المحتوى الرئيسى

«محمد حبيب» يكشف كواليس انضمامه وانشقاقه عن الإخوان

06/22 11:26

روي الدكتور محمد حبيب، النائب الاول للمرشد العام لجماعة الأخوان المسلمين سابقًا، كواليس انضمامه وانشقاقه عن الجماعه، مؤكدًا انه قضي في الجماعه قرابه 43 عامًا وصاحب انشقاقه عنها ارهاصات عده ظلت كامنه تحت السطح لفترات طويله.

وكان نص المقال الذي كتبه "حبيب" بصحيفه "المصري اليوم" وحمل شعار "التغريد خارج السرب":ـ

قضيت في جماعه الاخوان نحو ٤٣ عامًا، ثم تركتها ومضيت.. لاشك ان الامر تطلب قدرًا لا باس به من الشجاعه والهمّه والعزم والحسم، فان يخرج الانسان عما الفه واعتاد عليه طوال هذه السنين ليس بالامر السهل او الهين.. لقد بدا الخروج بالنسبه للكثيرين مفاجئا، خاصه ممن يتابعون احوال الجماعه عن قرب، بينما استغرب البعض ذلك، وتساءل كيف يقضي انسان هذا العمر كله داخل الجماعه، وكان يمثل الرجل الثاني فيها، ثم اذا به يتركها ويمضي؟! فهل تركها لان خلافا جري بينه وبين الاخرين ممن كانوا معه في قياده الجماعه؟ ولماذا لم يحاول ان يحتوي هذا الخلاف وان يوجد صيغه للحل او للتقارب، ام ان الخلاف كان شديدا يستحيل معه البقاء داخل الجماعه؟!، واذا كان الرجل تركها لاسباب موضوعيه، فهل كان الامر يحتاج الي هذه الفتره الطويله؟! ثم، الم يكن اتخاذ قرار الخروج من الجماعه صعبا وعسيرا علي نفسه؟

الحقيقه ان مثل هذا النوع من القرارات عاده لا يكون مفاجئا، وانما تسبقه ارهاصات ومقدمات، ربما تظل كامنه تحت السطح لفترات طويله، خاصه في جماعه تحافظ علي اسرارها وتتكتّم عليها، حتي لا تستخدم ضدها من خصومها.. وفي الغالب الاعم، يكون القرار مصحوبا بكثير من الالم والحزن.. لكن يخفف منهما ان الانسان كان يعمل لله، وانه حاول ان يصلح امورا فلم يوفق، ومن ثم ارتاي انه من الافضل ان يغرد خارج السرب حتي ولو بقي وحده.. كان يحضرني دائما قول الامام علي: «لا تستوحشوا الطريق لقله سالكيه».. كنت اري فيه وصيه غاليه من عالم وفقيه، خاض تجربه من اشد التجارب شراسه وضراوه، فلم يهن ولم يضعف.. فاذا وضعنا في اعتبارنا انه لا وحشه ولا غربه في الحياه مع الله، لادركنا ان الامر كان سهلا وميسورا، كرما من الله وفضلا.. لم يكن يهمني راي فلان او رضا علان.. يكفي اني كنت متفانيا الي اقصي حدود التفاني.. وكان ذلك علي حساب اشياء كثيره؛ عملي واهلي واولادي.. بعد ان صرت عضوا بمكتب الارشاد في يوليو ١٩٨٥، وهو ما كان يتطلب مني ان اسافر من اسيوط الي القاهره مره كل اسبوع، وكان هذا ياخذ يومين.. وفي احدي المرات قال لي عمر التلمساني (رحمه الله): يا اخ محمد.. من المؤكد ان هذين اليومين يؤثران بالسلب عليك، علي الاقل من الناحيه الماليه، اذ هناك وقت اضافي يضيع، فضلا عن مصروفات السفر.. فارجو ان تتكلم مع الاخ جابر رزق لتعويض ذلك.. بالطبع لم اتكلم لا مع الاخ جابر ولا مع غيره..

في الجوله الثانيه لانتخابات الرئاسه، ورغم خروجي من الجماعه، كنت ادعو لاصطفاف وطني خلف الدكتور محمد مرسى، لان فوز الفريق احمد شفيق- الذي كان يعتبر مبارك مثلا اعلا له- يعني انه لم تكن هناك ثوره، ناهينا عن استمرار كل مظاهر نظام حكم مبارك باستبداده وفساده دون اي تغيير، وهذا في حد ذاته كارثي.. المهم بعد ان فاز الدكتور مرسي، اتصل بي بعض الاخوان يقترحون عليّ الاتصال بالرجل لتهنئته علي الفوز.. رفضت ذلك، وقلت: انا لا اعمل عند الدكتور مرسي ولا عند الجماعه، انا اعمل لله تعالي وحده، واتمني ان يوفق الدكتور مرسي في مهمته الثقيله..

قبل ان ارتبط بالجماعه، كنت- كغيري- اريد ان اخدم ديني وامتي ووطني، ولما كان العمل الجماعي هو الوسيله الافضل للقيام بذلك، من باب «وتعاونوا علي البر والتقوي»، فقد بحثت عن الجماعه التي يمكن ان تحقق لي هذا الشيء..اتصلت ببعض الطرق الصوفيه، فوجدت عندها اشياء، ولم اجد اشياء.. وجدت الروح، والاخوه، والنقاء، والصفاء، وهي قيم نبيله وجليله، جعلتني احلق بصفه دائمه في سماوات عليا.. ايامها لم اكن اعطي الماده اي قيمه او وزن.. وكان الاخوه في الطريق احب اليّ من نفسي واهلي وولدي والدنيا كلها.. عشت فتره من اجمل فترات الحياه؛ ايمانا ويقينا وقوه وثباتا وشجاعه واقداما.. لكني لم المس اهتماما بالمسائل الحياتيه التي تهم الفرد، والمجتمع، والامه.. وهو ما جعلني اترك الصوفيه، مستشرفا طريقا اخر.. تلقفتني دعوه جماعة أنصار السنة، واتاح لي ذلك فرصه عظيمه للاطلاع علي مؤلفات ابن تيميه وتلميذه ابن قيم الجوزيه، فضلا عن كتب محمد حامد الفقي، وعبدالرحمن الوكيل، وخليل هراس، وابوالوفا درويش.. ارتقيت في الجماعه سريعا، وفي اقل من عام صرت احد خطبائها البارزين.. وعلي النقيض من الصوفيه، لاحظت جفافا في الروح وافتقادا الي النقاء والصفاء، كما وجدت انشغالا كبيرا بالهجوم الشديد علي الطرق الصوفيه، واهتماما زائدا بالقبور والاضرحه وانها تمثل عقبه كاداء في الطريق الي التوحيد.. في تلك الفتره (فتره الستينيات وبدايه السبعينيات) كانت مساجد جماعه انصار السنه تمثل الملجا والملاذ الاكبر للشباب المقبل علي الاسلام.. كان شيوخ الجماعه حريصين علي الابتعاد عن السياسه، لكنهم اضطروا في نهايه الامر لدعوه امثال الشيخ محمد الغزالي لجذب الشباب، الذي بدا يتفلّت منهم.

واخيرًا وجدت نفسي داخل جماعه الاخوان، حيث الشمول الذي كنت ابحث عنه، والاخوه التي افتقدتها في جماعه انصار السنه، فضلا عن التنظيم الذي يميز الاخوان.. وقد التقيت رجالا كراما من امثال عمر التلمساني وغيره، كان لهم ابلغ الاثر في نفسي، وفي عمق ارتباطي بالجماعه.. وذهب التلمساني وامثاله، وخلا الجو من اصحاب العقول المتفتحه والرؤي والافكار المستنيره.. وعلي الرغم من انتشار الجماعه علي المستوي العام؛ في الجامعات، والنقابات، والجمعيات، والاحياء، والقري، لكنه كان انتشارا كميا، لا كيفيا.. ومع التضييق والمطارده والملاحقه التي مارسها نظام حكم مبارك، برزت نوعيه من القياده اهم ما يميزها انها منغلقه، منكفئه، ضيقه الافق، لا تري اكثر من مواطئ اقدامها.. وخلال الـ ١٥ سنه الاخيره من حكم مبارك، ظهر واضحا ان ثمه خللا رهيبا في منظومه القيم الاخلاقيه والايمانيه قد تفشّي داخل الجماعه، فضلا عن غياب الشوري الحقيقيه، ولان القياده المنغلقه التي احكمت سيطرتها- بطريقه غير اخلاقيه- علي الجماعه وقفت حائلا دون اي تصحيح للاوضاع او تصويب للاخطاء، فقد اتخذت قرار الخروج، مفضلا ان اغرد خارج السرب، وانا علي يقين ان الجماعه تحفر قبرها بيديها(!)

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل