المحتوى الرئيسى

الأسرى الفلسطينيون.. دلالات الإضرابات والانتصارات

06/12 21:30

هنيئا للحركه الفلسطينيه الاسيره انتصارها في معركه الاراده في مواجهه السجان الصهيوني، وهنيئا للشعب الفلسطيني الذي انجب هؤلاء الابطال الذين يمثلونه خير تمثيل، فهكذا تتحقق الانتصارات التراكميه علي الاحتلال، عبر الاراده والصبر والتضحيات، وهكذا يعلمنا الشعب الفلسطيني ان المعارك مع الاحتلال تحتاج الي ارادات فولاذيه والي اجماع سياسي نضالي حقيقي، وان الانتصار علي العدو ممكن اذا ما اجتمعت الاراده والقياده والوحده الوطنيه والخطه والاهداف، فالعدو لا يعرف عمليا سوي هذه اللغه.

لقد ارادها الاسري الفلسطينيون معركه امعاء مفتوحه حتي الموت او تحقيق المطالب، فانتصروا في معركه الاراده ورضخت اداره سجون ومعتقلات الاحتلال واستجابت لمعظم مطالبهم، غير ان المعركه لم تنته، فطالما هم في المعتقلات، فان المعركه ستبقي مفتوحه، فليس من حل جذري لقضيه الاسري سوي التحرير، والتحرير وحده هو الذي يغلق هذا الملف الاستراتيجي، الذي لن تكون هناك اي تسويه، كما لن تهدا الامور والاوضاع، ان لم يتم حله حلا جذريا، بل انه في هذا الملف تكمن عوامل تفجير الانتفاضه الثالثه، مما عجل في استجابه قياده العدو التي تحسبت وما تزال من احتماليه اندلاع انتفاضه فلسطينيه تشعل الاوضاع كلها وتعود بها الي عهد الانتفاضات والمواجهات من جديد، ففي حسابات المنظومه الامنيه السياسيه الصهيونيه ان "كل اسير فلسطيني مضرب عن الطعام عباره عن قنبله موقوته من شانها ان تشعل الاوضاع كلها".

لقد عكست ردود فعل بعض محافل الاحتلال علي اتفاق انهاء الاضراب، حقيقه الموقف في صراع الارادات بين الاسري والسجان، فنقلت صحيفه هارتس 14/5/2012علي لسان المخابرات الصهيونيه "ان الانجاز الحقيقي لهم كان –مجرد تفكيك القنبله المتكتكه التي هي نحو 1.500 سجين مضرب عن الطعام", واكدت ان المنتصرين الاساسيين في الاتفاق "هم السجناء انفسهم وزعماؤهم في السجن" مشيره الي ان "وقف سياسه العزل تشكل انجازا ليس فقط للسجناء بل وايضا لزعمائهم، بمن فيهم مروان البرغوثي الذي كان مشاركا في حل الازمه".

ومن جهته انتقد رئيس قائمه الليكود في الكنيست "داني دانون" الصفقه التي وقعها جهاز الامن العام الاسرائيلي (شاباك) مع ممثلي الاسري المضربين عن الطعام في السجون الاسرائيليه، ووصف الاتفاق بالخطا الفادح، وقال "ان الاتفاق الذي انهي اضراب الاسري الامنيين عن الطعام كان بمثابه المكافاه للارهاب وهو خطا سندفع ثمنه غاليا"، موضحا ان "توقيع الاسري علي بند عدم ممارسه العمل العسكري من داخل السجون لا يساوي الورق الذي وقعه عليه، فهؤلاء الاسري اجبروا دوله اسرائيل علي التراجع من خلال اضرابهم عن الطعام"، كما اعرب عضو الكنيست عن الاتحاد الوطني "مخائيل بن اري" عن رفضه للصفقه قائلا "ان هذا اليوم هو يوم اسود علي اسرائيل التي خضعت امام الارهاب".

ولم يكن هذا الانتصار الذي حققه الاسري الفلسطينيون في اضرابهم الاسطوري عن الطعام وحيدا،  فقد جاء تتويجا لسلسله اضرابات ملحميه متصله مفتوحه عن الطعام خاضها الاسري عبر تاريخ مسيره الاعتقال والنضال الفلسطيني المتواصل هناك في باستيلات الاعتقال الصهيونيه، وقد اطلق عليها الاسري "اضرابات الملح والماء والجوع والصبر والتحدي" تعبيرا عن حده وعمق ودلالات المواجهه القائمه ما بين الاسري بامعائهم الخاويه، وما بين السجان الصهيوني المدجج بكل ادوات القمع والتنكيل، فهناك في مسيرتهم الطويله اكثر من ثلاثه وعشرين اضرابا مفتوحا عن الطعام خاضها الاسري الفلسطينيون في سجون ومعتقلات الاحتلال منذ ان وقعت الضفه والقطاع في اسر الاحتلال الصهيوني عام 1967، يضاف اليها "مئات الاضرابات الامتناعيه والعصيانيه واشكال الاحتجاج الانساني المختلفه الاخري"، وقد حصدت تلك الاضرابات عن الطعام انتصارات مرحليه في سياق المعركه المفتوحه مع ادارات وسلطات معتقلات الاحتلال من اجل الكرامه والحريه والهويه الوطنيه.

وفي جوهر هذه الاضرابات الملحميه، يبعث الاسري تباعا برسائل موجهه للداخل والخارج علي السواء، فهم يعلنون ان المعركه التي يخوضونها انما هي صراع ارادات ومعركه كسر عظم، فاما الشهاده واما النصر وتحقيق المطالب المتعلقه بالحصول علي حقوقهم المشروعه في تحسين احوالهم الاعتقاليه، حتي يحين يوم تحريرهم، فها هو عميد الاسري عبد لله البرغوثي كان اعلنها "اما ان اذهب من القبر الي القبر او يتم انهاء عزلي والسماح بزياره عائلتي"، وقد بدا المجاهد البرغوثي اضرابه عن الطعام في 12/4/2012.

بل ويجمع الاسري الفلسطينيون هناك دائما بمنتهي الاصرار علي "نعم للجوع.. ولا .. الف لا للركوع"، ويعتبرونها معركه يخوضونها ضد سجانيهم الذين اوغلوا في اجراءات القمع والتنكيل والاقصاء والالغاء، وهي في الوقت ذاته صراع ارادات وبقاء، في سياق مسيره طويله مديده طولها بطول عمر الاحتلال، مسيره مدججه بالملاحم والحكايات البطوليه.

ويجمعون ايضا علي ان "سنوات الاسر الطويله لم ولن تكسر ارادتهم ولن تفت من عزائمهم، فبعد كل هذه السنوات الطوال يظل الاسري عنوانا للصمود والتحدي وتنتصر ارادتهم علي سجانيهم".

وقد وجه الاسري في ملحمتهم الاخيره رسائل متعدده المضامين والاتجاهات، منها للشعب الفلسطيني فحواها: ان المعركه مع الاحتلال مفتوحه، والمعركه في داخل المعتقلات مفتوحه ايضا، وانها معركه  ارادات وبقاء، وان الوحده الوطنيه الفلسطينيه ما بين كافه القوي والفصائل هي السلاح الاقوي في مواجهه الاحتلال، وان هذا الانقسام الفلسطيني الكارثي يجب ان ينتهي، وبدلا من الانشغال في ملهاته يجب العمل علي استنهاض الحاله الشعبيه المقاومه، ومن الرسائل الموجهه للراي العام العالمي، ان الاحتلال الصهيوني يبقي احتلالا وليس دوله متنوره طبيعيه في المنطقه، وان علي العالم والامم المتحده التحرك لانصاف قضيه فلسطين وانهاء ملف الاف الاسري الفلسطينيين المرتهن للاجندات والمعايير الصهيونيه.

الي ذلك، وفي البعد الوطني الفلسطيني، فعلي قدر الاهميه والخطوره التي نظرت وما تزال فيها الدوله الصهيونيه للاسري الفلسطينيين، وعلي قدر الاهميه الاستراتيجيه التي توليها لهم، بوصفهم  القياده الطليعيه للشعب الفلسطيني، وتستهدفتهم معنويا وسيكولوجيا بغيه تحطيم صورتهم وارادتهم ورمزيتهم للشعب والقضيه، فتبنت في ذلك تلك السلطات علي مدي عقود الاحتلال الماضيه سياسه متشدده قمعيه اقصائيه سافره ازاءهم، في الوقت الذي تبنت فيه معايير متشدده جدا في مساومات تبادل الاسري والتحرير، علي قدر ما احتلت قضيه الاف الاسري الفلسطينيين في الوعي الجمعي الفلسطيني قمه الاجنده السياسيه الوطنيه الفلسطينيه علي الدوام، باعتبارهم نخبه وطليعه النضال الفلسطيني ضد الاحتلال.

ولعل سياسات الاعتقالات الجماعيه التي نفذتها سلطات الاحتلال خلال الانتفاضة الفلسطينية الكبري الاولي، وزج مئات الاف الشباب والاطفال والنساء والشيوخ في معسكرات الاعتقال الصهيونيه، كان لها الدور الكبير في بلوره الوعي الوطني الجمعي الفلسطيني تجاه الاسري بوصفهم الطليعه المجاهده المقاتله المضحيه من اجل تطلعات واهداف الشعب الفلسطيني التحرريه، ويجمع الفلسطينيون علي امتداد الوطن المحتل علي ان قضيه اسراهم هي الاهم وهي التي تحظي بالاولويه العليا، وملفها هو الاخطر، فهم ليسوا مجرد ارقام يحملونها في المعتقلات، وكذلك ليسوا اشخاصا عاديين، وانما هم جزء عضوي حيوي من الشعب الفلسطيني، وهم طليعته النضاليه الجهاديه، واكثر من ذلك فهم في الحسابات الفلسطينيه صناع النضال والتاريخ والتحرير والاستقلال العتيد!

ويوثق عيسي قراقع في هذا الصدد خلاصه التحامه بملف الاسري قائلا "لقد ادرك قاده اسرائيل الانجازات التي حققها الاسري بتضحياتهم وعذاباتهم وملاحمهم خلال سنوات طويله، ولذلك فالحرب من وجهه نظرهم هي حرب علي الوطنيه الفلسطينيه، وعلي الوعي الوطني الفلسطيني الذي استفز الصحفي الاسرائيلي"ايال اراد" عندما وجد ان 70% من الفلسطينيين يعتقدون انهم الاعلون، وانهم المنتصرون، في حين انه كان يرغب ان يكونوا الخائفين والمهزومين"، مما يفسر لنا في الوقت ذاته ما كانت مصادر اسرائيليه عديده قد اشارت اليه قائله "بدون مبالغه يمكن القول بان الفئات الهامه من بين الطبقات الفاعله في الانتفاضات الفلسطينيه او علي الاقل الجزء الاكبر منها قد مرت عبر معسكر "انصار 3" في النقب الذي تحول الي فرن صهر وطني فلسطيني يصهر ويبلور الكوادر الحيه للانتفاضه".

وكما كان جنرالات الاحتلال وفي مقدمتهم اسحق رابين يقولون خلال الانتفاضه الاولي "انهم يدخلون اطفالا بتهمه القاء الحجاره، ويتخرجون كبارا جاهزين لحمل الرشاشات والقاء القنابل".

ومن الدلالات والملاحم والحكايات الي الاستخلاصات الرئيسيه المترتبه علي مسيره الاضرابات الملحميه المتصله، وردا ربما جزئيا علي جمله من التساؤلات المتعلقه بقضيتهم واستمرار اعتقالهم، وحول تحريرهم المعلق والمؤجل، ولماذا يبقي هؤلاء الاسري في معتقلات الاحتلال، ولماذا تعجز القيادات والفصائل الفلسطينيه عن تحريرهم بالكامل حتي الان، ففي القناعات الفلسطينيه  المتبلوره الراسخه علي امتداد الفصائل والجماهير الفلسطينيه فانه لن يتم تحرير الاف الاسري الا بالقوه فقط!

ناهيكم عن ان هناك الكثير ايضا من الاعترافات والشهادات الاسرائيليه علي مختلف المستويات التي تقول صراحه ان "اسرائيل لا تفهم سوي لغه القوه"، وكما يوثق الكاتب الاسرائيلي جاكي خوجي-في معاريف- قائلا "ان التجربه علمت اسرائيل انه بخلاف مفهومها عن نفسها، فانها لا تفهم سوي لغه القوه، وهذه الحقيقه ثبتت من قبل الفلسطينيين".

فبالقوه فقط يمكن تحرير الالاف من الاسري!

وبالقوه وحدها يمكن تحرير شعب كامل يرزح تحت الاعتقال في معسكرات الاعتقال الجماعي الصهيونيه!

الي ذلك، فان التوجه الفلسطيني لعرض قضيه الاسري علي الامم المتحده وتدويلها، خطوه مهمه ولا شك وان كانت متاخره، ولكن تحتاج قضيه الاسري قبل ذلك الي توافق كافه القوي السياسيه الفلسطينيه، حتي لا يكون لحاله الانقسام  الفلسطيني تاثيرات سلبيه اجهاضيه علي مجريات تدويل القضيه، كما تحتاج الي استراتيجيه ورؤيه واضحه للتعامل مع القضيه دوليا، بحيث لا يتوقف الجهد الفلسطيني عند عرض القضيه علي الجهات الدوليه ذات الشان، بل يجب ان تكون هناك قدره فلسطينيه علي مواصله النضال دوليا من اجل قضيه الاسري، ما يحتاج ايضا الي اليات عمل فلسطينيه عربيه دوليه متناسقه، وهناك ايضا، علي مستوي جمعيات ولجان الاسري وحقوق الانسان، يجمعون علي ضروره تدويل القضيه، ما يحتاج الي تجنيد واسناد كافه جمعيات ومنظمات حقوق الانسان علي المستوي الاممي.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل