تاريخ الأرض: الأرض ما قبل الحياة

لم يكن كوكب الارض منذ نشاته هو ذلك الكوكب الاخضر الازرق شديد الجمال والبهجه، بل ان ماضيه، كما اي ماضٍ اخر، مليء باوقات من الحزن والعنف والدمار والتقلب. وكوكب الارض عجوز جدا بعمر الكون، فقد تكون كوكب الارض منذ 4.54 مليار عام، اي ان عمره هو ثلث عمر الكون والذي يبلغ عمره 13.8 مليار عام تقريبا. فماذا يخبرنا العلم عن نشأة الأرض؟

البدايه كانت منذ حوالي 4.6 مليار عام، في سحابة جزيئية عملاقه Molecular cloud. انهار جزء من تلك السحابه علي بعضه بسبب قوي الجاذبيه المتركزه في قلبها Gravitational collapse والتي اختلت بسبب انفجار مستعر اعظم Supernova قريب من هذا المكان. وفي الجزء المنهار من تلك السحابه تجمعت اغلب الماده في منطقه مركزيه ازداد فيها الضغط والحراره لدرجه بدات تفاعلات اندماجيه، مكونه الشمس. والجزء الصغير المتبقي من السحابه المنهاره فبدا في تكوين قرص كوكبي Protoplanetary disk يدور حول الشمس حديثه النشاه، يتكون من الاتربه والصخور والهيدروجين والهيليوم، وفي هذا القرص تكونت باقي عناصر المجموعه الشمسيه من كواكب وكويكبات واقمار ومذنبات.

(صوره تخيليه لقرص كوكبي دوار)

وتكون كوكب الارض علي مدار 10 لـ 20 مليون عام بطريقه تسمي النمو الالتحامي او الازدياد Accretion. ففي القرص الكوكبي الذي يدور حول الشمس توجد مناطق ذات كثافه اكبر من غيرها، وتبدا تلك المناطق بجاذبيتها الاقوي في جذب الغازات والمواد الاثقل من السحابه تجاهها لتكون بؤره تزداد في الحجم مع الوقت وتزداد قوه جذبها ايضا. واثناء دورانها حول الشمس تبدا تلك البؤر في الاصطدام والالتحام لتكون اجسام ذات حجم اكبر، تستمر العمليه لملايين السنين لتكون كوكبا كبيرا بحجم الارض. وبهذه الطريقه تكونت جميع كواكب المجموعه الشمسيه. وكانت المنطقه القريبه من الشمس ذات درجه حراره عاليه لا تسمح للغازات والجزيئات الخفيفه كالماء والميثان بالتجمع، ولذلك فقد تجمعت في تلك المنطقه المعادن الاثقل كالحديد والنيكل والسيليكا والالمونيوم لتكون الكواكب الصخريه، عطارد والزهره والارض والمريخ. وظلت تلك الكواكب تدور وسط سحابه من الغازات والاتربه حتي استقرت في مداراتها الحاليه.

خارج مدار كوكب المريخ يوجد ما يسمي خط التجمد Frost line، وهو الخط الذي تقل بعده تاثير حراره الشمس ويبرد بعده الجو فيسمح للغازات بالتمجد وتكوين كريستالات غازيه. وكانت كميه الغازات خارج هذا الخط مهوله جدا وتمثل حوالي 99% من كتله الماده التي تدور حول الشمس. وسمح هذا لـلكواكب الغازيه Jovian planets بالتكون باحجام عملاقه، وهم المشتري وزحل واورانوس ونبتون. وبعد تكون الكواكب بحوالي 3 ل 10 مليون عام كانت الرياح الشمسيه قد خلصت المجموعه من بقايا الغازات والاتربه في القرص الكوكبي وطردها،  ليصبح الفضاء بين الكواكب صافيا ويتوقف نمو الكواكب.

واثناء مرحله نمو الارض كانت درجه حرارتها عاليه جدا بسبب الاصطدامات المتتاليه بالكويكبات وبسبب المواد المشعه. ولذلك كانت كل المعادن والصخور في حاله سائله، وبسبب اختلاف الكثافه تجمعت المعادن الاثقل كالحديد والنيكل في قلب الكوكب بينما باقي المعادن الاخف كالسيليكون طفا علي السطح. وبهذا اصبحت الارض عباره عن طبقات معدنيه، كما تكون قلب الارض الصلب Inner core المحيط به السائل سريع الدوران Outer core صاحب الفضل في المجال المغناطيسي للكوكب والذي يحميه حتي الان من الاثار السيئه للرياح الشمسيه.

علي المقياس الزمني الجيولوجي يُقسم تاريخ الأرض لدهور eons، ويقسم كل دهر الي حقب Eras، وتُقسم كل حقبه الي عده عصورperiods، ثم الي فترات  Epochs، ثم الي مراحل  Ages.

واول دهر مرت به الارض بعد نشاتها هو الدهر الجحيمي The Hadean eon. وسمي بذلك نسبه لهيدز اله العالم السفلي في الاساطير الاغريقيه القديمه. واستمر لحوالي نصف مليار عام. وسمي بهذا الاسم لان الارض في تلك المرحله كانت شديده الحراره وعنيفه بركانيا، هناك دلائل جيولوجيه تثبت وجود ماء علي سطح الأرض في هذا الدهر.

وقرب نهايه الدهر ربما حصل الاصطدام الاعظم حسب نظريه Giant impact hypothesis، والتي تقول ان هناك كوكب صغير حديث التكون اصطدم بالارض بعد تكون قشرتها وتسبب ذلك الاصطدام في تمزق وهروب جزء من قشرة الأرض وما تحتها وذلك لتكون القمر، التابع الوحيد لكوكب الارض.

ومع انخفاض درجه حراره الارض بعد انتهاء الدهر الجحيمي، بدا الدهر السحيق، او دهر البدايه The Archean Eon والذي استمر لمده 1500 مليون عام، منذ 4000 مليون حتي 2500 مليون عام. انخفضت درجه الحراره في هذا الدهر كثيرا مقارنه بالدهر السابق، ولكن ما زال الغلاف الجوي خال من الاكسوجين اللازم للحياه والاوزون الذي يحمي الكائنات من ضوء الشمس. لكن رغم ذلك تقول  الدلائل العلميه ان الحياه بدات في ذلك الدهر منذ حوالي 3500 مليون عام، حيث وجدت حفائر من نوع من الجرافيت يُنتج حيويا فقط، في جرين لاند. كما وجد في استراليا حفريات ميكروبيه عمرها 3480 مليون عام. والادله تقول ان الحياه وقتها كانت في هيئه خلايا بكتيريه بدائيه الانويه Prokaryota، وكان بعضها يعتمد علي التمثيل الضوئي الغير منتج للاوكسجين لتوفير الطاقه anoxygenic form of photosynthesis، ولا توجد ادله علي وجود خلايا متطوره ذات انويه حقيقيه eukaryotic وقتها.

خلال الدهرين الجحيمي والسحيق بدا تكون القارات الاوليه، وكونها ما يسمي بـالحمل الحراري لدثار الارض Mantle convection. والدثار هو الطبقه السفلي تحت قشره الارض الصلبه. فعند انتقال تيار الحراره من قلب الارض لسطحها يتسبب في تحرك الدثار في نفس الاتجاه، كما تتكون صفائح تكنونيه علي سطح الارض. ومع استمرار التدفق الحراري تبدا اجزاء من الصفائح التكنونيه في الانخفاض تحت بعضها بينما يعوضها من الطرف الاخر تجمد الدثار حولها. وهي عمليه مستمره حتي اليوم لكن بمعدل ابطا بكثير. لكن في الدهرالجحيمي والسحيق كانت درجه حراره الارض عاليه وكانت التبادل الحراري بين سطح الارض وقلبها سريع وعنيف. وقشره الارض الاولي دُمرت تماما اثناء تلك العمليه، في نهايه الدهر الجحيمي تكونت القشره القاريه الاولي والتي تمثل القلب الذي بنيت القارات الحاليه، لكن يتبقي منها اجزاء علي السطح تسمي Cratons وموجوده في كندا وشمال افريقيا واستراليا.

وهناك دلائل علي ان المحيطات تكونت ايضا في الدهر السحيق، فمصدر كل المياه علي كوكب الارض هو اصطدام الكويكبات من الحزام الكوكبي الخارجي بالارض اثناء بدايه تكونها، وربما اصطدام المذنبات ايضا. وبسبب ان نشاط الشمس في بدايتها كان اقل من 70% من النشاط الحالي، تقول بعض النظريات ان سطح الارض كان سيكون متجمد وذلك رغم النشاط البركاني والحراري في قلبها. لكن النظريه للغاليه هي قول العلماء ان ثاني اكسيد الكربون والميثان في الغلاف الجوي كان لهم دور في تسخين سطح الارض وتبخير كل الماء باعتبارهم من غازات الصوبه الخضراء Green House. ومع انخفاض درجه حراره الارض بدات السحب في التكون وبدات الامطار في تكوين المحيطات بدا منذ حوالي 4400 مليون عام. وفي المحيط بدا تكون الحياه.

ثم جاء دهر الطلائع او دهر الحياه الاوليه Proterozoic eon والذي امتد لملياري عام، منذ 2500 مليون حتي 542 مليون عام تقريبا. ويطلق عليه مع الدهرين السابقين دهور ما قبل الانفجار الكامبري. وجاء بعده دهر البشائر Phanerozoic والذي بدا بالانفجار الكامبري. وسنتحدث عنهما ان شاء الله في المقال القادم.

Formation and evolution of the Solar System

THE 25 BIGGEST TURNINGPOINTS IN EARTH'S HISTORY