المحتوى الرئيسى

أميرة أبو شهبة تكتب: هل تقبل مصر الحرب الأهلية والتقسيم؟ | ساسة بوست

06/07 17:56

منذ 27 دقيقه، 7 يونيو,2015

مصر كاي دوله تخوض صراعًا وجوديًّا يتملك بنيانها بسبب ازمتها السياسيه ومشاكلها الاقتصاديه والامنيه؛ ونظرًا لما يعتري العصر الحاضر من تطورات غيرت العالم باسره، وخلاله تخلفت مصر ومحيطها العربي عن ركب التقدم منذ عقود طويله؛ فهناك ضروره حتميه لتغيرها، وذلك في ظل بحور رمال متحركة وتفكك لدول مجاوره وكوارث محققه في عمقها الاستراتيجي بافريقيا ومحيطها العربي.

وخلال كل ذلك يطالعنا تساهل من البعض في تناول المخاطر بجديه تستحقها سواء علي الصعيد الخارجي او الداخلي، وعلي النقيض نجد البعض الاخر يهوّل لدرجه التبشير بتقسيم محقق لمصر كارض وتفكك كدوله او دخولنا في حرب أهلية شامله! وبين هؤلاء واولئك دعونا نتعرف علي مدي قابليه مصر للتقسيم والحروب الاهليه عبر تاريخها وكذلك جغرافيًّا واجتماعيًّا ومدي قابليتها كدوله لذلك.

– انطلاقًا من قول (جوستاف لوبون) ان الماضي هو تعاقب الاجيال الذي تتكون خلاله روح الامم من افكار ومشاعر وتقاليد واوهام، وان الامم التي رسخت روحها كثيرًا تاتي باشد الثورات وذلك لعجزها عن النشوء التدريجي فتضطر الي ملائمه تقلبات البيئه بعنف عندما تصبح هذه الملاءمه امرًا ضروريًّا.

فسنبحث قابليه مصر للتقسيم والعنف من الناحيه التاريخيه لاننا لا يمكننا قياس الواقع المصري دون العوده لجذور الروح المصريه تاريخيًا، ومعرفه تاثير الروح القوميه لتلك الدوله العتيده القديمه علي تفكيكها او تقسيمها او احتماليه نشوب حرب اهليه حقيقيه بها.

مما لا شك فيه ان مصر هي اول دوله بالمعني الحرفي عرفها التاريخ الانساني وما زال لها نفس الوجود والتكوين والحدود الاصليه؛ وان مصر لم تخض حربًا اهليه او مذهبيه او دينيه اطلاقًا في تاريخها الحديث؛ وكل ما هنالك هي فوضي في الحكم المركزي تخللت الدوله بعد عقود طويله من الاحتلال وفي فترات شهيره مثل نهايه عهد المماليك وابان تاسيس دوله مصر الحديثه بعهد محمد علي، في تلك المرحله كانت هناك محاوله جديده قديمه لاستقلال الصعيد عن طريق الشيخ همام بن يوسف كبير قبائل العرب بجنوب مصر (1709 م – 1121 هـ )، ولكن صلب المحاوله كانت وطنيه وضد المماليك وجباه الضرائب اي في الاصل ضد محتلين من عساكر مرتزقه وليست ضد الشعب المصري بالشمال او الداخل؛ لذلك لا يمكننا تصنيف المحاولات المشابهه بانها حرب اهليه بالمعني الصحيح.

اما بمصر القديمه فمنذ تاسست الدوله الحديثه بها علي يد اعظم ملوكها (مينا- موحد القطرين) فلم تنشب حروب اهليه بمصر الا بمرحله واحده عمت فيها الفوضي وانفصلت ايضًا مملكه الشمال عن مملكه الجنوب؛ حيث يحكي لنا التاريخ عن حرب نشبت بين ملوك (اهناسيا) وملوك (طيبه) تحت قياده الملك (انتف الاول) ولا يوجد مثيل لتلك الحرب في التاريخ اللاحق حيث استمرت قرنًا من الزمان وفيها لم تنعم مصر بحكومه موحده، وانتهت بانتصار الملك منتوحتب الثاني ملك طيبه؛ اي بتوحد مصر وبملوكها الاصليين في النهايه، والمدهش في تلك التجربه الاستثنائيه التي نستطيع وصفها بكونها الحرب الأهلية الوحيده في مصر ما بعد انشاء الدوله قبل ثلاثه الاف عام ق.م ان المحاربين من الطرفين لم يكونوا مصريين؛ فلقد استخدم ملوك (طيبه) الكوشيين من الجنوب، واستخدم ملوك (اهناسيا) جنود اسيويين من فلسطين!!

وبجمله التاريخ القديم شهدت مصر ازمات سياسيه تحولت لاقتتال ولكنه لا يرقي لمستوي حرب اهليه حيث كان الطرف الاقوي والمسيطر في الاخير هي السلطه المركزيه والجيش، وذلك كما حدث في تجربه كهنه امون للاستقلال بطيبه والاستئثار باقطاعياتهم وثرواتهم ضد باقي مصر؛ فقام الملك رعمسيس التاسع بارسال قائد جيشه وقواته لطيبه وقاموا بالقضاء علي الكاهن الاكبر امنحتب؛ ولم تنفصل طيبه باي حال.. وقطعًا خضعت مصر لاحتلال طويل من مختلف قوي الغزو وتلك الفترات لا تعد مقاومه الشعب للسلطه المحتله بها نوع من الحروب الاهليه، بل هو مقاومه لمستعمر بالمعني الحديث.

بالتالي الحروب الاهليه والدينيه لا تكون وليده تجربه مفاجئه او صراع سياسي مستحدث بل لا بد ان تكون لها تربه خصبه في تكوينها الشعبي وبين ثنايا الدوله من قبلها بزمن. ولناخذ فرنسا كنموذج بعد ثورتها خاضت حروبًا اهليه ومذهبيه طاحنه كان الباحثون السطحيون ينظرون لها كونها شيئًا ناتجًا عن فوضي الثوره!

ولكن الواقع غير ذلك حيث ان تكوين فرنسا نفسه والمرحله التاريخيه التي مرت بها كونت بذور الطائفيه والاقطاع واستقلال الاقاليم وحرب بين الكاثوليك والبروتستانت لغير ذلك من ثمار لتجربه دوله مستعده تاريخيًّا وجغرافيًّا واجتماعيًّا لكل ذلك.

وكذلك الامر واخطر بالنسبه لنموذج (لبنان) فعلي الرغم من نظره السبعينات الحالمه لبيروت علي انها واحه التعايش الاّ ان واقع عدم التجانس العرقي والديني داخلها اوصلها لحتميه الاحتراب الاهلي اضافه الي عامل اخر حيث ان لبنان تعاني من فقدان للتجانس والهويه القوميه والملامح الجغرافيه لها مقسمه طبيعيًّا بشكل طائفي؛ مما يجعل تفككها وصراعها الاهلي محمي جغرافيًا!! نفس المقياس بشكل اقل فوضويه نجده في نموذجي سوريا والعراق.

– اما مصر فهي من ناحيه الدين والمذاهب فهي اغلبها وحده متجانسه واقلياتها الدينيه ليس لهم بُعد جغرافي يخصهم، بل اختلاط كامل ثقافيًّا واجتماعيًّا بطول وادي النيل لجميع المصريين حتي الشمال بوحده قوميه منذ فجر التاريخ لم تنتهِ، ومن الناحيه الجغرافيه فالتقسيم غير وارد، فخلال خمسه الاف سنه كان التقسيم عرضي شمال وجنوب ويصل الي نقطه الصراع المسلح لسيطره احد الطرفين علي الاخر ومن ثم الوصول للوحده والحكومه المركزيه من جديد؛ اي ان هدف الحرب يكون الوحده! وهذا ما اشار اليه (جمال حمدان) في شخصية مصر.

عندما عبر عن استحاله تقسيم مصر بقوله: (حتميه وحده مصر السياسيه قائمه علي حتميه الوحده الجغرافيه والجنسيه والهيدرولوجيه)، وبالفعل لو نظرنا في جغرافية مصر فانه لا يوجد مخرج للجنوب سوي الشمال ولا يوجد اتصال بمنابع النيل وافريقيا للشمال الّا عن طريق الجنوب، وهذا يؤدي لحتميه الوحده، فضلًا عن جغرافيه مصر كمربع متصل ببعضه وكوادي نيل متشابك مع اطرافه وسكانه بشكل يستحيل تفكيكه؛ حتي سيناء فهي قريبه استراتيجيًّا من العاصمه اي اخطر بقعه بمصر كلها ولها علاقه متصله بالقنال وبالتالي اي تمرد فيها او محاوله لانفصالها لا تلبث السلطه المركزيه الاّ ان تنهيه ولا يلبث سكان شبه جزيره سيناء الا ان يحتاجوا للدوله المركزيه؛ مما لا ينهي اتصالها بوحده الارض بفترات طويله دون اعاده ضمها من جديد.

– اخيرًا تجانس العنصر المصري امر حاسم في عدم خوضه لحروب اهليه او كثره ثوراته بفوضي تفقده الاتزان او ندره ثورات تفقده المرونه، فهو شعب حمّال متزن متماسك لابعد الحدود ولكن ثوراته مزلزله كما يقاس علي نموذج الدول الراسخه التي اوضحتها في كلام (جوستاف لوبون)؛ فالشعب المصري ذو طابع قائم علي التمسك بالدوله الراسخه اي الدوله ذات النسيج المتكامل والاطراف المتصله والتي يحكمها عنصر واحد من ابنائها دون اعراق مختلفه، وهنا لا نخضع عصور الاحتلال للقاعده لان الشعب نفسه يكون مسلوب الاراده خلالها.

واذا اردنا ان يتجلي لنا شان العنصر في مصير الامم علينا ان نبحث تجارب اسبانيا وامريكا اللتين تعدان من الدول المولده اي المؤلفه من اعراق مختلفه وذات الطابع غير المتجانس ولذلك كثيره جدًّا حروبهم الاهليه الطويله والطاحنه وثوراتهم المتجدده وبذور الانفصال تجري في اواصل جغرافيتهم غير الثابته؛ لذا استعدادهم للتقسيم والحروب الاهليه محقق في اي تهاوٍ اقتصادي او كارثه سياسيه وارده بالمستقبل؛ وموجوده بوضوح في الماضي!

– ومن كل ما سبق فان مصر غير قابله للحروب الاهليه الي جانب حتميه الوحده الجغرافيه والدينيه والعرقيه لشعبها، والذي يمنع تقسيمها وان كان لا يمنع انفصال جزء حدودي منها لا يلبث ان تسيطر عليه من جديد في مراحل قوه مركزيتها وحكمها!

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل