المحتوى الرئيسى

القضاة والجنود والنساء فى موكب «ليلة الرؤيا»

06/17 13:00

ليله الرؤيا من الليالي المحفوره في ذاكره الحضارة الإسلامية وتبدا مظاهرها قبل رمضان بثلاثه ايام، حيث يطوف القضاه علي مساجد القاهره ومشاهدها للاطمئنان علي عمارته ونظافته والقناديل التي تعلق علي ماذنها.

وكان قاضي البلاد يخرج لرؤيه هلال رمضان صحبه بقيه القضاه ويتوجه الي جامع محمود بسفح جبل المقطم (مندثر الان) حيث كانوا يجلسون علي دكه مرتفعه تعرف بدكه القضاه لرؤيه هلال رمضان، ويذكر الكندي في كتاب “الولاه والقضاه” ان قاضي مصر الفقيه المالكي ابو الذكر محمد بن يحيى الاسواني خرج عام 311هـ الي مسجد محمود لالتماس هلال رمضان علي العاده وركب معه الشهود واعيان البلاد وغيرهم من الناس.

ويعد القاضي غوث المتوفي عام 68هـ هو اول قاضي بمصر ركب مع الشهود لرؤيه هلال شهر رمضان وسمع البينه وثبتت عليه، وبعد سقوط الدوله الفاطميه اصبحت الاحتفالات برؤيه هلال رمضان سمه كل عام، ففي اخر ليالي شعبان يوفد الي الصحراء عدداً من الرجال ليحاولوا رؤيه الهلال الوليد ويسير موكب المحتسب من القلعه الي بيت القاضي يتبعه مشايخ الحرف والجنود والمنشدون والموسيقيون، ويمكثون عند بيت القاضي حتي يعود احد ممن اوفدوا لمشاهده الهلال او يتقدم ممن يؤكد رؤيته واذا ذاك ينطلق الموكب فيتفرق الي جماعات تجوب خلال المدينه وهي تنادي يا امه خير الانام غداً صيام صيام كما تنادي صيام صيام حكم من شيخ الاسلام.

في رحله “محيط” عن ليله الرؤيا مع عالم الاثار الاسلاميه ابو العلا خليل يوضح ان مئذنه مدرسه السلطان المنصور قلاوون بالنحاسين ارتبطت برؤيه هلال رمضان في العصر المملوكي، وينقل عن ابن داوود الصيرفي في كتاب “انباء الهصر بانباء العصر” قوله (وفي ليله الثلاثين من شهر شعبان عام 876هـ توجه قضاه القضاه الي رؤيه هلال شهر رمضان بالقبه المنصوريه علي العاده ورؤي الهلال فنودي في الناس ان غداً من شهر رمضان وارسلوا ليعلموا بذلك السلطان علي جاري العاده).

يشير ابو العلا خليل الي طرائف تعدد رؤيه الهلال في بعض الاحيان مما يجعل الناس في حيره هل يفطرون ام يصومون، وعن ذلك يذكر ابن داوود الصيرفي في كتاب نزهه النفوس والابدان في حوادث عام 796هـ (وفي ليله الثلاثاء الثلاثين من شهر شعبان اجتمع الناس لرؤيه هلال رمضان وكثر الخلق فلم يره احد منهم مع عددهم الزائد واصبح الناس علي انه اخر يوم من شعبان واكلوا وشربوا الي الظهر حتي قدم الخبر بان الهلال نظره في بلبيس عدد كثير من الناس فنودي بالامساك من بعد الظهر).

كما حدث ذلك مع السلطان الظاهر برقوق الذي تولي سلطنه البلاد عام 784هـ فحين كان السلطان يتناول طعام الغداء مع بعض مدعويه طاف المنادون بالقاهره يعلنون رؤيه الهلال فقام السلطان بطرد مدعويه وامر برفع الصحاف واعلن الصيام.

تستمر رحله “محيط” مع الباحث الاثاري ابو العلا خليل حيث ينقل عن الرحاله التركي اوليا جلبي الذي زار مصر عام 1092هـ / 1680م وذكر عن الاحتفال برؤيه هلال رمضان انه لا يستطيع احد منع زوجته من الخروج في هذه الليله، وقد اشترطت الزوجات عند الزواج ان يكون لهن حق الخروج من بيت الزوجيه في هذه الليله وقد جرت العاده ان تحمل الفوانيس علي البغال امام وخلف ركب الملوك حين يسيرون في ليالي رمضان.

وعن ذلك يذكر القلقشندي في كتاب “صبح الاعشي في صناعه الانشا” (ان اول من حمل الشمع معه علي البغال في الليل هو محمد بن طغج الاخشيد) وكان من عاده الخلفاء الفاطميين في القرن الرابع الهجري عند مرورهم امام الشعب في المواكب ان يحمل احد الموظفين كيسا من الحرير مملوء بالدنانير الذهبيه لتوزع في الطريق، الذي يجتازه موكب الخليفه علي الرجال والنساء والقرّاء الذين يقرؤن القران علي جانبي الطريق، كما كانت هناك كسوه توزع علي اهل الدوله وعلي اولادهم ونسائهم.

وعن عوايد ذلك الزمان يذكر المقريزي في الخطط ( وكان الموكب يتجمع حول احد الشموع الضخمه التي يجرها الاولاد علي عجلات وقد امسك كل منهم بفانوسه وهم يهزجون باغنيات دينيه جميله ويطوف الموكب المضئ دروب البلد وازقته من بعد المغرب حتي موعد صلاه العشاء والتراويح حتي اذا ما جاء وقت السحور خرج المسحراتي يدق الابواب وينادي علي اصحاب البيوت قوموا كلوا).

وقد ارتبط هذا الشهر الكريم بصلاه التراويح، والتراويح جمع ترويحه وتطلق في الاصل علي الاستراحه كل اربع ركعات وهي صلاه اقامها امير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وامر الناس بها في شهر رمضان سنه14هـ ومن جميل ما اعتاد عليه الوالي عنبسه بن اسحاق عام 238هـ انه كان يخرج وحده في ظلمات الليل وينادي في شهر رمضان بالسحور.

رمضان كريم لانه شهر العطاء وشهر العتق والجود والترقي والصعود يطيب فيه البذل والعطاء وينقل ابو العلا خليل عن ابن تغري بردي في كتاب “النجوم الزاهره” (وكان من عاده السلطان الظاهر برقوق المتوفي عام 801هـ في كل يوم من ايام هذا الشهر الكريم ان يذبح خمسه وعشرين بقره يتصدق بها بعدما تطبخ ومعها الاف من الارغفه من الخبز النقي علي الجوامع والمشاهد واهل السجون ولكل شخص رطل لحم مطبوخ وثلاثه ارغفه هذا غير ماكان يوزع في الزوايا من اللحم ايضاً فانه كان يعطي لكل زاويه خمسين رطلاً من اللحم الضان وعده ارغفه في كل يوم وفيهم من يعطي اكثر من ذلك بحسب الحال).

ويستكمل الجبرتي في “عجائب الاثار في التراجم والاخبار” عن اهل الخير والعطاء (ومن خيرات الامير عبدالرحمن كتخدا المتوفي عام 1190هـ ماكان يخرجه من بيته في ليالي رمضان وقت الافطار عده من القصاع الكبار المملؤه بالثريد المسقي بمرق اللحم والسمن للفقراء المجتمعين، ويوزع عليهم هبر اللحم النضيج ويعطي لكل فقير نصيبه وعندما يفرغون من الاكل يعطي لكل واحد منهم رغيفين ونصفي فضه برسم سحوره الي غير ذلك).

عن قناديل رمضان يوضح ابو العلا خليل ان ماذن القاهره تتميز بوجود صاري من الخشب باعلاها لتعليق القناديل في شهر رمضان، وكانت العاده ان تظل موقده طيله ليل رمضان فاذا ما اطفئت علم الناس انه بدايه يوم الصوم وعليهم بالامتناع عن الطعام والشراب.

وقد افتي العلماء في ذلك الزمان علي حرمه اطفاء القناديل بصاري الماذن قبيل طلوع الفجر لما يحصل من الاجحاف بمن ينام، ثم يستيقظ وهو عطشان فلا يجد القناديل فيظن ان الاكل والشراب قد امتنع والامر ليس كذلك.

نرشح لك

أهم أخبار رمضان

Comments

عاجل