المحتوى الرئيسى

«بنت البقال» تروي حكايات رمضان في «حضرة» الإسكندرية!

06/18 15:42

الحكي فن حميمي دافئ يفتقده زمننا!

بسبب الصنوبر ذقت “علقه موت”..وقرد يعين ابي بالدكان!

السمك “المشتح” والنشادر والورد..ذكريات رمضانيه غائبه!

يرتبط شهر رمضان الكريم بالحكايات والسير الشعبيه، وهي الثقافه التي يبدعها الشعب ليعبر بها عن نفسه والي نفسه، ويرتبط ايضاً الشهر المبارك بالدفء والحميميه و”اللمه”، التي ما ان ذُكرت حتي نتذكر لمه العائله حول حكايات الجدة التي تختزنها ذاكرتها العفيه دوماً.

فن الحكي كما يؤكد رواده اصبح له مكان من جديد في العروض المصريه، ليبحث عنه جمهوره ويستمتع به، وتقدم فرقه “الورشه” المسرحيه التي اسسها الفنان حسن الجريتلي منذ عام 1987، اعمالا مقتبسه عن مسرحيات عالميه، بالاضافه الي عروض حكي.

من اهم اعضاء فرقه الورشه المخرج والكاتب مصطفي درويش، وزوجته الفنانه عارفه عبدالرسول، الحكاءه والممثله المصريه.

 ”محيط” توقف مع حكايات عارفه عبدالرسول “بنت البقال”، وكيف دللت “صينيه البطاطس” علي الوحده الوطنيه، و”القرد” الذي حوّل المنزل الي حديقه حيوانات، ومغامراتها مع السكر والروايح، عن ذكريات رمضان في حي الحضره بالاسكندريه تروي لنا الحكّائه عارفه عبدالرسول.

في البدايه تقول ان فن الحكي هو اساس المسرح المصري، الذي يتكون من مؤدي ومتلقي، والحكي يجذب الجميع، فجميعنا يتذكر كيف كنا نتحلق حول جدتنا لتحكي لنا الحكايات، والحكي يتميز بالدفء والحميميه، والان التفت له الناس.

واعتبرت ان التقنيات التي تحيط بعروض الحكي من اضاءه وديكور وغيرها تساهم في جعله حكياً زائفاً، فالكلام الذي يخرج من القلب يصل اليه، بالاضافه الي ضروره تحلي الحكّاء بالصوت الواضح ومهارته في تقطيع الجمل، والا يكون كلامه علي وتيره واحده، كل هذا يتقنه الحكّاء في دروس التمثيل، ليستطيع تلوين صوته.

توضح الفنانه عارفه عبدالرسول ان الفرق بين الحكّاء والممثل يكمن في ان الاخير لديه ادوات مساعده كثيره من مكياج واضاءه ومخرج يوجهه، اما الحكّاء فيعتمد علي نفسه وامكانيات صوته، وان لم يستطع ربط الجمهور بما يحكي فلن ينجذبوا له.

واكدت ان العوده لفن الحكي جاء تعويضاً عن الدفء والحميميه الغائبه عن مجتمعنا، وايضاً تعويضاً لغياب حكايات الاسره، مؤكده ان الحكي اكثر انسانيه لانه يقرب الناس من بعضها.

وعن انواع الحكي لفتت عارفه الي انه عده انواع منها السيره الذاتيه، القصص الشعبي، ومنها للكبار واخر للاطفال، مشيره الي انهم بداوا يعرضوا فن الحكي مؤخراً في مصر، لكن فرقه الورشه تقدم عروضاً مستمره من الحكي منذ 25 عاماً.

واشارت الي ان هناك عروض مسرحيه معتمده علي الحكي وتستمد الحكايات من السيره الهلاليه، والخضره الشريفه، لكن الحكّاء كما تشير حين تبدا فقرته ينسلخ من تقنيات العرض المسرحي وينفرد بالجمهور وحده.

بدات عارفه عبدالرسول حياتها في اذاعه الاسكندريه بتقديم مسلسلات اذاعيه، ثم انتقلت الي المسرح، وفي عام 1983 قدمت بالاشتراك مع زوجها مسرحيه “ليلي والمجنون” وهي مسرحيه شعريه من ثلاثه فصول للشاعر صلاح عبدالصبور.

بعد سنوات من العمل في المسرح، التحقت الفنانه بفرقه الورشه وقدمت اول عرض حكي لحكايات بنت البقال من اعداد مصطفي درويش عام 2003 في “الجزويت” بالاسكندريه.

ومن هنا كانت بدايه حكايات بنت البقال، التي كتبت علي ثلاثه اجزاء قدمتها “الورشه” في المسارح المصريه والعربيه والعالميه ايضا، حيث سافرت الورشه فرنسا اكثر من مره وقدمت عروضا مختلفه بترجمه فوريه، بجانب تقديم عروض في العديد من البلدان العربيه، والمشاركه في مهرجان “حكايا” بالاردن، بالاضافه لتقديم عروض مختلفه في تونس وسوريا وقطر وجنوب افريقيا ورام الله.

وعن حكايات “بنت البقال” لفتت عارفه الي انها نشات في سوق الحضره في الاسكندريه وهو مكان شهير، ورث والدها عن ابيه دكان كبير يشبه محلات السوبر ماركت حالياً، وكانت الاسره تسكن فوق الدكان، تواصل: كنت الابنه الكبري فكنت اساعد والدي في شئون البيع بالدكان، حتي انني كنت استقل دراجتي لاشتري البضاعه ووالدي كان يشجعني.

وتذكرت عارفه ما كان يحدث من اكل  جماعي في الدكان وكيف ان شعبان بائع الليمون كان يشترك معها ووالدها في عمل صينيه البطاطس وعدد من البرامات، مؤكده انها لم تتربي في حضن والدتها، بل كانت حياتها مع والدها في الدكان، وكيف ان امها كانت تراها “رجل” بسبب انشغالها مع والدها.

وتحدثت عن ذكرياتها في شهر رمضان في “الدكان” وفرش البضاعه امام الدكان بياميش رمضان، والسمك “المشتح” وهو سمك البكلاه الذي كان ياكله الناس في رمضان ولم يعد موجوداً حالياً، تقول: كان يباع مجففاً ومعلق علي احبال، ثم يبله الناس ليؤكل في رمضان.

روت لنا عارفه حكايه طريفه عن “صينيه البطاطس” تقول: في احدي الايام كان والدي حزيناً لان المياه اصابت اجوله العرقسوس واتلفته، طلبنا منه عمل صينيه بطاطس باللحم لكنه رفض الا ان تكون خاليه من اللحم، وبالفعل اعددتها لتتكون من البصل والبطاطس والطماطم فقط، واودعناها فرن “ديمتري” المسيحي ليتم تسويتها.

وحين احضرناها وبدانا في تناول الفطور مع الباعه المحيطين بالدكان، وجدنا بها قطعاً كثيره من “السجق”، وحينها ظنّ والدي ان “ديمتري” صاحب الفرن ابي ان تكون الصينيه خاليه من اللحم، فوضع لنا بها بعض السجق وبالفعل انهينا علي الصينيه باكملها!.

وعند اللقمه الاخيره – تواصل – وجدنا ديمتري قادماً بصحبه احدي السيدات التي اكدت ان هناك تبادلاً حدث بين الصينيتين، وشبّت خناقه بين ابي وفريقه وديمتري الذي انضم له بعض المؤيدين من الحاره، وكانت خناقه “دمها خفيف” كما تصفها عارفه، مؤكده ان هذه الخناقه تبرز العلاقه الحميميه بين المسلم والمسيحي في ذات الوقت، بعيداً عن اي خلافات طائفيه فقد كان التعامل انساني بعيداً عن الدين، ودون ايه حساسيات.

تواصل: قال ديمتري لوالدي حين اكد له انه ظنّ انه اراد ان يفطر المسلمين علي قطع من اللحم، قال ديمتري: “افطركوا انتوا في رمضان عشان اجوع انا طول السنه”!. مؤكده ان ما زاد المشهد ضحكاً وسخريه هو مرور احد المهرجين بصحبه طبلته والذي دخل وسط الخناقه وظل يغني “للسدق” اي السجق لكن بلغه الاسكندرانيه!.

وتذكرت عارفه كيف انها في شهر رمضان تظل عند “بتاع الروايح” في المنشيه بالساعات تنتظر ان يعباً لها الفين زجاجه من روح الموز، وروح الورد من اجل عمل كحك العيد، وهذه الروايح كما تقول لم تعد موجوده الان ايضاً.

تذكرت كذلك انتظارها عند المطحنه لطحن السكر، حيث البيوت بلا كبه او خلاط، وكيف ان المطر هطل بغزاره كاد ليفسد السكر المطحون المعبا  داخل اجوله من القماش، مؤكده انه لم يهمها ان يٌغرقها المطر او تبتل ملابسها، بل كانت تخشي ان يمس الماء السكر فيتلفه.

تذكرت “النشادر” الذي كان ياتي في صندوق اسود كبير له غطاء محكم، وبداخله كيس نايلون كبير يعبا بداخله النشادر الذي كان يستخدم في العجين ايضاً وله رائحه قويه ونفاذه، حتي انها كانت تتهرب من الزبون الذي يسال عنه حتي لا تضطر لفتح الصندوق الكبير واستنشاق رائحه النشادر غير المحببه!.

اما عن المكسرات فتقول رغم وجودها في المحل الا ان والدي لم يكن يحضرها لنا في المنزل، فقد كان ثمنها غالي، قائله ان المصريين في الماضي كانوا اكثر قناعه، ولم يكن هناك اعلانات فكان كل منهم يحيا علي قدر استطاعته دون ان يتطلع لسلع ليست في متناوله، فقد كنا نحشو القطايف بالسكر والقرفه فقط، كذلك كان الرئيس عبدالناصر يقنن استيراد السلع، لذلك كانت المسكرات قليله علي قدر الاستخدام فقط.

حكت الفنانه كيف ان والدها احضر ذات يوم في الدكان كيلو “صنوبر” ووضعه داخل “برطمان زجاج”، قائله: وجدت ابي يعتني كثيراً به، فحين غاب عن الدكان اخذت بعضاً منه لاتذوقه فوجدته بلا طعم، وتذوقت حفنه اخري وهكذا، وحين عاد والدي وجده ناقصاً فسالني ان كان احد ابتاع منه اليوم، فاجبته بالنفي، فوزنه وجده ناقصاً ربع كيلو، وكان سعر الكيلو 10 جنيهات وهو مبلغ باهظ حينها، فكتفني وربطني وضربني “علقه”، قائله: كان يضربني حين اخطئ ضرباً مبرحاً، وكنت ابكي لانني اخطات واغضبته مني، وليس لانه عاقبني، لم اشعر يوماً ان والدي ظلمني او سبب لي عقداً، فقد نشات علي حبه ولم اكرهه ابداً.

 مؤكده ان اسمها جاء علي اسم جدتها لوالدها، وكان جدها هو الشيخ سيد عبدالرسول نائب الساده العزميه في الاسكندريه، وكان له جامع احد بابيه يُفتح من داخل البيت الذي نسكنه، فكنا نذاكر في الجامع بعد انصراف المصلين انا واخوتي، وكثيراً ما اعتليت المنبر ورددت شعراً.

اما عن “الجبنه التركي” او “الرومي” فلها حكايه كما تقول عارفه فقد كان والدي مشهوراً بانه يبيع افضل جبنه تركي في المنطقه، وكان يخزنها في مكان مخصص حتي يتخلص من زيتها لتصبح اكثر جوده، وحين كان يقطع الجبنه قطعاً، ويبقي بعض “الفتافيت” التي لا تصلح للبيع كان يرسلها للمنزل، فكانت امي تبكي قائله: “نفسي في حته جبنه تركي سليمه”.

ولفتت الي ان حكايات بنت البقال وهي كثيره، كانت تقصها علي احدي الصديقات وتُدعي “فانيا” الارمنيه فجذبتها طريقتها في الحكي، وطلبت منها ان تقدم تلك الحكايات امام الناس في عرض بمكتبه الاسكندريه عام 2003 تقريباً.

نرشح لك

أهم أخبار رمضان

Comments

عاجل