المحتوى الرئيسى

رحلة تضميد الجراح لضحايا "بوكو حرام"

06/15 12:23

في ميناوا، اقصي الشمال الكاميروني، وعلي بعد 70 كيلومتر من حدود وطنهم، يحتشد نحو 37 الف لاجئ نيجيري فروا من جحيم انتهاكات تنظيم "بوكو حرام" المسلح، الي مخيم احتموا به علي امل بناء حياه جديده في الكاميرون، غير ان ماسيهم تركت اخاديد عميقه في نفوسهم، بدا من العسير تجاوزها وتضميد جراح تابي ان تندمل.

وتعود الي المفوّضيه العليا لشؤون اللاجئين مبادره انشاء هذا المخيم، الذي يشبه الي حدّ كبير قريه تتوفر فيها جميع المرافق الحياتيه.

وفي مصحه المخيم، يقوم الفريق الطبي بتوفير العلاج للجميع، وتتنوع الاصابات لتتراوح ما بين بعض الخدوش البسيطه والجروح الناجمه عن اصابات بحروق او بحد سكين.. وفي جميع الحالات فان الامر برمته لا يحتاج سوي الوقت الضروري للعلاج. بيد ان هناك من الجروح ما يصعب اندمالها، وهي تلك التي لحقت بالنفوس، لا سيما تلك التي تحملها النساء والاطفال، والذين يفدون الي المخيم باضطرابات نفسيه عميقه ظلت عصيه علي الشفاء تلاحقهم حتي بعد مغادرتهم مسرح الماساه.

 محمد فتي تبدو عليه علامات الذهول، طوال الوقت.. يجلس واجما لا يحرك ساكنا، كما انه لا ينبس ببنت شفه حتي وان الححت في الحديث اليه.. لا يختلط ابدا مع الصبيان من سنه، ويحتفظ بنظره تائهه تعكس هول ما ظل راسخا في ذاكرته..

ينتمي محمد، وهو الاسم الذي اطلقته عليه عائلته بالتبني، لمجموعه الـ 134 طفلا ممن وفدوا علي المخيم غير مرفوقين باولياء امورهم، في انتظار معرفه اسمه وعمره الحقيقي.. مهمّه قد تبدو صعبه للغايه في حال لم يتحدّث الصبي عن ماساته، فيما يرجح العاملون بالمخيم تعرضه لصدمه جراء ما شاهده من فظاعات ارتكبتها "بوكو حرام".

ويضم مخيم ميناوا للاجئين 37 الف و 171 شخصا، اكثر من 50 % منهم اطفال لا تتعدي اعمارهم 11 سنه، يعاني اغلبهم من اضطرابات نفسيه متنوعه، لعل اكثرها شيوعا، حالات تبول لا ارادي في الفراش، عاودتهم بعد ان كانوا تجاوزوا هذه المرحله منذ سنين. اما البعض الاخر، ففقد القدره علي النطق، والنوم الهادئ، حيث لا يسعهم امضاء ليله دون كوابيس تنغص سباتهم،  فيما نسي البعض الاخر اسمه او سنه.

اما اخطر اعراض الصدمات النفسيه التي تعرض لها الاطفال فهي بدون شك حالات فقدان المشاعر، وعن ذلك يقول احد مسؤولي المخيم الذي التقت به الاناضول  "هناك اطفال لا يضحكون ولا يبكون.. انهم لا يبدون الفرحه ولا الغضب ايضا".

امينه، تعيش بدورها بمخيم ميناوا لدي اسره فتحت لها الابواب، قدمت من اقليم بورنو بنيجيريا، كما 96 % من لاجئي المخيم، تقول انها تعرضت لـ"الاغتصاب من قبل عناصر بوكو حرام"، فيما "قتل" زوجها امام اعينها، و"اختطف" ابنائها، وتركها جلادوها بعد ان ظنوا انها فارقت الحياه.

"هووا" هي الاخري تعرضت لـ"الضرب المبرح".. هي زوجه احد التجار، وقد طلب منها مقاتلو "بوكو حرام" مدّهم بالمال المخفي في البيت، وحين لم يجدوا شيئا، توجهوا الي بيت اخر مجاور، فيما بقي احد العناصر وقام باغتصابها، قبل ان يلتحق مجددا برفاقه، بحسب روايتها.

وبهدف تجنيب هؤلاء النساء الحرج المتعلق بما تعرضن اليه، فانه من النادر جدا ان يتطرق الحديث الي حالات الاغتصاب، والتي يشار اليها في المخيم بـ "اعمال عنف متعلقه بالجنس". وعن هذا الموضوع يقول احد مسؤولي المخيم (فضل عدم الكشف عن هويته) ان "نحو 80 % من النساء الموجودات بالمخيم (عددهن 19 الف و701 امراه) تعرضن الي التعنيف ومن بينهن الالاف اللاتي وقعن ضحيه عمليات اغتصاب".

وتعاني النساء ايضا من اضطرابات نفسيه عميقه ولّدت لديهن حالات ارق ليلي، فيما يؤكد المسؤول المذكور علي ان "كثير من  النساء لم يعدن يتحملن ان تقع عليهن يد انسان، وهذا ما يزيد الامر تعقيدا، بما انه اضحي من الصعب اخضاعهن للفحوصات اللازمه او حتي قياس حرارتهن".

المسئولون عن المخيم وفروا، من جهتهم، طبيبا نفسيا بغيه انقاذ ما يمكن انقاذه، غير ان ذلك لا يعدّ كافيا بالنظر الي العدد الكبير للاجئين، وهو ما يعتبره احد المسؤولين المحليين في المفوضيه العليا للاجئين (لم يذكر اسمه)  "نقص، من المنتظر مواجهته عبر قدوم بعثه تقييميه، باشراف خبير في الصحه العقليه، لتقدير احتياجات المخيم في هذا المجال".

وضع حالك يعكس ماسي ووضعيات اجتماعيه ونفسيه بلغت من الاحباط والصدمه ما يجعلها تعزف عن تلقي العلاج، غير انّ ذلك لا يمنع حقيقه تماثل بعض الحالات للشفاء، حيث سجّل بعض اطفال بعض التحسّن اثر اشهر من العنايه الطبيه والاحتواء النفسي، وعاد الي تلك الملامح البريئه بعض الامل، الذي وادته هجمات "بوكو حرام" في معقلها الاصلي نيجيريا، وفي منطقه اقصي الشمال الكاميروني المحاذي لها.

وتقاتل نيجيريا منذ اكثر من 6 سنوات جماعه "بوكو حرام" المتمرده التي حصدت عملياتها حياه عشرات الالاف، وشردت اكثر من 6 ملايين شخص علي الاقل، ودمرت البنيه التحتيه في اجزاء كثيره من البلاد. ومع توسّع نطاق نشاط المجموعه المسلّحه الي اقصي شمالي الكاميروني المجاوره، طالت انتهاكاتها سكان القري والمدن، فقتلت الكثيرين وشردت اخرين، واجبرت البلدان المعنيه، بما في ذلك تشاد والنيجر، علي اقرار استراتيجيه عسكريا مشتركه لمواجهه المدّ الارهابي المتنامي علي اراضيها.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل