المحتوى الرئيسى

أحمد مصطفى جابر يكتب: 44 عامًا على تمرد الفهود السود عندا خرجوا يصرخون: يا غولدا علمينا اليديشية | ساسة بوست

06/14 14:53

منذ 29 دقيقه، 14 يونيو,2015

صادف يوم 18 ايار مرور 44 عامًا تماما علي الشراره الاولي لانطلاق حركه “الفهود السود” الاسرائيليه عام 1971، والتي شنت هجوما تحول الي كاسح علي المؤسسه الصهيونيه التي كانت تقودها حركه العمل، ما اسفر بعد ست سنوات عن اول انقلاب سياسي تاريخي في الحكم في دوله الكيان، حمل حزب الليكود الي قياده اسرائيل منفردا عام 1977.

هذا النص استعاده لتلك الفتره ومحاوله لقراءه مقارنه مع تحرك اليهود الاثيوبيين هذه الايام، والقاء الضوء التحليلي علي طبيعه نضال الشرقيين انذاك والاثيوبيين اليوم، والتمييز بينه وبين نضال الفلسطينيين وكفاحهم.

وعت الحركة الصهيونية مبكرًا مساله التناقض بين المجموعات العرقيه داخل ما ارادت فرضه كـ(شعب يهودي)، والتي كانت بدايه بين المجموعتين الشرقيه والغربيه، المزراحيم (متضمنه السفارديم) و(الاشكيناز)، فعملت علي وضع برامج اجتماعيه واقتصاديه وثقافيه وتربويه من اجل صهر المجموعتين وتوحيدهما في بوتقه واحده، ولكن النتائج للدمج جاءت علي حساب مجموعه دون اخري ارتباطا بالجهه المسيطره في الحركه والتي وضعت هذه الخطط والبرامج.

فكره الدمج كانت في جوهرها عمليه الحاق، وتحويل اليهود من غير الغربيين الي يهود (مناسبين) لقيم الحضاره الغربيه والثقافه الاشكنازيه التي تم تكريسها مسبقًا بانها تجسد قيم الحداثه.

وعلي هذا الاساس برزت نظريه (محتاجي العنايه الخاصه) التي ابتكرها عالم التربيه كارل فرانكشتاين، ونظريه (بوتقه الصهر) التي اطلقها شموئيل ايزنشتادت عالم الاجتماع، بالاستفاده من المستودع الفكري لدراسات الفلاسفه الوظيفيه البنيويه للامريكيين حول التطوير والتحديث. مسهمين في اطلاق وصمه التخلف علي الشرقيين واطلقوا مصطلح (الثغره الاجتماعيه) بدلا من البحث في اسبابها الحقيقيه المتمثله في العنصريه والطبقيه.

وهذه الفكره ماخوذه من منهج (الكم) الذي شاع في الولايات المتحده والذي يحدد ان الحل اللازم لالغاء الثغره يكمن في تحديث الشرقيين وهو ما قصد به حسب احد اتباع ايزنشتادت عمليه “الغاء اجتماعيه للشرقيين”(1)

وقد اعتمدت نظريه الدمج علي ثلاث افكار رئيسيه كانت بحد ذاتها تحمل بذور افشالها(2):

1- ايجاد لغه منطقيه تدعو المهاجرين كافه الي الانصهار في المجتمع الثقافي وقد قامت الفكره علي الغاء حيز ثقافي لمصلحه اخر، وبسبب طبيعه الطرف المهيمن تحولت ثقافه الشرقيين ولغتهم الي سقط متاع.

2- صوغ اسطوره تعبئ المستوطنين وتضم تجاربهم، وقد تم تكريسها عبر صوره الرائد الاستيطاني الذي يشق الطريق ويشكل الحارس المتقدم للشعب اليهودي، وطبعا هذا الرائد هو صهيوني اشقر غربي وسقط تلقائيا ابطال الثقافه الاصليه للشرقيين.

3- التعبئه باحتلال الارض وحمايتها لتسويغ اسكان الشرقيين في اماكن نائيه وبلدات تطوير مهمشه.

وهكذا فشلت هذه الخطه لانها وباقل كلمات ممكنه قدمت بدائل لليهود الشرقيين لم تكن بمستوي ما طُلب منهم التخلي عنه لاجلها، ولان الدمج بيّن لهم في النهايه انهم لن يكونوا سوي خدم صالحين للساده البيض.

طبعا كان للمؤسسه وجهه نظرها وتحليلها لفشل مشروع الدمج ما لا يلتفت اليه هذا النص، وان كان من المفيد الاشاره الي ان الابحاث التي توصلت الي استنتاج لا يخلو من الفوقيه الاستشراقيه ان تقاليد الشرقيين ستبقي عائقًا في طريق تنميه منطقيه لهم(3).

التمييز العرقي اخذ اشكالا متعدده لا يتسع المجال لذكرها وتفصيلها، واستندت علي مصادره ثقافه الشرقيين وتمزيق الروابط الشرقيه وتفريقهم عن بعضهم، وتفكيك روابط المجتمعات القديمه وسلب القاده التقليديين مراكزهم بين قومهم، واستيطانهم في قري نائيه ومستوطنات حدوديه ومدن تطوير مهمشه فقيره.

ولا شك ان هذه الممارسات استدعت ردودًا مختلفه علي الصعيد الشرقي، ما بين تقبل الامر الواقع وما بين الرد عليه وما بين السعي للاندماج الكلي في المجتمع الصهيوني والانفصال عنه، او ايجاد طريق ثالثه ما بين وبين.

بدا الاعتراض مبكرًا علي السياسات التمييزيه في المعسكرات الانتقاليه التي شهدت مظاهرات عنيفه من اجل (الخبز والعمل)، وقد وصف مدير عام وزاره الماليه انذاك ديفيد هوروفيتش في نقاش مع بن غوريون، وضع اليهود الشرقيين في المخيمات بانه “ثائر” و”متوقد” و”نشيط جدًا”(4).

لكن الشراره الاولي والاكثر اهميه اندلعت في وادي الصليب في حيفا، حيث انتفض الشرقيون ضد البؤس والتفرقه عام 1959، ووادي الصليب منطقه فقيره وصغيره الحجم في حيفا يقطن فيها اليهود المغاربه، والسبب المباشر في احداث وادي الصليب، كان قيام الشرطه باطلاق النار علي احد سكاري الحي (كما ادعت الشرطه) بحجه عدم امتثاله لامر بالتوقف، فجرح ونقل الي المستشفي وما لبث ان شاعت اخباريه بانه قد توفي متاثرًا بجراحه، وكتعبير عن الاحتجاج في نفوس ابناء الحي – والذين كما سبقت الاشاره، مهاجرون مغاربه يسكنون بيوتا طُرد منها سكانها العرب الاصليين – قام هؤلاء بتظاهرات صاخبه ما لبثت ان تحولت الي اعمال عنف هاجم خلالها الثائرون مؤسسات حزبيه وحكوميه ودمروا عددًا من المحلات التجاريه ومن سيارات الشرطه، وامتدت المواجهات الي عدد من المدن حيث يوجد ابناء الطائفه المغربيه.

كانت احداث وادي الصليب بمثابه تنفيس لمشاعر السخط المتراكمه الناجمه عن الهوه الاجتماعيه لدي الجيل الاول من الشرقيين. هذا التحرك اخمد بالقوه العسكريه، وقلل حزب العمل الحاكم انذاك من اهميه النتائج السياسيه التي افرزتها الصدامات من دون الاهتمام بمعالجه جذريه لما حدث واسبابه، مما قاد لثوره اوسع في السبعينات عندما طالبت حركة الفهود السود بتدمير السلطه الحاكمه، وبالحقوق الشرعيه للمضطهَدين دون تفريق بالدين او الاصل او الجنس(5).

البحث عن صوره جديده لليهودي الشرقي

في عام 1972 تحرك شباب شرقيون من ابناء شمال افريقيا خصوصًا؛ لتنظيم انفسهم في الاحياء الفقيره في القدس تحت لواء منظمه اطلقت علي نفسها “الفهود السود” تيمنًا بالفهود السود الامريكيين، بهدف وضع حد للغبن الاجتماعي عبر محاربه المؤسسه الاشكنازيه الحاكمه، عن طريق المظاهرات التي تصدت لها الشرطه بالعنف.

وجرت اشتباكات شملت معظم المدن التي يعيش فيها شرقيون، ورفعت شعارات”فلتسقط دوله الاشكناز” و”يا غولدا علمينا اليديشيه”. وكانت بدايه الصدامات عندما طلب الفهود السود في اذار من عام 1971 من البوليس، الاذن بالتظاهر السلمي امام بلديه القدس، احتجاجًا علي الهوه الاجتماعيه، وجاء القرار بالرفض من غولدا مائير، دون ابداء الاسباب، وفي المساء نفذ البوليس اعتقالات احترازيه ادت الي اندلاع المظاهرات.

تجدر الاشاره الي ان بدايه الفهود السود كانت روبن هوديه نوعًا ما، اذ كانوا يسرقون زجاجات الحليب والخبز من مداخل بيوت الاغنياء ويوزعونها علي سكان الاحياء الفقيره. وفي عام 1974 اعتقلت الشرطه سعاديا مرتسيانو احد قاده الحركه بتهمه القاء قنبله علي مكتب الحاخام العنصري كاهانا، وحكم عليه بالسجن ثلاثه اشهر، وكان هذا الاعتقال وحملات التفتيش والتنكيل باعضاء الحركه هو ما اشعل شراره المواجهات من جديد، وقد ردت الحكومه بعنف واعتقلت قاده المنظمه التي اطلقت مظاهرات عارمه هزت البلاد بعنف.

لا شك ان الفهود السود كانوا رواد السياسات الاجتماعيه الانتقاديه والورثه الشرعيين لمتمردي وادي الصليب العفويين، لكن الوعي الحقيقي لليهود الشرقيين بدا بالتبلور فعلًا اثر تحرك الفهود السود، ولعل اهم ما فعلوه هو تقديم الصوره الجديده لليهود الشرقيين، الذين يعانون من التمييز في الرأى العام او في فكر الشرقيين انفسهم. اضافه الي ذلك تدمير اسطوره الوعاء الواحد وعرف الجميع بوجود (شعبين) يهوديين في اسرائيل دون الكلام عن العرب.

وطالما وُصفت تحركات اليهود الشرقيين بانها اعمال شغب، ناتجه عن الميول الطبيعيه نحو العنف لدي هؤلاء الشرقيين، ونتيجه للاضطرابات العصبيه وفشل الاندماج. واستخدمت شعارات الوحده الوطنيه والامه القوميه باعتبارها مبررا لقمع التحرك واخفاء الاسباب الحقيقيه للغضب، واتُهم افراد الفهود السود بانهم “تنظيم عرقي” يسعون الي تقسيم الامه، ورد هؤلاء بنفس السلاح في مهاجمه العرقيه الاشكنازيه، رغم ان الاشكناز مثلهم مثل اي مجموعه مسيطره لا يعترفون بانفسهم كعرق منفصل.

لكن الشرقيين غالبًا ما يشيرون الي هذا عند الحديث عن “الدوله الاشكنازيه” و”الاحزاب الاشكنازيه” و”الصحافه الاشكنازيه” و”الجيش الاشكنازي” مما يعكس ادراكًا عميقًا لواقع الانقسام، بغض النظر عن كيفيه العمل لتجاوزه.

وقد كان الفهود السود،خصوصًا الفرع الذي قاده تشارلي بيتون، من اوائل اليهود الشرقيين الذين ربطوا سياسيًا بين قمع الفلسطينيين، وقمع اليهود الشرقيين وكان لجراه افكارهم دورًا في اكسابهم دورًا حاسمًا في تنميه الوعي السياسي لليهود الشرقيين، وتبني الفهود السود موقفًا ايجابيًا تجاه بناء جسر التفاهم والسلام مع العرب والفلسطينيين وطالبوا باجراء حوار حقيقي مع الفلسطينيين وسعي زعماؤهم للقاء قاده منظمه التحرير الفلسطينيه، لكن كل دعواتهم رُفضت بانتظام من المؤسسه الصهيونيه، وقد ركز الفهود السود علي نفي الاسطوره التي تقول بمعاداه اليهود الشرقيين للعرب وان هذا شيء طبيعي.

كما دابت الدعايه الاشكنازيه علي الترويج، يقول تشارلي بيتون احد اهم زعماء الحركه: “نحن يهود عرب، ثقافتنا وحضارتنا هي الحضاره والتراث العربي، الغالبيه الساحقه من ابناء الطوائف الشرقيه تريد ان تعيش بسلام مع العرب”(6).

ويستشهد بيتون علي صحه كلامه بان نسبه الشرقيين الذين يصوتون للاحزاب المتطرفه المعاديه للعرب بشده، هتحيا وغوش ايمونيم وكاخ تساوي الصفر، وان جميع الاعضاء الشرقيين في مختلف الأحزاب الإسرائيلية ينتمون الي الاجنحه المعتدله في احزابهم.

طبعًا قد يكون هذا الكلام صحيحًا، ولكنه لا يعني شيئًا للفلسطينيين فالشرقي الذي يختار ان يكون في الليكود، يضع نفسه في تعارض كامل مع مصالح الفلسطينيين، بل كل من ينتمي الي حزب صهيوني، ولا يكفي الاعتدال هنا، والشرقيون انفسهم غير مقتنعين به، بدليل انطلاق حركه الفهود السود للتعبير عن هويه شرقيه مستقله واتجاه سياسي مختلف في التعبير عن الموقف من القضيه الفلسطينيه.

لم يكن لحركه الفهود السود ان تنمو وتتطور وتتجذر، بسبب التصدي العنيف من قبل المؤسسه الحاكمه، والخلافات التي نشات بين مؤسسيها، ونشوب حرب 1973، وطغيان الموضوع الامني علي ما عداه.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل