المحتوى الرئيسى

الشعائر الروحية تصبح طقوسا فولكلورية

06/25 11:44

عندما تنقلب ممارسه الدين من شعائر روحيه ذاتيه، تسمو بجوارح وافكار ونوازع الفرد الممارس نحو الافضل والانقي والاجمل، الي طقوس فولكلوريه، تخضع للعادات والتقاليد وهرج ومرج الاخرين المحيطين بذلك الفرد، فاننا نكون امام ممارسه مشوهه تسلب الدين اهم ما يميزه: روحانيته وصفاؤه.

شهر رمضان قصد به ان يكون شهر ممارسه لشعائر روحيه. فالشعيره الاولي، شعيره الصيام عن الطعام والشراب، هو لاعلاء اراده الانضباط فوق ضعف الانفلات الغريزي، وهو تذكير شعوري تضامني بجوع الاخرين من فقراء ومهمشي هذا العالم المفروض عليهم من قبل انظمه وقوي غير عادله وفاقده لدفء التضامن الانساني، وبالتالي تذكير بمسئوليتنا الاخلاقيه والنضاليه في ان لايوجد مثل هكذا جوع ولا هكذا من الجائعين.

لكن تلك الشعيره، شعيره التطهر الروحي والنفسي، انقلب الي واحده من الطقوس الفولكلوريه: فالجوع اثناء النهار حلت محله تخمه الليل من خلال افطار مبالغ في انواع مكوناته وكمياته، لتتبعه بعد ذلك ولائم غنيه اخري اثناء مشاهده التلفاز او ابان زياره الاخرين. اما التضامن – الروحي والعاطفي مع الفقراء والمعوزين، فيعبر عنه بارسال ما يزيد من الطعام الي بيوت الفقراء او اقامه سرادق مذل لمنكسي الرؤوس من المعوزين. وعندما ينتهي رمضان يعود المعوزون الي جوعهم وحرمانهم طيله الشهور القادمه وهم يستمعون، سنه بعد سنه، الي ثرثره الحكومات والمنظمات حول العمل علي تخفيض اعدادهم وانهاء العار الذي يلبسون.

اما الصائمون من غير الفقراء فينسون التزاماتهم ومسئولياتهم الدينيه تجاه الفعل النضالي السياسي والمجتمعي المستمر المطلوب، لحل قضيه الفقر والفقراء، والتي لن قد تخفف من ويلاتها صدقه من هنا وصدقه من هناك، ولكنها لن تحلها حلا جذريا يقتلعها من مجتمعات المسلمين.

والشعيره الثانيه، شعيره الصوم عن كل ما يدنس النفس الانسانيه من انانيه وكذب وكره وحقد وممارسه شتي الرذائل الاخري، اي محاوله عيش القيم والاخلاق الربانيه، فانها تستعصي علينا حتي اثناء شهر واحد في السنه. فالتاجر يحتكر ويرفع الاسعار ويعتبر تلك الرذيله شطاره غير مفطره. والطائفيون يؤججون الصراعات العبثيه ومشاعر الكره وخطابات التنابز ولا يرون في ذلك تعارضا مع وحده الدين وتعاضد اتباعه. والجهاديون التكفيريون يرتكبون موبقات قطع الرؤوس وسبي النساء واختطاف الاطفال باسم قراءه متخلفه للقران والسنه والفقه، ولا يرون في ذلك تعارضا مع الصوم عن ارتكاب الخطايا والفواحش والفساد جميعهم يحلون طقوس الثقافه البدائيه المشؤهه مكان شعيره الصوم التطهيري للسان والعقل والعواطف.

وهكذا، فلا الصيام عن الاكل والشرب ولا الصوم عما يدنس الروح، يمارسان كشعيرتين روحيتين وانما يمارسان كاشكال من الطقوس الانتهازيه، التي تراكمت في العقل الجمعي العربي عبر القرون.

شهر رمضان قصد به ايضا ان يكون شهر عباده تامليه، يهدا اثناءها الجسد بغرائزه والذهن يقلقه. والعباده التامليه لا تتم في اجواء السرعه والاستعجال وعدم التمعن.

ولذلك فعندما تنقلب صلاه الجماعه، اثناء صلاه التراويح مثلا، الي تلاوه مستعجله وخاطفه للنصوص القرانيه والي ركوع وسجود يماثل حركات الرياضه المدرسيه، فان العباده لا يمكن ان تكون تامليه من خلال خشوع النفس وسلام الداخل.

حتي اذا ما انتهي من الصلاه تراكض القوم الي سلسله من زيارات لمجالس ترمز لسلطه وجاه ووجاهه اصحابها، وتختلط فيها المجاملات بالانتهازيه بالتهام مزيد من الاكل والشرب.

وما ان ينتهي صخب الزيارات حتي يبدا صخب مسلسلات التليفزيون التجاريه المسطحه للثقافه، الكاذبه باسم التاريخ المحور والمختلطه مع هذيان ديني مشغول بالقشور والمظاهر التعبديه، وبعيد عن اعماق الانسان واعماق الوجود.

وهكذا تضيع شعيره العباده التامليه، حيث اقتراب الادني بالاعلي، في صخب الطقوس الفولولكلوريه. ابان الاسابيع الماضيه، استمع الناس عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، الي عالم ازهري يطالب بمراجعه تاريخ وضع صحيح البخاري وما جاء فيه. واستمعوا ايضا الي باحث شيعي يطالب بمراجعه مصادر فقه الشيعه الاربعه، التي كتبت ايام الدوله البويهيه. يسال الانسان نفسه: هل ان مراجعه مصادر الفقه الاسلامي، بمدارسه المختلفه، وتنقيتها مما علق بها من الاضافات عبر القرون، ستكون خطوه نحو ارجاع وهج الشعائر الروحيه، لتحل محل هيمنه الطقوس الفولكلوريه.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل