجمات ضد المدنيين – النهب”، وخمس جرائم ضد الانسانيه “القتل – الاباده – النقل القسري – التعذيب – الاغتصاب”، وقد صدرت مذكره توقيف للرئيس البشير في 2009 . وكان من الطبيعي ان تحيل الامر لمجلس الامن صاحب الاختصاص الاصيل بالدعوي ولكن المحكمه اخذت علي عاتقها مهمه الملاحقه للبشير، وهو ما تجلي مؤخرًا في محاوله الزام جنوب افريقيا الموقعه علي ميثاق روما بتسليم البشير اثناء مشاركته بالقمه الافريقيه في جوهانسبرج، وهو ما لم يحدث.

ولم تكن تلك المره الاولي التي يتحرك فيها البشير افريقيا فقد سبق وان رفضت كينيا تسليم البشير اثناء مشاركته في قمه ايجاد في 2010، كذلك تشاد ومالاوي في 2011 رفضت تسليم البشير مما ادي الي احاله المحكمه كلتا الدولتين لمجلس الامن لعدم التعاون، ثم في 2014 رفضت ايضًا الكونغو ونيجيريا. وهو ما وضع المحكمه في مازق حرج من عدم الامتثال لقراراتها اخذًا في الاعتبار قرار القمه الافريقيه في 2011 بعدم التعاون مع المحكمه في ظل الاعراف الدبلوماسيه المعمول بها من حصانه رؤساء الدول والبعثات الدبلوماسيه، غير ان اعتقال رئيس دولة يعد بادره لتدهور العلاقه السياسيه والاقتصاديه بين دولتين اذ يعد بمثابه اعلانًا للحرب كما يتنافي مع السوابق الدبلوماسيه.

تعتبر فلسطين احدث الدول المنضمه لميثاق روما والمحكمه في ابريل 2015، وجاءت تلك الخطوه كتصعيد من الحكومه الفلسطينيه بعد رفض مجلس الامن مشروع قانون بانهاء الاحتلال 2017. وفي اطار سعيها لكسب المزيد من الاعترافات الدوليه من برلمانات ومنظمات ذات ثقل دولي كاليونسكو.

في يناير 2009 وعلي خلفيه الاجتياح الاسرائيلي لقطاع غزه، تقدمت فلسطين للمحكمه بطلب بموجب الماده 12(3) والتي تسمح للدول غير الاطراف في نظام روما بقبول اختصاص المحكمه للتحقيق في الانتهاكات الانسانيه وجرائم الحرب الواقعه في الفتره من ديسمبر 2008 وحتي يناير 2009. وفي نفس السياق في سبتمبر صدر تقرير من لجنه التحقيق التي شكلها مجلس حقوق الانسان التابع لمجلس للامم المتحده بقياده القاضي ريتشارد جولدستون والذي ادان اسرائيل بشكل واضح بارتكاب جرائم حرب في القطاع وجرائم ضد الانسانيه مع التوصيه لمجلس الامن باحاله القضيه للمحكمه الجنائيه الدوليه علي غرار دارفور.

وقد اشار “اوكامبو” الي عدم تحرك المحكمه لتوقيف المتهمين الاسرائيليين عن تلك الجرائم لقصر حدود مسؤوليته علي الدول الاعضاء، علمًا بان اسرائيل لم تصدق علي الميثاق ومن ثم لا يمكنه الملاحقه بدون اذن مسبق من مجلس الامن. بالرغم من وجود سوابق قانونيه كحاله كوت ديفوار لم تكن عضوًا وتم فتح التحقيق بناءً علي طلب من المدعي العام “اوكامبو” نفسه انذاك ولكن المعادله السياسيه تبدلت في تلك الحاله في ظل الدعم الدولي الذي حظيت به اسرائيل من الولايات المتحده في حربها علي القطاع بحجه استهداف حركه حماس. ومن ثم يبدو جليًّا اثر المعادلات السياسيه في النظام الدولي علي نظام المحكمه مما يعيدنا للمربع الصفري في البحث عن مفهوم العداله الغائبه.

علي خلفيه احداث العنف في فض اعتصامي رابعه العدويه وميدان النهضه اعلنت جماعه الاخوان المسلمين رفع دعوي امام الجنائيه الدوليه ضد كل من وزير الداخليه محمد ابراهيم، وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي والرئيس المؤقت عدلي منصور انذاك بتهم ارتكاب جرائم الاباده الجماعيه وجرائم ضد الانسانيه. وقد تم رفض الدعوي وجاء في حيثيات الرفض بتاريخ 8 مايو 2014 ان الدعوي لم تستوف معايير القبول الشكليه لعدم وجود صفه رسميه للاخوان – باعتبارهم لا يمثلوا الحكومه المصريه- ولعدم وجود طلب رسمي من الحكومه المصريه وبالتالي لا تنطبق احكام الماده 12(3)، اخذًا في الاعتبار ان مصر ليست عضوًا بالمحكمه، ومن ثم يتبقي فقط الاحاله من مجلس الامن وهو ما لم يحدث وغير منتظر حدوثه في الوقت الراهن.

تعد سوريا نموذجًا واضحًا للتناقضات المتعدده التي تطال المحكمة الدولية، كما انها تمثل حاله فريده وصارخه لانتهاكات القانون الدولي الانساني، وهي بلا منازع احد ابرز الامثله علي الصراع السياسي بين القوي العظمي والذي يفضي الي توقيف العمل بالقانون انطلاقًا من الفكره التقليديه بان القوه تخلق الحق وتحميه.

وتعد الازمه السوريه حاليًا هي اصعب حاله طوارئ انسانيه في العالم وفق تقديرات الأمم المتحدة، اذ يقدر عدد الضحايا بـ220 الفًا في يناير 2015، فضلًا عن 3.4 مليون لاجئ في فبراير 2015 ، مما يجعلها وبلا منازع افدح كارثه انسانيه بالنظام الدولي، فضلًا عن استخدام اسلحه محرمه دوليًّا في 2013. بمعني اوقع فان الازمه السوريه الممتده زمنيًّا من مارس 2011 حتي اليوم وعلي الرغم من فداحتها علي الصعيد الانساني والدولي وكم الممارسات الواقعه من جرائم الحرب وجرائم ضد الانسانيه التي مورست الا ان النظام السوري لا يزال بعيدًا عن اي ملاحقه دوليه اذ يحظي بدعم مباشر من روسيا التي لوحت مرارًا بالتصويت الاعتراضي “الفيتو” علي مذكره فرنسا لتحويل الملف للجنائيه الدوليه علي غرار السودان، كما صوتت روسيا والصين اعتراضًا بموجب حق الفيتو علي مشروعين سابقين:

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل