المحتوى الرئيسى

ماذا استفادت الديمقراطية من الانتخابات التركية؟

06/13 16:42

وحدها التجربه الديمقراطيه هي التي مكنت بعض المواطنات والمواطنين الاتراك من تغيير تفضيلاتهم الانتخابيه وسحب تاييدهم من رئيس الجمهورية رجب طيب اردوغان وحزبه الحاكم العداله والتنميه بسبب نواقص جوهريه يرونها في السياقات الاقتصاديه والاجتماعيه وبشان سياده القانون وحقوق الناس وحرياتهم وفي محاربه الفساد ومقاومه نزوع اردوغان لاكتساب سلطات وصلاحيات مطلقه وتعطيل اليات واجراءات الرقابه والمساءله والمحاسبه، ولذلك خسر حزب العداله والتنميه ما يقرب من 11 بالمائه من اصوات الناخبين في الانتخابات البرلمانيه 2015 مقارنه بالانتخابات السابقه وفقد اغلبيته المطلقه (40 بالمائه من مقاعد البرلمان هبوطا من 51 بالمائه) واصبح وللمره الاولي منذ بدايه هيمنته علي شئون الحكم والسياسه في تركيا في احتياج للتحالف مع حزب اخر وتشكيل حكومه ائتلافيه.

الاستنتاج الثاني: في البلدان التي لم تستقر تجربتها الديمقراطيه بعد - ومضامين غياب الاستقرار هنا تشمل 1) كون الاطر الدستوريه والقانونيه الضامنه لمبادئ وقيم الديمقراطيه وقواعد اللعبه السياسيه كنشاط تعددي وتنافسي مازالت حديثه العهد، 2) كون سلطات وصلاحيات مؤسساتها التشريعيه والتنفيذيه المنتخبه لم تترسخ بعد في الواقع المعاش في مواجهه المؤسسات العسكريه والاجهزه الامنيه والاداريه التي احتكرت تقليديا القوه وهيمنت علي شئون الحكم والسياسه، 3) التهديدات المستمره الوارده علي الفكره الديمقراطيه ان من قبل حكام منتخبين وقيادات احزاب منتخبه يريدون الاستئثار بالسياسه واسكات المعارضين او من قبل نخب بعض مؤسسات واجهزه الدوله الباحثه عن الاحتفاظ بامتيازاتها وعوائدها دون تغيير ودون رقابه ومساءله ومحاسبه او من قبل بعض النخب الاقتصاديه والماليه وجماعات الضغط الساعيه لتوظيف الحكم والسياسه لخدمه مصالحها الضيقه وبمعزل عن حدود التناقض بين هذه المصالح وبين الصالح العام، 5) تفتت المجال السياسي بسبب تشرذم الكيانات الحزبيه او شيوع الاستقطاب الايديولوجي / العرقي / المذهبي / الجغرافي فيما بينها وغياب القواسم المشتركه، تمكن اليه الانتخابات الحره والنزيهه والدوريه المواطنات والمواطنين من التحييد والتجاوز التدريجيين لمضامين غياب استقرار التجربه الديمقراطيه ومن حمايتها من الاخفاق ومن ثم حمايه المجتمع والدوله من الارتداد الي الاستبداد والسلطويه.

في الانتخابات البرلمانيه 2015، ذهب تصويت الناخبين الاتراك بجلاء في اتجاه تحييد وتجاوز بعض مضامين غياب الاستقرار عن تجربتهم الديمقراطيه. عوقب الرئيس المنتخب وحزبه الحاكم في مراكز الاقتراع للنزوع الصريح ﻹقرار سلطات وصلاحيات مطلقه للرئاسه، وتمكينها من الاستئثار بالسياسه واحتكار صناعه القرار في الشئون العامه علي حساب البرلمان المنتخب والسلطه القضائيه المستقله عبر تمرير تعديل دستوري يستلزم اغلبيه خاصه في البرلمان. غير ان الناخبين الاتراك لم يقدموا اغلبيه اصواتهم للاحزاب العلمانيه المعارضه التي كثيرا ما ساومت ايضا علي سلطات وصلاحيات البرلمان، وعلي التجربه الديمقراطيه برمتها عبر تحالفاتها مع المؤسسات العسكريه والاجهزه الامنيه وبعض النخب الاقتصاديه والماليه الراغبه فقط ودوما في احتكار السياسه وصناعه القرار وتسخيرهما لحمايه امتيازاتها وعوائدها.

عوقب الرئيس المنتخب وحزبه الحاكم في مراكز الاقتراع علي العصف المنتظم بسياده القانون، والانزلاق الي ممارسات قمعيه انتهكت حقوق الانسان والحريات، والتورط في صنوف من الفساد والتستر علي صنوف اخري من الفساد وحمايه بعض الفاسدين والمفسدين في سبيل ضمان مصالح اقتصاديه وماليه غير مشروعه لحزب العداله والتنميه وللنخب المتحالفه معه. غير ان الناخبين الاتراك لم يمنحوا اغلبيه اصواتهم للاحزاب العلمانيه المعارضه التي لم تتسم حقب حكمها في العقود التي سبقت صعود العداله والتنميه - اي في ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين وبدايات الالفيه الجديده - لا بعصف اقل بسياده القانون، ولا بانتهاكات اقل للحقوق وللحريات، ولا بفساد محدود.

عوقب الرئيس المنتخب وحزبه الحاكم في مراكز الاقتراع بسبب الاستعلاء علي حق المواطنات والمواطنين في الزام الحكم بالشفافيه واقرار قاعدتي المساءله والمحاسبه بشان سياسات وافعال المسئولين المنتخبين - وقد كان التبرير المتعجرف من قبل اردوغان ﻹنفاق مبالغ طائله من الموازنه العامه للدوله علي بناء مقر جديد لرئاسه الجمهوريه (بسبب ملاحظته لوجود زواحف صغيره في المقر الحالي) من بين ارهاصات ذلك الاستعلاء التي سبقت الانتخابات البرلمانيه مباشره، وبسبب المبالغه في توظيف المكون الايديولوجي والديني في الحملات الانتخابيه للعداله والتنميه لتغييب وعي الناس بضروره تقييم تداعيات سياسات وحصاد افعال الحكم علي نحو موضوعي، وبسبب صناعه الاستقطاب وحرب الهويه اللتين اعلنهما اردوغان علي الكيانات الحزبيه والسياسيه المدافعه عن مواطنه الحقوق والحريات المتساويه والمناهضه للتمييز ضد الاكراد وتجريمه المطرد لها كاخر يستحق الالغاء. غير ان الناخبين الاتراك لم يعطوا اغلبيه اصواتهم للاحزاب العلمانيه المعارضه التي لم تدلل خبرات حكمها الماضيه علي التزام حقيقي بالشفافيه وقواعد المساءله والمحاسبه، ومازالت تقارع المكون الايديولوجي والديني للعداله والتنميه بمكون ايديولوجي بديل جوهره القوميه التركيه المتعصبه والوطنيه الشوفينيه المتحوله الي دين وضعي يلغي وجود الاخر العرقي (الاكراد) وينزع عنهم انسانيتهم ويبرر انتهاك حقوقهم وحرياتهم.

لكل ذلك، انهي تصويت الناخبين الاتراك وبوعي واضح الاغلبيه المطلقه لحزب العداله والتنميه واجبروه علي التحالف مع حزب اخر او احزاب اخري وفرضوا عليه بسبب الهزيمه الانتخابيه اعاده النظر في سياساته وافعاله التي تهدد استقرار التجربه الديمقراطيه. الا ان التصويت احتفظ للعداله والتنميه بموقع الحزب الاكبر في الحياه السياسيه التركيه منعا للتفتت والتشرذم، وحال بين الاحزاب العلمانيه المعارضه وبين الوصول الي مقاعد الاغلبيه وهي لم تدلل واقعيا بعد علي التزامها الواقعي بالديمقراطيه وبالحكم دون تحالفات مع مؤسسات واجهزه ونخب تريد الانقضاض علي التجربه الديمقراطيه، ومكن وللمره الاولي كيان حزبي يتبني مواطنه الحقوق المتساويه ويناهض التمييز ضد الاكراد من تجاوز حاجز ال10 بالمائه اللازم لدخول البرلمان.

الاستنتاج الثالث: من بين امور اخري، تتمثل عبقريه الديمقراطيه التي تجعل منها الطريقه الافضل اخلاقيا وقيميا والانجع اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا ﻹداره ترابطات المواطن والمجتمع والدوله علي المديين الزمنيين المتوسط والطويل (دوما ما تتسم بدايات الديمقراطيه بازمات وصعوبات وتحديات جمه) في كونها عبر سياده القانون والانتخابات الحره والنزيهه والدوريه وقواعد المساءله والمحاسبه المستمره، 1) تعطي تدريجيا صوتا علنيا للشرائح والفئات والمجموعات السكانيه التي تعاني من الالغاء والاستبعاد والتمييز والتهميش بفعل احتكار او استئثار او سيطره او هيمنه اطراف اخري علي السياسه وصناعه القرار العاك واحتفاظها بامتيازات وعوائد واسعه، 2) تسمح تدريجيا لها بالتنظيم الجماعي والبحث عن سبل سلميه وشرعيه للمشاركه في السياسه وصناعه القرار العام واختراق السياقات الرسميه وذات المشروعيه القانونيه للسياسه وللمجال العام بتكوين الاحزاب ومنظمات المجتمع المدني والحضور في التشكيلات النقابيه والمهنيه والجامعيه وفي دوائر اصحاب الاعمال، 3) تفرض تدريجيا علي الاطراف المحتكره او المستاثره او المسيطره او المهيمنه علي السياسه وصناعه القرار العام التعامل مع من حرموا في الماضي من الصوت والحضور وتلزمهم وان طال الامد بالاعتراف ببعض حقوقهم وحرياتهم المشروعه وتنزيل ذلك واقعا دستوريا وقانونيا وسياسيا معاشا، وربما بالمساءله والمحاسبه عن ماضي الالغاء والاستبعاد والتمييز والتهميش في اطار منظومه للعداله الانتقاليه - ودون ان يعني ذلك ابدا انتفاء الازمات والصعوبات والتحديات الكثيره الاخري التي تواجهها التجربه الديمقراطيه.

وتحديدا هذا الجانب من عبقريه الديمقراطيه تجاربها هو الذي اظهره تصويت الناخبين الاتراك في 2015، حين منحت شريحه منهم تصل الي 12 بالمائه - حتي وان كان معظمهم من المنتمين عرقيا للسكان الاكراد - صوتها لحزب يدافع عن مواطنه الحقوق المتساويه ويناهض التمييز وصناعه الاستقطاب وحروب الهويه التي تورط لها اردوغان وحزب العداله والتنميه او تديرها الاحزاب العلمانيه المعارضه.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل