المحتوى الرئيسى

مصر فى "دماغ أوباما".. مؤامرة ساذجة

06/13 11:29

يمكنك ان تقبله او ترفضه، ان تحبه او تكرهه، لكن لا يمكنك ابداً ان تتجاهل كونه رئيس اقوي دوله في العالم حتي الان، والرجل الذي تؤثر قراراته حتماً علي مسارات الدول والشعوب. يمكنك ان تقول ان الرئيس الأمريكي الحالي باراك اوباما هو اضعف رئيس مر في تاريخ الولايات المتحده، او انه، علي العكس، اكثر من نجح في تفكيك الشرق الاوسط وفقاً للمؤامره الامريكيه المسمّاه بالشرق الأوسط الكبير، التي تري ضروره تحويل الشرق الاوسط الي دويلات مفكّكه، متناحره، لا يزيد قطر اكبرها عن حجم اسرائيل، لكن لا يمكنك ان تنكر ايضاً، ان سياساته في الشرق الاوسط تثير قلق حلفائه، وعلي راسهم اسرائيل، اكثر بكثير مما تثير قلق من يعاديه. «اوباما» رجل لا يبدو ذا سياسه واضحه لاحد، لا لاعدائه ولا لحلفائه. هو يتحرك بشكل يبدو في البدايه مخططاً، وسرعان ما تنكشف عشوائيته بعد مرور بعض الوقت. يتخذ القرار، كما يقول المقربون منه، بناءً علي ما تفرضه اللحظه، ثم يحاول ان يلوي عنق الحقائق الاخري فيما بعد، لكي تتناسب مع ما يراه. الجيل الاكبر عمراً في السياسيين الامريكان يعادي شبابه، ويرجع اخطاءه الي قله خبرته وكونه ابناً لجيل يقفز الي النتائج من دون دراسه المقدمات، ويتصوّر ان كل خطا يمكن محوه بضغطه زر علي لوحه مفاتيح. في الوقت الذي يعاتبه فيه الشباب المحيطون به لان خططه التي يعلن عنها لا تحقق نتائجها بالسرعه التي اعتادوا عليها مع كل شيء اخر، ويتهمونه بانه بطيء اكثر من اللازم في اتخاذ بعض القرارات، وبطيء اكثر حتي في تنفيذها. «(اوباما) الذي لا يرضي عنه احد»، لا قريب ولا بعيد، لا عدو ولا حليف، ذو التفكير الحائر والمحيّر، كان هو بطل كتاب امريكي كامل، صدر مؤخراً للمؤلف الامريكي «كولين دويك»، حاملاً عنوان «عقيده اوباما: الاستراتيجيه الامريكيه الكبري اليوم». كان الكتاب يقرا «دماغ» الرئيس الامريكي، لماذا يفعل ما يفعله؟ وعلي اي اساس يتخذ قراراته؟ وفي الكتاب كان هناك فصل مهم يتناول تفكير «اوباما» في مصر، بخصوص كل الاحداث التي جرت فيها ووضعت سياساته موضع اختبار، وهو اختبار لا يبدو حتي الان ان ذكاءه قد اسعفه فيه بشكل كبير.

بدا الكتاب الامريكي تحليله لدماغ «اوباما» من قراءه رد فعله علي الاحداث التي ارتبط فيها مصير مصر بكلمه منه في ذهاب او بقاء الرئيس الاسبق حسني مبارك، في احداث 2011. كانت تلك هي اللحظه التي يُحدِّد فيها الرئيس الامريكي الطريقه التي تنوي بها بلاده التعامل بها مع حليف قديم، قدّم لها العديد من الخدمات، لكنه اصبح ورقه محترقه لا يمكن لاحد انقاذها. يقول: «كانت احداث ما عُرف فيما بعد باسم «الربيع العربي» واحده من اكبر التحديات التي واجهت السياسه الامريكيه، علي امتداد تاريخها. اندفع الناس الي الشوارع في القاهره، يعلنون غضبهم ضد الظروف المعيشيه والاجتماعيه السيئه التي يعانون منها. خاصه بعدما تبين لهم انه من الممكن ان يتم الاطاحه بالحكومات وانظمه الحكم السلطويه العتيده التي كانت قائمه في دولهم بعد ما حدث في تونس من احداث ادت في نهايتها الي هروب الرئيس الاسبق زين العابدين بن علي، خارج البلاد.

ويتابع: «كانت حاله مصر تختلف، من وجهه النظر الامريكيه، من ناحيه، لانها كانت حليفاً قديماً للولايات المتحده، ومن ناحيه اخري لانها تعد الدوله الرائده في العالم العربي. بالتالي كان اي حدث يجري علي ارضها له اهميه خاصه. ظل الرئيس باراك اوباما متمسكاً حتي اوائل عام 2011 بالسياسه الامريكيه الاساسيه في التعامل مع نظام «مبارك» والقائمه علي التحالف معه ودعمه. لكن ذلك كان في بدايه 2011 فقط، واتخذ بعدها «اوباما» قراراً بان يطالب بتغيير النظام في مصر من خلال الطرق السلميه، واعقب ذلك بمحاولات للتعاون مع جماعه الاخوان في مصر، وهي محاولات استمرت حتي انهيارهم السياسي في 2013.

ويواصل الكتاب: «الواقع ان تعامل (اوباما) بذلك الشكل مع الحاله المصريه يرتبط ارتباطاً وثيقاً بسياسه (انسحاب) امريكا من التدخل في شئون العالم الخارجي، كانت الاحداث التي تجري في مصر والشرق الاوسط كله هي احداث استثنائيه بكل المقاييس، لكن رد فعل الرئيس الامريكي جعل هناك قناعه تسري في البيت الابيض بان (اوباما) مصمم علي التخلي عن الشرق الاوسط، وانه لم يكن ليترك نفسه يبتعد عن ذلك الهدف بسبب بعض الاضطرابات التي تطالب بالديمقراطيه في وجه انظمه سلطويه، حتي لو كان شبح الحرب الاهليه يحوم حول البلاد. لم يكن (اوباما) يعرف ما اذا كان الربيع العربي سوف يؤدي الي ازدهار الديمقراطيه ام الي فتره طويله من عدم الاستقرار، واياً كانت النتيجه، كان الرئيس الامريكي مصمماً علي ان امريكا لن تحاول التدخُّل لحسم النتيجه، كانت تلك من وجهه نظره هي السياسه السليمه بالنسبه لرئيس لا يريد التدخّل اكثر من اللازم في مشكلات مصر والشرق الاوسط من بعدها».

ويتابع الكتاب الامريكي: «عندما اندلعت المظاهرات الحاشده في الشوارع للمطالبه باسقاط حسني مبارك عن الحكم، اتجهت انظار الاعلام العالمي الي مشهد الشباب المتظاهرين في قلب ميدان التحرير، والذين بدا كثير منهم شجعاناً، تقدميين، علي درايه بعالم الانترنت، والظهور بشكل جيد في الصور. كان الرئيس اوباما يشاهد ذلك، مثله مثل العديد من الامريكيين علي شاشه الاخبار الدوليه، ووجد نفسه يتعاطف، وربما (يتوحّد) مع هؤلاء المتظاهرين الشباب، واصبح مقتنعاً، بعد عده ايام من متابعه المظاهرات المتواليه علي شاشات التليفزيون، ان ايام (مبارك) في الحكم اصبحت معدوده، فاتصل بـ(مبارك) وطالبه بالتنازل عن الحكم. ويشهد العديد من المقربين من الرئيس الامريكي ان مطالبته لـ(مبارك) بالتنحي عن الحكم، كانت قراراً اتخذه هو وكبار مستشاريه في البيت الابيض (من وحي اللحظه)، من دون ان يوضحوا اكثر ما الذي يقصدونه او يريدونه بالضبط، او يحددوا، بتفاصيل اكثر، ما الذي يفترض حدوثه لاحقاً. كانوا يرون الامور من وجهه نظرهم الشخصيه فقط. لقد كان (اوباما) ومن حوله من اتباع يؤمنون بطريقته، او من يطلق عليهم (الاوباميون)، ينظرون الي انفسهم علي انهم جيل جديد في السياسه والحياه الامريكيه، وبالتالي كانوا ينظرون الي الاحداث في مصر علي انها علامه علي مجيء عصر جديد».

ويضيف: «كانت تلك لحظه تاريخيه بالنسبه لـ(اوباما) نفسه، وليس بالنسبه للمصريين فقط، وظهر ذلك واضحاً من خلال ربطه بين ثوره ميدان التحرير السلميه والحركات التي قادها ابطاله مثل المهاتما غاندي ومارتن لوثر كينج. كانت تلك النبره الشخصيه والذاتيه في تعامل (اوباما) مع حاله مصر واضحه اكثر من اللازم في خطبه التاليه فيما بعد».

لم ينتبه الرئيس الامريكي ساعتها، في قمه غرقه في ذاته وتصوراته، الي جانب اخر اكثر واقعيه واثاره للقلق يجري علي الارض، يقول الكتاب الامريكي: «كانت صدمه حلفاء الولايات المتحده في المنطقه مفهومه ومتوقعه بعد تخلي واشنطن عن (مبارك)، وبالعباره التي صاغها احد مساعدي (اوباما)، كان لسان حالهم يقول: (ثلاثون عاماً من الصداقه تطيحون بها من النافذه في ثلاثه ايام؟ اي صداقه تلك؟). كان ذلك هو رد فعل حلفاء امريكا في الشرق الاوسط، خاصه بعد ان اتجهت الاحداث نحو حصول الاخوان علي اغلبيه في مقاعد البرلمان المصري الذي تم تشكيله بعد احداث يناير، وفاز محمد مرسي في انتخابات الرئاسه التي جرت في يونيو 2012».

ويواصل: «لقد كان الرئيس اوباما يدرك مبكراً احتمال وصول الاخوان الي حكم مصر بعد سقوط (مبارك)، الا ان ذلك الاحتمال لم يتسبب في اثاره قلقه. بل انه تلقي تطمينات من العديد من مستشاريه بان الاخوان اصبحوا اكثر اعتدالاً علي مر السنوات السابقه، ومع تصميمه علي انتهاج سياسه عدم التدخل في مصر، صار (اوباما) علي استعداد لان يمنح الاخوان فرصه للحكم، مع التعاون معهم وتقديم الدعم المادي والدبلوماسي لهم، علي امل ان تضعهم الطبيعه العمليه لمتطلبات الحكم علي الطريق الصحيح، الاهم، بان (اوباما) وادارته كانوا يحلمون بنجاح الاخوان في نقل كتالوج التجربه التركيه، وان يتحوّل اهتمامهم من ايديولوجيتهم الدينيه الي التركيز علي اصلاح احوال الحكم والاوضاع الاقتصاديه».

ويضيف: «وتاكيداً لذلك، ارسل (اوباما) مبعوثين امريكيين لعقد لقاءات مع الاخوان، واستضاف البيت الابيض وفداً من الجامعه في ابريل 2012، لمناقشه الاحوال السياسيه والاقتصاديه ومستقبل العلاقات المصريه - الامريكيه. ويقول احد المقربين من (اوباما) ممن حضروا هذه اللقاءات، ان كل الاخوان الذين التقوا بهم، كانوا يحملون شهادات الدراسات العليا من الجامعات الامريكيه، وكانوا يقولون كل الامور المطلوبه بشكل صحيح، كان من السهل الشعور بالتفاؤل من ناحيتهم، لكن.. من يدري؟».

ويواصل الكتاب: «ولا احد يمكنه ان ينكر ان هناك عده علامات علي اتجاه (اوباما) الي التعاطف مع الاخوان. لقد سارعت ادارته بعقد علاقه عمل وشراكه مع اخوان مصر، وكان الرئيس اوباما شخصياً، علي وجه التحديد، ينظر الي الاخوان علي انهم رهان يستحق المجازفه. وفي واقع الامر، كانت تلك «مقامره» كبري، لا يعرف احد كيف قرر الرئيس الامريكي ان يقوم بها. ان تلك الجماعه التي تعامل معها الرئيس الامريكي هي نفسها التي انبثقت منها جماعات متطرفه مثل الجهاد الاسلامي، وانشقت عنها فقط لخلافات داخليه تتعلق بسرعه ايقاع وتوقيت وطريقه اقامه دولة الخلافة وتطبيق الشريعه الاسلاميه بقوه السلاح في مصر، في الوقت الذي يميل فيه الاخوان عندما يتم افساح المجال لهم، كما جري بعد يناير 2011، الي استغلال الاساليب والقنوات البرلمانيه وغير البرلمانيه، لتحقيق الهدف نفسه، بطريقه اخري».

ويتابع الكتاب: «لم ينتبه (اوباما) الي ان الاخوان يملكون تاريخاً طويلاً يثبت فهمهم التام لاساليب عمل وسائل الاعلام الغربيه، ويعرفون كيفيه مخاطبتها بكلمات مطمئنه معسوله، في الوقت الذي يخاطبون فيه عامه الشعب بلهجه اخري اكثر تطرفاً، والواقع ان التناقض الصارخ ما بين اهداف الاخوان الفعليه، والرسائل التي يوجهونها الي الراي العام الغربي تصل احياناً الي درجه تثير الضحك والسخريه. كما حدث مثلاً عندما وقع الهجوم علي السفاره الامريكيه في القاهره علي يد متظاهرين غاضبين في 2012، وبدا ان الاخوان يحتفون بالهجوم باللغه العربيه علي المواقع الالكترونيه، في الوقت الذي حرصوا فيه علي ادانه الهجوم علي مواقعهم باللغه الانجليزيه، الي الحد الذي اضطر فيه اعضاء السفاره الامريكيه في القاهره الي تذكيرهم بان بعض الامريكان يجيدون القراءه باللغه العربيه!».

ويواصل: «مثل هذا النوع من التلاعب المتعمّد والمقصود بالمصادر الغربيه هو امر مالوف ومعتاد تماماً من الاخوان خلال تاريخهم. وعلي الرغم من ذلك، فعندما سعي اعضاء من الاخوان الي طمانه المسئولين الامريكان والصحفيين والاكاديميين في واشنطن بما يتعلق بـ«اعتدالهم» في الفتره ما بين 2011 و2012، اختار الرئيس اوباما ان يصدق كلامهم الصادر بالنسخه الانجليزيه، وليس لما كانوا يقولونه بالعربيه».

ويضيف الكتاب الامريكي: «وصل الاخوان الي مقاليد الحكم والسلطه في مصر لاول مره منذ 90 عاماً، هي عمر تاريخهم الطويل، وبمجرد وصولهم، تركوا الدعم العسكري يتدفّق الي (حماس) في غزه، وتحوّلت سيناء الي قاعده فوضويه لعناصر البدو الخارجه عن السيطره، وكذلك للميليشيات الاصوليه المسلحه التي اتخذت من شبه الجزيره قاعده تشن هجماتها منها كما تريد. في الوقت نفسه، راح (مرسي) يطمئن الاداره الامريكيه بانه لن يسعي ابداً لتمزيق معاهده السلام المصريه مع اسرائيل في القريب العاجل، ببساطه لانه لم يكن راغباً في الاستغناء عن الدعم الامريكي لحكومته الجديده في القاهره. علي الرغم من انه، علي الصعيد الداخلي، اظهر الاخوان سعيهم لاتخاذ اجراءات تدعم من سلطويتهم، في الوقت الذي اظهروا فيه انفسهم علي انهم غير قادرين علي اداره اقتصاد حديث».

ويواصل الكتاب: «كانت النتيجه انه في صيف 2013، تدفق ملايين المصريين للمره الثانيه الي الشوارع، احتجاجاً علي الفشل والعجز الذريع لـ(مرسي) وحكومته واخوانه، وللمره الثانيه ايضاً في اقل من ثلاثه اعوام، تدخّل الجيش المصري لانهاء حكم نظام لم يعد يتمتع بالشعبيه ولا بالشرعيه في نظر الناس، متولياً مهمه ترتيب عمليه انتقاليه منظمه للسلطه. ولم يكن (اوباما) واثقاً من الطريقه التي ينبغي عليه بها ان يتعامل مع هذا التطور الاخير».

ويواصل الكتاب الامريكي: «ظهر واضحاً ان الرئيس الامريكي كان حائراً في اتخاذ قراره، قرر (تعليق) المساعدات الامريكيه لمصر، لكن من دون ان يقطعها تماماً، وكذلك من دون ان يصف ما حدث من الاطاحه بـ(مرسي) بانه (انقلاب)، الا ان هذا الموقف ادي الي ان تنظر كل الاطراف في مصر الي (اوباما) بعين السخط. نظر انصار المدنيه في مصر، وكذلك الجيش، الي (اوباما) علي انه يدعم الاخوان، في الوقت الذي لم يكن فيه الاخوان مخلصين قط، لا لـ(اوباما) ولا لغيره. ربما كان من المحتم بالفعل ان ينتهي حكم (مبارك)، خاصه مع تاكل شعبيته وفقدانه للدعم من الجيش المصري، الا ان تفكير (اوباما) في تلك الاوقات الحساسه والحرجه في قلب العالم العربي، لم ينتبه الي ان المهم هو اهميه الحفاظ علي حلفاء امريكا ودعمهم، اياً كان وضعهم، في الوقت الذي لا بد ان يرفض فيه مسانده من يعلنون وقوفهم ضد المصالح الامريكيه، ويدعمون من يهددونها».

ويتابع: «لم يفهم (اوباما) ان مصر تمتلك خبره ضئيله بالديمقراطيه، وفي كل الاحوال، واياً كانت النتيجه، لم يكن نشطاء (فيس بوك) لينجحوا في اداره حكم البلاد تحت اي ظرف. في غياب (مبارك)، لم يكن هناك سوي قوتين تملكان الحجم والتنظيم والثقل والقوه العدديه لتولي السلطه: الجيش او الاخوان. لقد اظهر الجيش، علي امتداد عقود طويله، انه قد لا يكون (الحليف المثالي) الذي تتمناه الولايات المتحده، الا انه علي الاقل قادر علي التعاون معها في مجالات مكافحه الارهاب، والحفاظ علي السلام مع اسرائيل وفي منطقة الشرق الاوسط، اضافه الي امكانيه حفاظه علي نوع من التعدديه السياسيه الي حد ما في مصر. اما الاخوان، فقد ظهر واضحاً رفضهم ذلك كله، وعلي الرغم من ذلك، فبمجرد ان اندلعت احداث (الربيع العربي) في مصر، سارع (اوباما) لدعم الاطاحه بحليف عتيد للولايات المتحده في ايام معدوده، والاسوا انه فعل ذلك دون تخطيط لما يمكن ان يحدث لاحقاً، ودون تصور لما يمكن ان ياتي فيما بعد».

ويتابع: «لم يكن اوباما يملك سوي افتراضات مبهمه بان القوي الديمقراطيه الليبراليه سوف تخرج بشكل ما منتصره، وفيما بعد، تخيل ان الاخوان سوف يتحولون فجاه الي شريك فاعل للولايات المتحده، وبالطبع، وكما تبين فيما بعد، لم تكن اي من هذه التصورات صحيحه، هناك بالفعل انصار حقيقيون للديمقراطيه والليبراليه في مصر، الا انهم يعانون من الضعف السياسي، وربما كان من الاجدي توجيه الدعم الامريكي لهم في هذه الفتره الحرجه بدلاً من الاخوان».

ويضيف: «ربما ادرك اوباما الان، او ربما حتي لم يدرك بعد، ان الخيار الافضل المتاح للولايات المتحده حالياً، وحتي للقوي الديمقراطيه الناشئه في مصر، هو ان يكون علي راسها حكومه «متسامحه» الي حد ما، تحظي بدعم وتاييد الجيش، لا تكسر تحالفها مع واشنطن، وتتولي مهمه دفع خطوات الاصلاح السياسي تدريجياً نحو الامام، بدلاً من ان تقوم بذلك بشكل فوضوي، يصل في نهايه الامر الي وضع كارثي لم يكن يحسب حسابه احد».

ويواصل الكتاب: «لكن، لا احد يمكنه ان ينكر ان سياسه اوباما في التعامل مع حاله مصر، لا تنفصل عن اسلوب تفكيره في السياسه الخارجيه بشكل عام، فمنذ ان تولي اوباما رئاسه امريكا، بدا واضحاً انه يخصص ادني قدر من طاقته العقليه والذهنيه لما يتعلق بالشئون الخارجيه، علي العكس تماماً من تركيزه المقابل علي الاوضاع الداخليه في الولايات المتحده، الا ان هذا لا يعني انه يمتلك افكاراً راسخه لا يمكن تغييرها بسهوله حول ما يحدث في العالم».

ويواصل: «ان الشئون الخارجيه، وكل ما يجري في العالم من حول امريكا، مهمه فقط بالنسبه لاوباما من ناحيه تاثيرها علي ما يحدث «داخل» امريكا، وهو يجمع من حوله فريقاً من المستشارين يؤكدون له وجهه نظره، القائمه علي ان مهمته الاساسيه هي تامين شرعيته علي المستوي الداخلي، ويخشون دائماً من ان يؤدي اي تحرك من اوباما علي المستوي الخارجي، خاصه التورط فيما يحدث خارج الحدود، الي تقليص هذه الشرعيه الداخليه، وهو تفكير يحمل درجه من المنطق الي حد ما، فلم يقل احد ابداً ان السياسه الخارجيه لاي دوله لا تؤثر علي اتجاهات الراي العام فيها، الا ان المشكله في حاله اوباما، ان سياسته الخاصه تؤثر علي المسار الذي تتخذه سياسه الولايات المتحده بشكل عام، تلك السياسه الكبري التي بدات من قبله بكثير، ولن تنتهي سريعاً من بعده».

ويواصل: «كانت نتيجه تفكير اوباما ان شاهد العالم لاول مره امريكا وهي تسحب مواردها الاقتصاديه من خانه الامن والدفاع لصالح علاج مشاكل وازمات داخليه في الاقتصاد، كما ابتعد اوباما تماماً عن كل المعارك الحزبيه التي يطالبه فيها منافسوه بالاهتمام بشئون الامن القومي، وما يمكن ان يهدد امن امريكا، حتي لا تتاثر سياسته الداخليه، وظهر ذلك واضحاً في اصراره علي ان تتجنب امريكا اي تدخل عسكري خارج حدودها، او اي تدخل خارجي عموماً يمكن ان يكلفها الكثير من الناحيه الاقتصاديه، والواقع ان اوباما، كما ظهر واضحاً من عشرات الامثله خلال فتره ولايته، لا يمكنه التوفيق بين هذه المطالب المتعارضه، من دون ان يقع في فخ الظهور بمظهر الضعفاء، هو باختصار لا يريد ان يؤدي اي تدخل منه فيما يحدث في العالم، او اي نقاش محتدم حول ازمات الامن القومي التي تهدد امريكا في عهده، الي تبديد الوقت والمال والجهد اللازمه لتنفيذ اجندته الاصلاحيه الداخليه الطموحه، بالتالي هو يسعي لسحب امريكا من الساحه الدوليه قدر استطاعته، في الوقت الذي يسعي فيه لتفادي الانتقادات الحاده الموجهه اليه من قبل الديمقراطيين بسبب ذلك».

ويواصل: «ومن وجهه نظر الرئيس الامريكي، فان الراي العام الداخلي في بلاده يدعم توجهه في السياسه الخارجيه بشكل لا يقبل الجدل، وهو يؤمن تماماً ان غالبيه الامريكيين يساندونه في ضروره ان تتخذ بلادهم موقفاً اكثر مهادنه وتواضعاً، وان تميل لاتخاذ موقف تصالحي مع القوي الدوليه الاخري في العالم من حولها، ولم يتردد اوباما في ان يوضح اكثر من مره ان علي امريكا ان تكون اكثر «تكيفاً» وتقبلاً لوجهه نظر منافسيها او حتي اعدائها المحتملين عبر الحدود. موضحاً ان واشنطن لا بد ان تاخذ مصالح ورغبات غيرها في الاعتبار، هذا هو الاسلوب الذي يؤدي من وجهه نظره الي امكانيه تحويل الاعداء الي اصدقاء، او، علي اسوا تقدير، الي «غير» اعداء».

ويتابع: «هو في اعماقه لا يعتقد ان الصراع جزء من واقع السياسات الدوليه، وهو بالفعل يؤمن تماماً ان التعاون الدولي الصادق والحقيقي امر ممكن، لو استطاعت الاطراف المتصارعه ان تستمع لبعضها وتتواءم مع مصالح بعضها البعض، كما انه يمتلك «وصفه» خاصه لتحقيق ذلك التعاون الدولي المنشود، وهو، علي العكس من الاسلوب الامريكي التقليدي والمعتاد الذي يقوم علي الترويج الصريح لنشر الديمقراطيه في الدول الاخري، او الادوات والاليات الاقتصاديه المشتركه بين امريكا والدول الاخري، وانما يقوم علي التوافق المتبادل للمصالح علي الطريقه الامريكيه، فمثلاً، حتي في حالات العلاقات العدائيه مع دوله اخري، فان من الممكن لامريكا ان تسعي لمد جسور الحوار، وان تظهر بادره او اشاره علي امكانيه وجود توافق او استعدادها لان تكيف نفسها علي واقع ما، بشرط ان يقابل ذلك توافق، او موافقه مماثله للمصالح الامريكيه من الجانب الاخر، وهو ما اتبعه اوباما في ملفات عديده علي راسها مكافحه الارهاب والحد من انتشار الاسلحه والتغير المناخي، وهو يتوقع ان تكون النتيجه النهائيه لتلك السياسه هي زياده التوافق العالمي، والحد من الصراعات فيه، تحت القياده الامريكيه في ثوبها الجديد».

ويواصل الكتاب: «هذا التفكير يسير يداً بيد، مع وجهه نظر اوباما بانه من مصلحه امريكا من الناحيه الاستراتيجيه ان تنسحب من التورط الخارجي في الدول الاخري، ليس فقط لان الدائره المقربه من حوله تريد تحويل اهتمام السياسه الخارجية الأمريكية من شئون الدفاع والامن القومي والاولويات العسكريه الخارجيه الي الشئون الداخليه، ولكن لانه هو نفسه يرغب في رؤيه هذا التحول، وسعي بالفعل للحد من الميزانيه والقوه العسكريه الامريكيه، وادوات تدخلها الخارجي خلال فتره وجوده في الحكم، كان يستهدف بتحركاته الحد من النفقات، والتقليل من التزامات وتعهدات امريكا الخارجيه، وتجنب مزيد من التدخل العسكري الامريكي المباشر، لان هذا كله سوف يؤدي لتحرير جزء من الموارد الداخليه وطاقات البلاد لتوجيهها نحو انعاش الاقتصاد الداخلي واتمام عمليات «بناء الدوله» من الداخل، كما يحلو له ان يسميها».

ويواصل: «وكما سيكون من السطحيه تلخيص كل السياسه الخارجيه التي اتبعها الرئيس الامريكي السابق جورج بوش الابن في انها قائمه علي مجرد «تغيير الانظمه» الحاكمه في دول بعينها، فانه سيكون من الخطا ايضاً تبسيط سياسه اوباما وتحركاته الاستراتيجيه الحاليه. هو لا يعتمد فقط علي فكره التوافق والتكيف مع مصالح الغير، والانسحاب التدريجي من الدول الاخري، لكنه يعتمد ايضاً سياسه «الاحتواء»، كما يفعل مثلاً في حاله كوريا الشماليه، وبدرجه اقل، مع ايران، وحتي مع الصين، يستخدم اوباما سياسه الاحتواء بدرجه ما، وعلي ما يبدو، فان فكره «تغيير النظام الحاكم» هي اخر حل يسعي اوباما للجوء اليه، كما فعل مثلاً في حاله الاطاحه بنظام معمر القذافي في ليبيا عام 2011». ويضيف: «اما مع روسيا، فان اوباما لا يعتمد الا سياسه واحده، هي سياسه «التفاوض»، او الضغط لتقديم مكسب معين في مقابل تنازل ما، وتظل احدي الادوات الاخري التي تعتمد عليها اداره اوباما في سياستها الخارجيه، هي سياسه «عدم التدخل» فيما يحدث، كما يفعل مثلاً عندما يتعلق الامر باجزاء ومناطق ودول في افريقيا تشهد اضطرابات وصراعات متعدده، وبشكل عام، فان اوباما، مقارنه بسلفه جورج بوش الابن، يركز في استراتيجيته الكبري علي التوافق الدولي وسحب نفسه من التورط في الازمات الدوليه، الا ان السؤال الحقيقي هنا هو: هل كان ذلك مجدياً؟ هل اثبتت هذه السياسه الخارجيه نجاحها؟ ان بعض المحللين يرددون دائماً ان المشكله في عدم جدوي سياسته الخارجيه هي عدم وجود نتيجه مباشره من القرارات التي يتخذها فيها، وتاثيراتها وفاعليتها علي المستوي الداخلي، اي ان تحركاته الخارجيه لا تحقق نتائج داخليه مباشره، ويواصل هؤلاء تحليلهم بان «طريقه اوباما» كانت واقعيه وممتازه فيما يتعلق برؤيته لحدود النفوذ والقوه الامريكيه علي ما يحدث في الخارج، لكنها لم تحقق التاثير المنشود علي الناخبين داخلياً، هؤلاء الناخبون الذين يفضلون دائماً رؤيه الرئيس الامريكي يتصرف علي طريقه ابطال أفلام الغرب الأمريكيه العدوانيه والمقتحمه، الا ان الواقع، انه لعده سنوات من حكم اوباما، خاصه في فتره رئاسته الاولي، كان العكس هو الصحيح، كانت سياسه اوباما الخارجيه، خاصه تلك القائمه علي سحب الوجود الامريكي من الخارج، تلقي قبولاً واسعاً من قطاعات عريضه من المجتمع الامريكي، الامر الذي اتاح له الفوز بفتره رئاسه ثانيه، اضافه الي تحقيق عده انتصارات علي المستوي الداخلي، لكن علي الصعيد الخارجي، وعلي المستوي العالمي، لم تحقق سياسه اوباما نتائجها كما كان «يروج» لها، فلو كان الحد من الوجود الامريكي خارجياً، والتوافق واستيعاب مصالح الاخرين، اموراً تستهدف دعم وتقويه موقف امريكا في الخارج، وتشجيع «الاعداء المحتملين» علي اخذ مصالح الولايات المتحده في اعتبارهم بالمقابل، فان الانصاف يقتضي القول ان هذه السياسه فشلت في تحقيق هذه الاهداف».

ويواصل الكتاب: «لقد ادت سياسه اوباما الخارجيه، ممتزجه باسلوبه وطريقته الخاصه في تقديم نفسه كقائد للساحه السياسيه الدوليه، الي السماح بتنامي وظهور عده تداعيات، وتهديدات دوليه، تحمل في قلبها احتمالات اكثر كارثيه لما يمكن ان يحدث فيما بعد علي المدي الطويل لسنوات طويله، لم تكن هذه التهديدات قد اتضحت بعد بالشكل الكافي لجذب اهتمام وانتباه الجمهور العام في قلب الولايات المتحده، صحيح ان اوباما، في فتره رئاسته الاولي، نجح بدرجه ما في الحد من تاثير الصراعات المعقده في افغانستان والعراق وليبيا وسوريا علي اجندته واهدافه الداخليه، الا ان ذلك لا يعني ان الامر قد استمر علي هذا النحو، وان كان اوباما في فتره رئاسته الاولي، قد نجح من خلال المزج بين ملاحقته لتنظيم القاعده، وتجنبه لمزيد من التورط الامريكي في الخارج، قد سار علي هوي غالبيه الناخبين والراي العام الامريكي المرهق بسبب الانهيار الاقتصادي العام، وحربي العراق وافغانستان، بل ويمكن القول ان سياسه اوباما في فترته الرئاسيه الاولي وضعت الجمهوريين في موقف حرج، جعلت البعض يري ان اوباما قبل اعاده انتخابه في 2012، قد حقق ما لم يحققه اي رئيس امريكي منذ عام 1964، وهو ان جعل السياسه الخارجيه ورقه رابحه في يد الديمقراطيين، لكن بعيداً عن المكاسب الحزبيه، ماذا كان الثمن الذي دفعته امريكا نفسها بسبب الطريقه التي ادار بها اوباما سياستها الخارجيه فيما بعد؟ في الشرق الاوسط، ظهر واضحاً ان حلفاء امريكا التقليديين مثل السعوديه ودول الخليج وحتي اسرائيل، غير راضين لاسباب مختلفه عن سياسات اوباما التي يتبعها منذ عام 2011، فيما يتعلق بمصر وسوريا وايران علي وجه التحديد، كانت قرارات اوباما بالضغط علي «مبارك» للتنحي عن الرئاسه، والسعي لتخفيف التوتر مع طهران حول الاتفاق النووي، اضافه الي تخليه عن دعم وتسليح المعارضه السوريه، كلها امور دفعت حلفاء امريكا للتساؤل علناً عما اذا كانت واشنطن تنوي الدفاع عن حلفائها في هذا الجزء من العالم، ولم يعد احد يعرف ما اذا كان الامريكان قادمين، ام ذاهبين».

ويضيف: «ربما كان اوباما يعرف كيف يقول لحلفائه الكلمات التي يريدون سماعها، الا ان تصرفاته في الواقع كانت تقول العكس، وصار هناك احساس جارف لدي غير الامريكيين بان الولايات المتحده تنسحب من الدور التقليدي الذي طالما لعبته من قبل، وهكذا، كان احد الاثار والتداعيات المباشره لسياسات اوباما الخارجيه، هو ان صار معظم حلفائه ينقلون خياراتهم ورهاناتهم للبدائل الاخري المتاحه علي ساحه القياده الدوليه، وظهر ذلك واضحاً في صفقات التسليح التي عقدها حلفاء امريكا التقليديون مع دول اخري، صارت تحتل مكاناً اكثر اهميه منها علي الخريطه».

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل