المحتوى الرئيسى

مترجم: إغراء «الرجل القوي»: لماذا قد يكون السيسي أخطر مما تظنُّ واشنطن؟ - ساسة بوست

06/07 19:54

منذ شهر واحد، 2 مايو,2015

يبدو ان القاهره قد جنَّ جنونها. من هدم المنازل لاقامه منطقه العازله بين شبه جزيره سيناء وقطاع غزه، الي تجريم عضويه جماعة الإخوان المسلمين، وصولًا لاستخدام القوه الوحشيه ضد النشطاء الذين ينتهكون قانون التظاهر في البلاد، يبدو ان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد بني استراتيجيته للامن الداخلي علي الرصاص والمدرعات، وعلي قُضاته الذين هم طوع بنانه.

قد يجادل بعض السياسيين ان المشاكل الداخليه المصريه تخصها وحدها، وهذا لا يغيّر المصالح الاستراتيجيه الامريكيه. افراج اداره اوباما عن المساعدات العسكريه التي كان قد تم حظرها سابقًا والذي يتزامن مع اعلانها سجل حقوق الإنسان في مصر بانه «مثير للقلق» يبدو انه يتماشي مع تلك القراءه.

علي ايه حال، ليس صحيحًا ان السياسه الخارجيه يمكن ان تنظر بمعزل عن تلك الداخليه. في الواقع تصبح السياسات الداخليه والخارجيه في مصر اكثر تشابكًا يومًا بعد يوم؛ مما يثير المخاوف.

في سياسته للامن الداخلي، يفشل النظام في التمييز – او ربما يخلط بشكل متعمَّد – بين المتطرفين والمعارضين السياسيين السلميين، كما اعلن وزير الخارجيه المصري سامح شكري مؤخرًا: «الفرق بين جماعه الاخوان المسلمين وداعش ليس كبيرًا». ليس ثمه تصريح جديد هنا، لكن الجديد هو الترجمه السياسيه الخارجيه للاجراءات القاسيه التي يتخذها النظام لاستئصال افه الاسلاميين.

ابان فتره الصعود السياسي لجماعه الاخوان المسلمين بعد ثوره يناير عام 2011، حذّر معارضو الجماعه من «اخونه» الدوله. من افراد الامن الملتحين الي البنوك التي تصدر سندات تتفق مع مبادئ الماليه الاسلاميّه، راي المعارضون للجماعه مظاهر كهذه دلالاتٍ علي سيطره اسلاميه كاسحه. بعد الاطاحه بالاخوان المسلمين من السلطه عام 2013 واعلانها منظمه ارهابيه لاحقًا، دفعت الحكومه الجديده باتجاه «اجتثاث الاخونه»، الامر الذي امتدت اثاره للسياسه الخارجيه ايضًا.

في الايام الاولي بعد اعتقال مرسي، ادّت عقليه التطهير الي عزل كل المسؤولين الذين يُخشي ان يكونوا متعاطفين مع جماعه الاخوان المسلمين. وزاره الخارجيه التي لم تخترقها الجماعه ابان حكم مرسي القصير، لم تقم بنفس اجراءات الفحص الدقيق للموظفين التي اعتمدتها باقي الوزارات. لكن اعضاء السلك الدبلوماسي كان مازال يتعين عليهم اجتياز اختبارات الولاء والدفاع عن تجاوزات النظام بينما يقوم بقمع جماعه الاخوان المسلمين. تحقيقًا لهذه الغايه، سارع سفراء مصر الي اتخاذ مواقف بالغه العدائيه ضد الجماعه، كمقارنتها بالنازيه او وصف العمليات الامنيه ضد المتظاهرين بانها مطابقه للمعايير الامنيه المطبقه في الدول الغربيه.

عمليه اجتثاث الاخونه في السياسه الخارجية المصرية تتجاوز استخدام وزاره الخارجيه كمنبر لتشويه صوره الجماعه. يري نظام السيسي نفسه كراس الحربه في مواجهه امتداد اسلامي اوسع. كما في الداخل، يستخدم النظام المخاوف الحقيقه جدًا من التطرف الذي يعصف بالمنطقه كذريعه لضرب الاسلاميين بجميع اشكالهم. نجحت مصر في تصدير نموذجها هذا الي ليبيا، حيث دعمت القاهره وابو ظبي الجنرال المنشق خليفه حفتر الذي يشاركهم وجهه نظرهم في تعميم عقوبه الارهاب علي الجميع. حدود الدعم المصري لخليفه حفتر وعمليته المسمَّاه «الكرامه» غير معروفه، لكن من المعروف تمامًا ان مصر سهلت الغارات الجويه الاماراتيه داخل ليبيا في اغسطس 2014 لاستهداف فصائل اسلاميه. هذا التدخل، بالاضافه الي جهود القاهره لرفع حظر التسليح المعمول به حاليًا، زاد من الاستقطاب بين المعسكرين المتنافسين في ليبيا، ممّا يزيد من تعقيد جهود الوساطه التي تقودها الامم المتحده.

حتي الان، قاومت مصر اغراء ارسال قوات بريَّه الي ليبيا. الداعي الاقوي لهذا كان في سياق قطع داعش لرؤوس 21 رهينهً من الاقباط المصريين، في فبراير 2015، علي شواطئ مدينه سرت. ردّت مصر بشنّ غاراتٍ جويه علنيه هذه المره، والاسراع في اخراج عدد كبير من العمال المصريين من ليبيا. الخطر هو ان استفزازاتٍ مثل هذه، مع وجود رغبه مصريه في منع وجود نظام اسلامي مجاور لها، سوف تزيد من دعم مصر لاعداء الاسلاميين في الشرق وحلفائهم في مدينه الزنتان.

حتي دون هذا الدعم، فان سياسات القاهره في ليبيا والتي تتبع هدف اضعاف الاخوان المسلمين من خلال تشكيل حكومه ائتلافيه ليبيه ملتزمه بمكافحه حقيقه للارهاب، ثبت انها باهظه الثمن. رغبه نظام السيسي في تكوين هكذا تحالفات تدفع غير المتطرفين للتعاون مع المتطرفين لمقاومه عدو واحد مشترك.

التحوُّل الاكثر وضوحًا في العلاقات الخارجيه تحت حكم السيسي ربما يكون درجه اعتماد مصر علي دعم الخليج لتعويض التدهور المالي الداخلي. وفقًا لوزارة المالية المصرية، فان دول المملكه العربيه السعوديه والامارات العربيه المتحده والكويت قدموا لمصر 10.6 مليار دولار من المساعدات خلال العام المالي 2013-2014. 70% من هذا الرقم تقريبًا كانت مساعداتٍ عينيه او بترولًا، النسبه الباقيه كانت دعمًا ماليًا مباشرًا. علي اي حال فان الرقم الذي تعرضه وزاره الماليه يبدو انه اقل كثيرًا من المساعدات الحقيقه التي تقدمها دول الخليج لمصر. لانه لا يشمل مثلًا التزامات قمه شرم الشيخ الاخيره، ولا الودائع التي قدّمها مجلس التعاون الخليجي للبنوك المصريه دعمًا للسيوله فيها، ولا الاستثمار الاجبني المباشر الذي يهدف الي بعث الحياه في الاقتصاد المصري. في العديد من الحالات البارزه، تم توجيه الاستثمار الخليجي المباشر في مصر الي مصلحه مؤسسه الجيش تحديدًا لتعزيز موقف هذه المؤسسه داخل الدوله.

السياسيون المصريون يوضحون ان دعم الخليج ليس له مقابل معين يطلبونه. حتي لو كان هذا صحيحًا، فانه ليس غريبًا ان تعرض القاهره سياساتها الخارجيه في مزاد لمن يدفع اكثر. حظيت مصر سابقًا باعفاءات هائله من الديون بعد ان انضمت الي قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحده ابان حرب الخليج في الفتره 1990-1991. كما ان الـ 1.3 مليار التي تحصل عليها مصر سنويًا من الولايات المتحده تعتبر تعويضًا عن “الفوائد الاستراتيجيه” التي تقدمها مصر مثل السماح بالعبور العسكري البحري او الجوي من حدودها، علاوهً علي التزام القاهره بامن اسرائيل نتيجهً لاتفاقيه كامب ديفيد وكجزء من اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية التي وقعت عام 1979.

المثير للقلق في الامر هو ان تحول مصر الي الاعتماد علي المساعدات الخليجيه سوف يحوّل القاهره الي قوهٍ مساعده للملكيات الخليجيه المحافظه. مشاركه مصر في التحالف الذي تقوده السعوديه والذي استهدف الحوثيين في اليمن مؤخرًا، ليس الا نموذجًا بسيطًا لما قد تؤول اليه الاوضاع. ستحني مصر ظهرها لكفيلها ورعاتها وربما تفعل اكثر من ذلك، صار هذا واضحًا بعد تاكيد السيسي علي استعداد مصر لارسال قوات بريّه للقتال في اليمن. كما ان امكانيه استدعاء مصر لقمع انتفاضات محتمله في الخليج قد تم التاكيد عليها ضمنيًا علي هامش المناورات العسكريه المشتركه بين مصر والبحرين في ابريل 2015.

ربما تكون مصر تلعب الان بالنار. علي المستوي الاقليمي، فان حملات كتلك علي اليمن، قد تزيد من حجم ورطاتها بالوكاله كلما قرر هذا اصحاب الحرب، وهما ايران والسعوديه في هذه الحاله. علي المستوي الداخلي، فان الحمله اثارت احتمالات حدوث ردّ فعل شعبي معارض في بلد لم ينسَ تكلفه حربه بالوكاله في اليمن منذ اكثر من نصف قرن. في الواقع تُظهِر الاستطلاعات ان ثلثيْ المصريين سيعارضون تدخلًا بريًا في اليمن.

التكهنات بان الدعم المصري للحمله التي تقودها السعوديه كان سبيلًا للحصول علي المساعدات الماليه الخليجيه لمصر كانت مزعجهً لدرجه جعلت السيسي يتصدَّي لها بنفسه. محاطًا بقاده المجلس الأعلى للقوات المسلحة، رفض السيسي بانزعاج واضح هذه القراءه للاحداث، مشيرًا الي ان مشاركته جاءت في اطار التزام مصر بالامن العربي، وليس تسديدًا لفاتوره الدعم السعودي.

الطموح العسكري في مصر كان واضحًا ايضًا خلال القمه الاخيره لجامعه الدول العربيه، من خلال الدعوه لتشكيل قوه عسكريه عربيه مشتركه. ردّا علي الاقتراح الذي طرحه السيسي في قمه مارس 2015، وافقت جامعه الدول العربيه علي تشكيل قوهٍ للرد السريع من شانها ان تحمي السياده الوطنيه للدول الاعضاء، وان تتعامل مع التهديدات الامنيه بما في ذلك الجماعات الارهابيه. باعتبارها تملتك اكبر جيش في المنطقه، فمن المفترض ان تكون مصر اكبر المشاركين بالقوات في حال تشكلت هذه القوه، (وهو بطبيعه الحال مساله مفتوحه نظرًا لسجل الجامعه في قدرتها علي تحقيق مبادراتها).

مره اخري، هناك مصلحه داخليه هامه لمصر في مشروع القوه العسكريه المشتركه. يؤكد نظام السيسي ان الجيش هو المؤسسه الوحيده القادره علي توحيد وحمايه وتحديث مصر (وهي فرضيه لا تؤيدها بطبيعه الحال الاوضاع شديده التدهور لمصر). الان يبحث السيسي عن فرض اضافيه لاعطاء جيشه مزيدًا من القوه والهيبه والامان.

صناعه الاساطير هي واحده من المهارات الرئيسيه للعسكريه المصريه. وان يكون الجيش في طليعه قوهٍ عربيهٍ مشتركهٍ لتحقيق الاستقرار في المنطقه ليس الا حلقهً اخري من سلسله الاساطير. في كلمه له تحدث السيسي عن دافعه وراء تشكيل قوه دفاع عربيٍ مشترك، قائلًا: «كنَّا نتساءل كيف لبلادنا ان تاخذ الوضع الذي تستحق بين الدول القوميه»، ثم حدّق لفتره في الفراغ فوقه لاضفاء التاثير الدرامي، ثم اضاف السيسي العاطفي ان تحقق هذا سيكون من خلال «العمل، الصبر، البناء، والتضحيه، سينظر الناس حينها لهذا البلد هكذا».

نرشح لك

أهم أخبار صحافة

Comments

عاجل