المحتوى الرئيسى

حكاية مصر في المونديال (2/5) - مصر وهولندا ومحمود بكر

06/13 16:39

عندما سحبت قرعه كاس العالم 90 لم يكن اشد المتشائمين يتوقع ان تسقط مصر في براثن المجموعه السادسه، التي جاء علي راسها بطله اوروبا هولندا، ومعها انجلترا مهد الكره العالميه، وثالثهما جمهوريه أيرلندا التي كانت واحده من ابرز القوي الاوروبيه الصاعده.

لم تكن القرعه صعبه فقط بسبب قوه الفرق المنافسه، بل بسبب الكابوس الذي يمثله مشجعوهم المتعصبون المعروفون بالهوليجانز، والذين كان لهم مواجهات داميه خلال بطولة أوروبا 1988 والتي تصادف ان جمعت مجموعتها الثانيه الفرق الثلاثه ذاتها ومعهم الاتحاد السوفيتي.

خيم صمت كئيب علي اجواء مصر فور انتهاء القرعه، وبدات المقارنات بقرعه فريق افريقي اخر هو الكاميرون التي وضعها حظها العاثر في مباراه الافتتاح امام حامل اللقب الارجنتين بقياده مارادونا، قبل ان تواجه رومانيا القويه والاتحاد السوفيتي المرعب، او منتخب الامارات الشقيق الذي وقع الي جوار المانيا ويوجوسلافيا وكولومبيا.

لكن الكابتن محمود الجوهري خرج بتصريحات صيغت بعنايه كعادته، اكد فيها علي فكره ( التمثيل المشرف) وانه من الصعب تحقيق نتائج باهره امام فرق عالميه عملاقه، وان الهدف ان يشعر الجمهور المصري بالرضا عن اداء الفريق بغض النظر عن النتيجه.

كان الشغل الشاغل للجوهري ومساعده فتحي مبروك هو مباراه البدايه، امام بطل اوروبا منتخب هولندا المرشح بقوه للفوز بالبطوله والذي يضم في صفوفه الثلاثي المرعب الذي قاده لكأس أوروبا، كما قاد ناديه ميلان ليصبح مركز قوه في الدوري الايطالي واوروبا، واخر انجازاتهم بطوله ابطال الدوري عام 1990 اي قبل شهر من انطلاق كاس العالم.نتكلم عن ماركو فان باستن، ورود خوليت، وفرانك رايكارد.

الثلاثه باختصار كانوا العقل والقلب للفريق البرتقالي في كأس الأمم الأوروبية 88، وقادوه للفوز علي انجلترا بالثلاثه، ثم علي المانيا في عقر دارها، قبل ان يطيحوا بالاتحاد السوفيتي بهدفين منهم الهدف الاعجازي لفان باستن في مرمي الحارس العملاق داساييف، ليتوجوا باللقب الوحيد في تاريخ هولندا.

والطريف ان احدي الصحف البريطانيه استخدمت برنامجاً متطوراً – وقتها – كي يتوقع الكمبيوتر نتائج مباريات كاس العالم، وقد توقع ان تنتهي مواجهه هولندا ومصر بفوز هولندا (8-1) ومن فرط الدقه توقع ان يحرز طاهر ابو زيد هدف مصر.

كان علي الجوهري ايجاد طريقه وباستخدام الادوات المتاحه، لمواجهه الثلاثي الهولندي، ومن يدعمه من لاعبين امثال المدفعجي رونالد كومان، وشقيقه ايرفن، والحارس المتميز فان بريكلن.

وكانت اولي اسلحته هي الحماسه والوطنيه ورفع الهمم وزياده الثقه في نفوس اللاعبين، خاصه بعد سلسله المباريات الوديه التي خاضوها، زاد علي ذلك قدره الجوهري الفنيه العاليه علي الاستفاده من الكثافه العدديه في الدفاع لخلق ازدحام يمنع لاعبي هولندا من الاستفاده من قدراتهم الفنيه والبدنيه بالشكل الامثل.

لا بد وان الجوهري قد قضي شهوراً للوصول الي الخطه المناسبه للتعامل مع هذا التحدي الكبير، لكن لنترك الجوهري قليلاً ونتجه الي التحدي الاكبر الذي واجه المشاهدين الذين التفوا حول الشاشه الصغيره لمتابعه المونديال، الا وهو. الاسطوره ( محمود بكر ).

فعلي الرغم من النجاح الهائل لميمي الشربيني في التعليق علي كاس العالم بالمكسيك 86، وسابق الفشل الذريع لارسال محمد لطيف وعلي زيوار للتعليق علي كاس العالم 82، الا ان التلفزيون قرر تكرار التجربه الفاشله من خلال ارسال اثنين من المعلقين ( المحايدين) اي غير المحسوبين علي الاهلي والزمالك، ومن ثم وقع الاختيار علي السكندريين ابراهيم الجويني ، ومحمود بكر.

طبعا لا يمكن مقارنه الثنائي المذكور بميمي الشربيني من حيث غزاره المعلومات ومتعه الاداء، الا انهما ادخلا بعض الفكاهه الي التعليق، ليس من جانب خفه الظل، ولكن من جانب الاخطاء غير المتعمده فالكابتن الجويني اعتقد ان محرز هدف ايطاليا في مرمي النمسا هو اللاعب ( اوليفتي ) دون ان يلاحظ ان الاسم يخص شركه المعلومات التي تتولي كتابه بيانات اللاعبين والنتيجه والوقت! كما انه اسرف في استخدام حرف الضاد في نطق الاسماء الايطاليه ليتحول (دونادوني) الي (ضونا ضونييي ) مثلا، اما قائد منتخب المانيا فتحول الي (مات هاوس) بدلا من (ماتيوس).

اما الكابتن بكر فكان قد اعد مجموعه من (الاقوال الماثوره) – الافيهات- ليطلقها خلال البطوله حسباً للاحداث، فمثلاً يظن الجميع ان مقوله ( عداله السماء هبطت علي ستاد باليرمو) استخدمت لاول مره في مباراه مصر وهولندا، لكن الحقيقه ان الكابتن ( بكر) استخدمها لاول مره في مباراه الافتتاح بين الكاميرون والارجنتين بعد احراز اومام بيك لهدف الكاميرون بعد دقائق من قيام الحكم الفرنسي ميشيل فوترو بطرد احد لاعبي الكاميرون، واسرافه في استخدام البطاقات الصفراء ضد الفريق الافريقي.

كما انه استخدم مصطلح ( رياح التغيير) – ذو الاصل السياسي- لوصف النتائج الجيده للفرق الصغيره بعد فوز الكاميرون علي الارجنتين، وكوستاريكا علي اسكتلندا، وطبعا تعادل مصر مع هولندا.

الكابتن بكر اتحفنا بالاصرار علي ان لاعب خط وسط مصر هو اسماعيل ( ياسين ) وليس اسماعيل يوسف، ورددها 10 مرات، برغم محاولات الراحل فايز الزمر للتصحيح، الا ان الكابتن بكر كان يصحح الخطا بشكل نسبي فيستخدم اسم (ابراهيم يوسف) للاشاره الي اسماعيل تاره، والي ابراهيم حسن تاره اخري.

كذلك لم يتخل الكابتن بكر عن الترويج للانتاج المحلي عندما قال في اكثر من مناسبه ( لو فيه حد قاعد بيتفرج وعاوز لاعيبه للاحتراف هيلاقي ثلاثه اربعه ينفعوا ) ، كما كان للكابتن بكر الفضل في تصحيح نطقنا لاسم اللاعب الهولندي الشهير رونالد كومان ، وليس ( كويمان) كما دابت الصحف علي كتابته.

كان هذا الاداء العالي منذ خمسه وعشرين عاماً، و لا زال الكابتن بكر- اطال الله في عمره – يتحفنا بتعليقه الكروي المتفرد.

ونعود مره اخري الي مساء يوم الثلاثاء الثاني عشر من يونيو1990 حيث كان للقاء مصر وهولندا تاثير تخطي الحدود المصريه، فقد توقفت الحرب بين الفصائل اللبنانيه ، وبدات هدنه بين اسرائيل والفلسطينيين، فيما تحلق المصريون بالخليج حول شاشات التلفزيون كانهم علي ارض الوطن.

وقتها كانت الاعصاب مشدوده ومتوتره، لكن صوت الكابتن بكر هدا من روع الجميع وخلفه يتردد اصوات جماهير مصريه تتشكل في الاساس من طلبه الاكاديميه البحريه الذين رست سفينتهم في ميناء باليرمو واحتشدوا في الملعب بزيهم الرسمي الابيض.

كانت وجوه لاعبي المنتخب تعكس حاله متقدمه من التركيز، الممتزج بالرهبه والتوتر، وهو الامر الطبيعي لمن يواجه ابطال اوروبا ونجوم العالم. لكن مع صفاره الحكم وانطلاق المباراه كان واضحاً ان الاعداد الطويل نفسياً وبدنياً قد اثبت نجاحه. فها هو ربيع ياسين ينطلق بالكره وسط الدفاعات الهولنديه بشكل رائع، واحمد رمزي ومعه اسماعيل يوسف يحكمان الحصار علي رود خوليت الذي يخرج بالكره خارج الملعب اكثر من مره، اما هشام يكن وهاني رمزي فقد اخفيا وجود فان باستن عن الانظار.

ارتجفت القلوب مع ضربه حره تصدي لها المدفعجي كومان وتعامل معها احمد شوبير بصعوبه وحولها لضربه ركنيه.

ورد الفريق المصري بفاصل من المراوغه من احمد الكاس وتسديده انتزعت اهات المشجعين المصريين الذين ارتفعت هتافاتهم في باليرمو ( صلوا عالنبي...صلوا عالنبي).

بدا الشوط الثاني علي نفس الوتيره، وانطلق قائد الفريق ( جمال عبد الحميد) بالكره من منتصف الملعب وركض بها نحو منطقه الجزاء ليحاول ( ريكارد ) ايقافه لكن ( جمال) راوغه، ليس مره ولا اثنتين، بل ثلاث مرات ! قبل ان يرفع الكره ليقابلها احمد الكاس بتسديده صاروخيه يخرجها فان بريكلين بصعوبه بالغه.

بعدها مباشره، يتوغل احمد رمزي من ذات الجبهه ويرفع كره يقابلها جمال عبد الحميد صاحب الراس الذهبيه ويخرجها فان بريكلين باطراف اصابعه.

لكن هولندا سجلت هدفاً مفاجئاً علي عكس سير اللعب اصاب ملايين القلوب في مصر بهبوط حاد، فالفريق يؤدي بشكل جيد، والمنتخب الهولندي لم يقدم ما يتناسب مع سمعته الكبيره، والفرصه متاحه لتحقيق نتيجه تاريخيه.

وقتها كان دور المدير الفني الذي تدخل لطرد شبح الاحباط من نفوس لاعبيه، فقرر تغيير طريقه اللعب من خلال تبديل مزدوج، باخراج القائد جمال عبد الحميد الذي بذل جهداً كبيراً، واحمد رمزي الذي استنفد طاقته مع رود جوليت، ودفع عادل عبد الرحمن، ومجدي طلبه.

وما هي الا دقيقه حتي كان عادل يتعاون مع ابراهيم حسن في الجانب الايمن ليرفع كره رائعه خلف الدفاع الهولندي تجد مجدي طلبه منفرداً وعلي قدمه اليسري المفضله فيسدد كره طائشه تصيب المصريين بالصدمه، كانت هذه الفرصه هي السبب في قيام مجدي طلبه بلعب الكره براسه في مباراه ليون الشهيره امام زيمبابوي في تصفيات 1994، حيث خاف ان تخرج شديده القوه، فخرجت شديده الضعف.

اقتربت المباراه من النهايه، والجميع ينظرون الي عقرب الدقائق وهو يتقافز نحو الدقيقه 90، لكن من في الملعب بدوا غير عابئين بذلك، ومصممين علي اكمال المباراه بنفس المستوي المتميز، وفي الدقيقه 83 كان هاني رمزي يعيد الكره الي هشام يكن ليكرر الجمله التي لعبها المنتخب خمس مرات خلال هذه المباراه بان يرسل كره طويله خلف الدفاعات الهولنديه محاولاً استغلال فارق السرعه بين حسام حسن ذو الثلاثه والعشرين عاماً وثلاثي دفاع هولندا كومان وروتييس وفان تيجلين، وبالرغم من ان هذه الجمله ( اتهرست) خلال المباراه، الا ان التمريره هذه المره كانت عموديه جعلت حسام يتوجه مباشره نحو المرمي، وكان واضحاً ان نشاط حسام طوال المباراه قد انهك ثلاثي الدفاع الهولندي وجعلهم غير قادرين علي اللحاق بحسام وهو ما دفع رونالد كومان للامساك بفانله حسام خارج منطقه الجزاء، ليسقط حسام داخلها ويحتسب الحكم الاسباني ضربه الجزاء.

اعرف الكثير من المتفرجين الذين اغمضوا عيونهم، او اداروا وجوههم للشاشه لحظه تسديد الركله، بخلاف من خرجوا الي الشرفه ولم يدخلوا الا بعد ان رجت صرخات الفرح سماء البلاد.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل