المحتوى الرئيسى

مهنة الموت في أنفاق غزة تعاني من الركود

06/22 17:47

هم شباب من غزه ارهقتهم مراره العيش وقسوه الظروف، وقادتهم مسؤولياتهم الي باطن الارض للعمل في الانفاق الممتده علي الشريط الحدودي بين قطاع غزة ومصر. بالاضافه الي ادخال البضائع الي القطاع، يبذلون جهوداً كبيره لتامين الانفاق والحفاظ عليها من الانهيار. وبهذه المهنه الشاقه يجدون ملاذاً من شبح البطاله ويتجنّبون عواقب الفقر.

حسن الحمامي (28 عاماً) كان يعمل في مهنه البناء، مهنه بالكاد كانت توفر له قوت يومه. قارن بين عمله السابق والعمل داخل نفق، فوجد ان الدخل المادي من مهنه حفر الانفاق اكثر جدوي فقرر، برغم المخاطر، ان يكون احد الذين يخاطرون بارواحهم لاجل حياه كريمه. وقال لرصيف22: "بدات العمل في حفر الانفاق عام 2008، وكنت اداوم 12 ساعه يومياً، وبعدها عمِلت في نقل الاسمنت وبضائع متنوّعه الي القطاع المحاصر".

واضاف الحمامي: "ان الوضع الاقتصادي الصعب الذي يمر به قطاع غزه وقله فرص العمل وانتشار البطاله بشكل كبير دفعتني والكثير من الشباب الي العمل في الانفاق التجاريه برغم الموت الذي يحدق بنا من كل جانب"، موضحاً ان هناك العديد من الاخطار التي تهدد حياه الانسان داخل الانفاق بدءاً من الاصابه بعجزٍ جزئي وصولاً الي الوفاه، وذلك لعده اسباب منها انهيار النفق نتيجه استهداف الطيران الاسرائيلي او انهيار ذاتي ناتج عن عمليه الحفر ونوعيه التربه او نتيجه الاختناق الناجم عن نقص الاوكسجين او حدوث ماس كهربائي او تسرب غاز عدا الاعتداءات المصريه عليهم. ابن الـ28 عاماً، واجه شخصياً كل المخاطر التي عددها. وفي احدي المرات، انهار النفق الذي يعمل فيه جزئياً وبقي محاصراً داخله ثلاثه ايام. الا انه لم يتوقف عن العمل داخل الانفاق فلا دخل لعائلته سوي ما يحصل عليه هو من "مهنه الموت".

فوق كل نفق، تثبّت مضخات هواء علي مسافات مختلفه ويتم تشغيلها بين ساعه واخري، لتزويد العاملين بالهواء. اما التواصل بين اعضاء الفريق، داخل النفق، لاطمئنان بعضهم علي بعض او لتنسيق جلب البضائع من مدخل النفق في رفح المصريه الي الجانب الفلسطيني، فيتم بالاتصال عبر هاتف سلكي معلًق علي الجدران الترابيه علي طول النفق. وكما روي الحمامي، يتم وضع البضائع في صفائح بلاستيكيه يتصل بعضها ببعض ثم يجري سحبها بواسطه حبل طويل وماكينه تعمل بواسطه مولّد كهربائي.

في السابق، كان الحمامي يحصل اسبوعياً علي ما يُقارب الـ600 دولار. لكن حالياً، ونظراً لقله الانفاق وتراجع العمل، لم يعد دخل العامل يتجاوز الـ70 شيكلاً (18 دولاراً) يومياً.

كذلك لم يجد الشاب الجامعي محمد اسليم (24 عاماً) فرصهً للعمل سوي تحت الارض. اكّد لرصيف22 ان مهنه الانفاق هي "الاصعب بين المهن الموجوده علي وجه الارض". وروي: "نجد الارواح تتساقط امامنا ولكن لا شيء يمنعنا من مواصله العمل لان الوضع المادي القاسي لا يترك للانسان ترف حمايه نفسه من مخاطر الموت".

ولفت اسليم الي ان هناك صفات يجب ان يمتاز بها حفّار الانفاق، وهي البنيه الجسديه القويه والجراه والصلابه والثقه بالنفس. فكثير من الشباب غامروا اول مره ثم لم يعودوا الي العمل. وكان اسليم احد هؤلاء لكن ظروفه المعيشيه اضطرته للعوده الي النفق.

ابن الـ24 عاماً بدا عمله عام 2011 في ادخال البضائع الي القطاع وكان يعمل اكثر من 15 ساعه يومياً. وقال: "الانفاق الممتده علي الشريط الحدودي بين مصر وقطاع غزه كانت شريان حياه لسكان القطاع بسبب اغلاق المعابر وتشديد الحصار. والان بفعل الاجراءات الامنيه المصريه ضد الانفاق واصحابها، تم اغلاق المئات منها مما ادي الي شلل العمل داخل الانفاق". ومن الطرق التي يتبعها الامن المصري لاغلاق الانفاق، وبحسب اسليم، اغراقها بمياه الصرف الصحي واطلاق الكلاب المفترسه علي عُمّال الانفاق.

وروي اسليم حادثه حصلت معه: "بعد ان توفي زميل لنا داخل النفق، قرر المسؤول ان نضيف بعض الاجراءات الفنيه علي النفق. وبينما كنت انا وثلاثه اخرين في الداخل، انهار جزء من تربه النفق عليّ حتي غمرتي وكدت افقد التنفس لولا تمكنّ زُملائي من انتشالي واخراجي". واكّد انه لا توجد ايّه اجراءات تضمن سلامتهم وحمايتهم من المضاعفات التي قد يسبّبها عملهم، عدا عدم توفر الاسعاف الطبي الصحيح للمصابين.

اما عن العائد المادي فهو يري ان المهنه لم تعد مربحه كما كانت في البدايه. فالعامل عند فتحه النفق لا تتجاوز اجرته اليوميه الـ70 شيكلاً (18 دولاراً) والعامل داخل النفق 120 شيكلاً (31 دولاراً) وذلك بسبب تراجع وتيره عمل الانفاق والتشديد المصري.

"انا من شريحه الشباب الذين وجدوا قوت يومهم تحت الارض بعد ان فقدوه فوقها". بهذه الجمله بدا حسن يونس (27 عاماً) حديثه. يونس يعمل هو وخمسه من اخوته في الانفاق. كل يوم، يغادرون المنزل ونظرات امهم الحزينه والقلقه تستودعهم الله.

لم يبدا يونس العمل مباشرهً داخل النفق. فالخوف شعور طبيعي ينتاب اي شخص سمع عن روايات الموت داخل الانفاق. طوال يومين راح يراقب عن قرب طبيعه العمل الجاري قبل ان يقرر الالتحاق بركب الاحياء تحت الارض. لم يكن يتقاضي راتبه كاملاً ولا دورياً لكن عدم توفر فرص عمل اخري اجبره علي المتابعه.

وتابع يونس: "النفق قبر حقيقي مُجهّز للعمل. كانت مساحته في البدايات ضيّقه بحيث لا يستطيع الانسان ان يمشي فيها بشكل معتدل. ومع الوقت وصلت الانفاق الي مرحله صارت تتسع لمرور سيارات وبراميل ومواد كبيره الحجم. ويتم تزويد بعض الانفاق بسكه تسمح بنقل البضائع علي شكل قطار تقليدي لادخال مواد الاعمار من اسمنت وحديد وغيرها".

لم يسلم هو الاخر من مخاطر المهنه. قبل عامين تعرّض لاصابه بماس كهربائي جعله يتشنج، ولولا مساعده زميله العاجله لفقد حياته. ومن قصص الموت التي شاهدها امامه روي: "كان هناك شاب لا يبلغ العشرين عاماً من العمر قرر العمل معنا داخل النفق، لكنه واجه رفض عائلته. وامام اصراره، وافق والده بشرط ان يرافقه. وفي اول نهار عمل له، انهار عليه جزء كبير من النفق وتوفي امام والده في موقف ماسوي".

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل