المحتوى الرئيسى

مهرجان السينما الفلسطينية في باريس... عودة إلى السؤال

06/12 12:32

26 فيلماً قصيراً وطويلاً روائياً وتسجيلياً عُرضت في مهرجان السينما الفلسطينية من 31 ايار الي 7 من الشهر الحالي، وهو المهرجان الاول في باريس واحدي ضواحيها كثافه وحجماً، للسينما الفلسطينيه، بادرت اليه جمعيه مهرجان السينما الفلسطينيه في باريس وهي ايضا جمعيه حديثه العهد مهمتها تنظيم سنوي لهذا النشاط. اللافت ان هذا المهرجان تنظمه ومنذ سنوات عواصم اوروبيه عده، ولم تنضم اليه باريس الا هذا العام فقط.

قدم المهرجان افلاماً فلسطينيه حديثه انجزت في العشر سنوات الاخيره، حيث ان اقدم فيلم قُدم هو فيلم هاني أبو أسعد «الجنه الان» (2005). اما الافلام الـ25 التي انجزت بين 2008 و2015، الي جانب هاني ابو اسعد وفيلمه الروائي الاخير «عمر» اتت بتواقيع مخرجين فلسطينيين شباب يقيمون بين الداخل الفلسطيني واوروبا والعالم العربي.

افلام مستقله بذاتها ولا يستطيع الناقد السينمائي الذي يهوي الترتيب والتصنيف ان يضعها في العلبه او الخزانه. انها سينما حره عفويه شبابيه حاره. افلام وان قدمت اليومي والعادي لحياه الفلسطيني لا بد ان تعيدنا نحن المشاهدين الي اسئله من نوع «ماذا اعطت السياسات وشعاراتها منذ الخمسينيات حتي اليوم لفلسطينيي الداخل؟ ماذا قدمت للجيل الثاني والثالث ان في الداخل او في الشتات؟». لكن الاجمل في تلك الافلام ان الشعارات تلك فشلت في ابتلاع جيل اخر من الفلسطينيين. سوي تلك الجمله التي اطلقتها منعت من الوصول الي القدس لتصلي في الجامع التي عبّرت فيها ان «العرب باعوا القضيه»، لا نجد في فيلم خالد جرار التسجيلي الطويل «المتسللون» اي كلمه تذكرنا باي شعار مستهلك. هؤلاء الذين يحاولون تسلق الجدار سرّا بعيدا عن اعين جنود الاحتلال ورصاصهم يتحدثون طويلا عن الانتباه الي الا «يعلق البنطلون» وهم يتسلقون، الي امور صغيره تغدو في لحظه ما من حياتهم اكثر حسماً من اي امر اخر. انها صوره حيه عن المعاناه الفلسطينيه اليوميه. كيف ينتقل العامل الفلسطيني من القري والمخيمات الي ما وراء الجدار الاسرائيلي للعمل ولكسب قوته. الاحتلال موجود بالفعل ولا شعارات بات ممكنا ان تصفه. تكفي عين الكاميرا، يكفي ذلك التحايل اليومي علي الواقع علي صعوبه العيش، علي وجود الجندي الاسرائيلي الذي يمتهن كرامه شاب فقط لانه اراد ان يجد عملا... هكذا عين سينمائيه قويه بصفائها من دون ادعاء. افلام رغم تفاصيل الاحتلال، لم تخل معظم الافلام من روح مرحه ورغبه في ابتذال واقع يقارب السورياليه.

افلام قصيره مثل فيلم Condom Lead للاخوين عرب وطرزان ناصر و»الهاربون الـ18» لعامر شوملي، و «الرصاصه الزهريه» لرمزي حزبون، و «لا مخرج» لمهند يعقوبي. افلام ذات لغه سينمائيه جديده ومختلفه متحرره من كليشهات بقيت لسنوات طاغيه في ما سمي بالسينما الملتزمه.

ليس من الصعب الاعتراف ان ميشال خليفي الذي يعد رائد السينما الفلسطينيه المستقله كان اول من حرر السينما الفلسطينيه من «التصنيف» وحاز فيلمه الروائي الطويل عرس الجليل (1987) علي اعتراف عالمي، كذلك فيلمه التسجيلي شبه الروائي « الذاكره الخصبه» (1980) كاول فيلم نسوي عربي في تاريخ السينما العربية. ثم افلام ايليا سليمان وهاني ابو اسعد. لا بد ان تلك الاعمال قد اثرت وعلي نحو ما في افلام الشباب الفلسطينيين الذين يقيمون بين الاراضي الفلسطينية والخارج ويعملون ضمن ظروف صعبه خاصه في ايجاد مصادر تمويل لافلامهم وفق ما قاله الاخوان طرزان وعرب ناصر بعد عرض فيلمهما في باريس.

ان الموضوع العميق الذي قد يجمع تلك الافلام الشبابيه هو تلك الرحله المكوكيه العميقه بين الماضي والحاضر الي ما لا نهايه. رحله يبدو مكانها في اللامكان حيث السينمائي يضع نفسه علي مسافه مما يجري. الا ان فيلم رائد انضوني Fix me بدا خارج السياق بمعناه الايجابي اذ كان المخرج في قلب الفيلم وفي عمق اسئلته. رائد المشارك في الانتفاضه الاولي والسجين والمهاجر والعائد والمخرج والفرد المختلف يبحث عبر الذاكره والمكان واصدقاء الطفوله والعائله عن هويته ايضا عبر لقاءات متكرره مع المعالج النفسي الذي يستمع اليه ويشاركه الحديث حول اختلاف الفرد والحزن الذي اصبح صفه ملازمه للفرد خارج الجماعه.

ذاكره الجيل السابق قد تكون احد هواجس السينمائيين الفلسطينيين الشباب. ذاكره الاب والام والاخت الكبيره. الذاكره المختلفه التي فشل من يحملها في ايصالها الي الاصغر خاصه ان هذا الاصغر يحمل ذاكره اخري ياخذ فيها العنف اشكالا اكثر حداثه واتساعاً من ذاكره التراب والارض والهجرات القسريه منذ نهايه منتصف القرن الماضي. ذاكره الجيل الثالث وربما الثاني المشتت هي ذاكره افتراضيه في عالم افتراضي يعيش فيه السينمائي الفلسطيني الشاب بين بلدين او ثلاثه، بين زمنين او ثلاثه وفي عوالم تتارجح بين الشرق والغرب بين الان والامس.

شباب يشكلون الجيل الثاني او حتي الجيل الثالث من اللاجئين الفلسطينيين في الشتات لمعوا في الخارج مثل ان ماري جاسر التي شاركت في فيلمين «لما شفتك» و «ملح هذا البحر» ومهدي فليفل الذي شارك ايضا في فيلمه التسجيلي « عالم ليس لنا». رغم ذلك هناك من بقي في الداخل وقرر ان يصنع سينما. الاخوان طرزان وعرب بقيا في رام الله وخرجا بفيلمين حازا علي تنويه وجائزه ـ كذلك مي عوده التي شاركت في المهرجان بفيلمها التسجيلي الطويل «يوميات» وسهي عراف مع فيلمها الروائي الاول «فيلا توما».

اما فيلم خالد جرار «المتسللون» والذي عرض ايضاً في بيروت العام الماضي، يحكي يوميات العمال الفلسطينيين الذي يتسلقون الجدار كي ينتقلوا الي القدس للعمل. يعملون ويعودون او هؤلاء الذين يريدون الذهاب الي المجلس الاقصي للصلاه. فيلم تسجيلي بداه خالد جرار منذ اكثر من اربع سنوات كعمل فني شخصي ومن دون تمويل. انجز القسم الاكبر من التصوير قبل ان يحصل علي تمويل. كان يصور الناس قرب الجدار ماذا يفعلون وكيف يتحايلون علي الواقع. لقطه مؤثره في الفيلم التسجيلي حين نري فجاه صبيا يدخل عبر فوهه صغيره من الجدار خبزا ليستلمه رجل من الجهه الاخري لبيعه. قال له ان الخبز الرمالاوي ما في منو والكل يطلبه في الجهه الاخري. التحايل علي الواقع الصعب عبر يوميات تملا زمن الناس وتلهيهم. انها حياه باكملها اسمها حياه تحت الاحتلال لكنها حياه مليئه بكل ما تتسم به هذه الكلمه. التصوير حقيقي وعفوي وغير تمثيلي. انه تصوير اللحظه بما فيها لحظه مرور دوريه عسكريه اسرائيليه واعتقال احد الشبان واخذه الي السجن. ثم مقابلات مع سائقي السيارات والباصات الصغيره التي تقل الناس الي امكنه لا يتواجد علي معابرها الجنود كي يتمكنوا من المرور عبر تسلق الجدار واحياناً لا ينجحون ويعودون مساء بعد دفع مبالغ كبيره. النقليّات ضمن شبكه تعمل علي جهتي الجدار.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل