المحتوى الرئيسى

ندى القصبي تكتب: كي تأنس به

06/18 10:32

ان كنت تقرا هذا المقال، فهذا يعني انني لم اتخاذل في اللحظه الاخيره، واني بذلت ما بوسعي كي يصل هذا المقال اليك.. كل عامٍ وانت بخير، يا صديقي القارئ.. رمضانك كريم باذن ربك وربه، ولعّلك تجد في هذا الشهر قربا لخالقك وقربا لذاتك ورسالتك في هذا الكون، وان تجد في وجودك بقرب عائلتك مسره ومحبه.

في هذه الاجواء الكريمه لا يسعني الا ان احدثك عن احد كتبي المفضله.. “الحكم العطائية لـ ابن عطاء الله السكندري”، لم اكن قد سمعت عن هذه الحكم الا من قريب، حين اقترحها عليّ احد الاصدقاء، وقراتها بتمعن في احد الاوقات التي خاب فيها ظني بباب طلبته من الله، واُقفل في وجهي. دعنا نعترف اولا ان الايمان بخالق للكون في عصرنا الحالي مع انفجار ثوره العلم، يستلزم من المؤمن خيالا وثقه، ثقه بهذه القوه التي يمكنك الشعور بها ولا يمكنك اثبات وجودها، فاثبات وجود الله في العصور السابقه عن طريق الظواهر او الكوارث الطبيعيه، لم يعد ممكنا في ظل التفسيرات العلميه، والحروب الدينيه والطائفيه اصبحت تاخذ شكلا اوسع واكثر تشعبا، ولم يعد بامكانك ان تتفق مع الاشخاص الذين يشاركونك نفس المعتقد الديني، ناهيك عن اقناع شخص ما بوجود خالق عن طريق حكايه ساذجه مثل حكايه القارب الذي تكّون وحده، يمكنك اذا ان تختار طريقك كما تشاء، فان كنت تؤمن بوجود الله، فعليك ان تؤمن بحكمته بان خلق الكون علي هذا الاختلاف، وانه ترك لكل انسان حريه اختيار معتقده وايمانه الخاص. وان تتخير انت طريقك الذي تريد ان تمشي فيه لتصل الي كمالك الروحي.

ابن عطاء الله اختار – كفئه مثله ليست بالقليله- ان يمشي في طريق الحب مع الله، وان تكون علاقته بربه قائمه علي الحب والثقه والامتنان له.

من خلال علاقه كهذه كتب ابن العطاء هذه الحكم، وساعرض عليك بعضها لتتاملها. ويمكنك الاطلاع علي البقيه والتفّكر في تفسيراتها والمعاني الباطنه وراء كل حكمه.

– الحكمه السادسه والعشرون: “من علامات النجاح في النهايات، الرجوع الي الله في البدايات”

من ضمن الذين يبعثون دون حساب، شاب نشا في طاعه الله. يقول والدي ان من ربي ولده علي طاعه الله، فسيظل طريقه محفوظ وان التف حوله وضلّ الطريق، فتلك البدايه سترشده دوما -وان تاخرت- ليعود لطريق الله المرسوم له في بدايته. وان هذا يشمل كل اعمالك وقراراتك، فان كان الرجوع الي الله هو بدايه عملك، فلا تخشي عليه من الفشل.

– الحكمه الخامسه والستون: “خف من وجود احسانه اليك، ودوام اساءتك معه، ان يكون ذلك استدراجا لك: (سنستدرجهم من حيث لا يعلمون) – سوره الاعراف، ايه182- ”

كنت اقول لوالدي ان الله يعاملني برحمه منه، فهو يغفر زلاتي ويتجاوز عنها. لا يمكن ان احاط بكل هذه النعم وانا عاصيه بهذا الشكل، فينظر اليّ محذرا ان لا تكوني ممن يستدرجهم الله.. كيف تفّرق بين ان يعاملك الله برحمته، وبين ان يستدرجك الله بمعصيتك؟ هذا الفرق هو الذي يحدده طريقك واختياراتك. وهذا السؤال تحتاج ان تجيب عليه في كل مرحله من مراحل حياتك.

– الحكمه الثانيه والستون:”انت حرُ مما انت عنه ايس، وعبد لما انت له طامع”

الدنيا محفوفه بالمكاره والشهوات، ومازلت -شخصيا- لم اتوصل لحكمه الخالق في ان خلقنا في عالمٍ مثل هذا. وما المطلوب منا حقا؟ لكنك سرعان ما ستكتشف اسرار هذا العالم، وتحاول البقاء فيه محتفظا بالقدر الكافي من الثقه، والتصرف بشكل يليق بانسانيتك. وستعرف انك خلال طريقك ستحتاج لان تتخفف من كل ما هو ثقيل الحمل، فلا تطمع في شيء يثقل حملك ويؤخر طريقك.

– الحكمه السادسه والثمانون: “ان اردت ان يكون لك عز لا يفني، فلا تستعزن بعز يفني”

كل ما علي هذه الارض صائر لزوال، ولا يتطلب معرفه هذا ايمانا ما. فكل حيًّ اختبر زوال الاشياء من حوله، مراتٍ عده، وتقّلب الايام. فالعاقل من لا يطلب العز من اشياء يعرف يقينا فناءها. وهذا اليقين هو ما يدفعك للزهد في كل شيء، والتمسك باعمالك التي تبقي بعد الفناء.

– الحكمه الحاديه بعد المائه: “متي اوحشك من خلقه، فاعلم انه يريد ان يفتح لك باب الانس به”.

حين يضيق صدري وتنغلق الابواب من حولي، يقول والدي بخفوت:  (فان له معيشه ضنكا)، لم اكن احب ان يقولها لي، ولا احب ان اعتبر ان الله يعاقبني ببعدي عنه، حين اتفكر في هذا الان، واجد وحشه في غياب من احب. اعرف ان الله يوحشني غيابي عنه ايضا، ويربكني. فتتعقد احوالي ويضيق صدري بما يحمل، حين تنغلق الابواب وتجد نفسك قد ضاق صدرك بالعباد، فانس اليه. التمس غارك وانعزل عن الخلق الي ربّ الخلق.

– الحكمه الثانيه والاربعون بعد المائه: ” الناس يمدحونك، لما يظنونه فيك، فكن انت ذاما لنفسك لما تعلمه منها”.

حين كان الناس يجزلون المدح لصديقي، كان يقول (اللهم اجعلني عند حسن ظنهم بي، واغفر لي ما لا يعلمونه عني). وصرت اقتبس عنه هذا الدعاء، حين يكثر المقربون منا المدح دون ان يقتربوا بما فيه الكفايه ليروا عيوبنا التي اخفاها الله رحمهً بنا، وسترا. جدير بك ان تخاف المدح وتخشاه، وان لم تجد من يذّمك فكن ذاما لنفسك، فانت اعلم منهم بما يعيبك.

– الحكمه الثانيه والتسعون بعد المائه: “اذ التبس عليك امران، فانظر اثقلهما علي النفس، فانه لا يثقل عليها الا ما كان حقا”.

قبل ان اتعرض لصراعات الهوي والنفس في الشق النفسي من دراستي، لم اكن اعي لماذا الخطاب الديني يتحامل علي النفس وتذكر متبوعه بالصراع والجهاد واكراهها علي ما تريد؟ لماذا عليّ ان احارب نفسي. حين ادركت بعض صراعات النفس بدات ادرك ان التعامل مع النفس يحتاج جهاداً ليس باليسير، حين اخبرت احد اصدقائي باني اسير وراء ما تركن اليه نفسي ويقودني اليه حدسي، تساءل اذا ما كنت واثقه بما فيه الكفايه ان نفسي لا تخدعني؟ وانها لا تخدّرني حتي اسير في الطريق الذي تريده هي؟

هذه بعض الحكم التي كتبها ابن العطاء، حب تاويلي وتاملي الخاص. ولكلٍ منا تامل خاص به سيوافق نفسه عند قراءته، اقراها بتمعن وفكّر في تاويلك الخاص بك. وما لمس شغاف قلبك حين قراته!

وساختم حديثي بحكمته الثالثه عشر:

“كيف يشرق قلب صور الاكوان منطبعه في مراته؟

ام كيف يرحل الي الله، وهو مكّبل بشهواته؟

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل