المحتوى الرئيسى

الشاي والثورة والسعادة.. أبرز إرهاصات نشأة الدستور الأمريكي - ساسة بوست

06/07 17:05

منذ 1 دقيقه، 7 يونيو,2015

تلجا التجمعات البشريه الي مجموعه قواعد اساسيه تحكم العلاقه بين افرادها. الحاجه هي التي دفعت الي ذلك، وتطوّر انماط العلاقات بين الافراد فالتجمعات البشريه. مع نشاه الدول والممالك كان لا بد من صياغه هذه القواعد بشكل اكثر تحديدًا لتنظيم الحقوق والواجبات، بحسب ما كان متعارفًا عليه وفقًا لكل حقبه زمنيه.

بمرور الوقت، ومع تطوّر شكل الدوله، ودخولنا عصر الدوله القوميه الحديثه، بدات تظهر الحاجه الي صياغه قوانين كليّه مؤسسه تدير مجتمع الدوله، وكذلك انظمه ادارتها، وقد عُرفت الوثيقه الشامله علي قوانين من هذا النوع، باسم الدستور. من بين تلك الدساتير، واقدمها من حيث العمل الي الان دون انقطاع، هو دستور الولايات المتحدة الأمريكية، الذي شهدت ارهاصات نشاته جمله من الاحداث المتشابكه المبنيه في اغلبها علي توترات وقلاقل خاصه بنشاه تلك الدوله الحديثه نسبيًّا.

في البدايه وقبل العرض لتلك الارهاصات، ولمزيد من التفصيل عن الدستور الأمريكي، دعونا نلقي نظره سريعه علي نشاه الدساتير في العالم الحديث، والدوافع وراءها.

ما هي الدساتير ولماذا احتاج العالم اليها؟

بدايه الدستور كما ذكرنا، هو مجموعه من القواعد الاساسيه الحاكمه لمجتمع الدوله، وانظمه اداراتها، فهو المنوط به تحديد السلطات داخل الدوله، وايضًا تنظيم الواجبات والحقوق لافراد مجتمعها بفئاتهم. وفيما يخص الاصل اللغوي للكلمه، فراجع الي الفارسيه، حيث تعني كلمه دستور “القانون الاساسي”، متطوّره من معني سابق لها في الفارسيه ايضًا، حيث كانت الكلمه مكوّنه من مقطعين: “دَست” و”وَر” والاولي تعني “الامر” والثانيه تعني “صاحب”، ومجتمعه تشير الي “صاحب الامر”، ومن ذلك كان استخدام العثمانيين للكلمه بهذا اللفظ (دَستور) للاعلام بوصول السلطان صاحب الامر. ومن العثمانيين وصلت الكلمه الي العرب، لتشير لاحقًا الي النظام الاساسي.

استخدم العثمانيون لفظه “دَستور” للاشاره الي السلطان باعتباره “صاحب الامر”

انهيار الحكم الملكي المُطلق بعد الثورات الاوروبيه، وسيطره البرجوازيه علي السلطه، الي جانب ظهور فكره القوميه وانحسار الاستعمار؛ تلك كانت الاسباب والدوافع الرئيسيه في دستره انظمه الحكم. – سعيد بوشعير

بناءً علي ما سبق نستوعب لماذا بدات نشاه الدساتير بالصيغه الحديثه، عند الجزء الغربي من العالم، تحديدًا في الولايات الامريكيه، حيث ظهرت وثيقه دستور ولايه فيرجينيا في يونيو 1776، ومنها استخدمت بعض المبادئ في صياغه الدستور الامريكي، وقبله اعلان الاستقلال. كذلك شهدت مدن وولايات امريكيه خلال القرن الثامن عشر، ظهور عدّه دساتير تنظم مجتمع الولايه وسلطاتها، وبعد ذلك صدرت دساتير في دول اوروبيه، قبل ان يسود الامر العالم، بدءًا من منتصف القرن التاسع عشر.

اصبحت الدساتير المكتوبه من خصائص الدوله الحديثه، نتيجه لرواج الافكار الديموقراطيه، والحركات السياسيه التي نادت بمبدا السياده الشعبيه، وبلوره فكره العقد الاجتماعي، ومبدا الفصل بين السلطات. – فوزي اوصديق

ثوره الشاي: ضد الضرائب ونحو الاستقلال

بالاجمال، يمكن تلخيص دوافع كتابه دستور للولايات المتحده الأمريكية، في كلمه “الاستقلال”. اذ كانت الارهاصات القريبه لكتابه الدستور الامريكي، متعلقه في جملتها بالثورة الأمريكية ثم حرب الاستقلال عن الامبراطوريه البريطانيه، التي توسّعت في فرض الضرائب علي سكّان مستعمراتها في امريكا، مع فرض قوانين تجاريه راها الامريكيون جائره بحقهم.

العباره السابقه كانت الشعار الذي التف حوله الامريكيون في انتفاضتهم علي الحكام البريطانيين، بعد جمله من القوانين التجاريه التي فرضتها انجلترا علي مستعمراتها بما فيها الولايات الامريكيه في سبيل تحقيق انتعاشه اقتصاديه لها (اي بريطانيا) بعد حربها الطويله مع فرنسا والتي كبدتها خسائر اقتصاديه فادحه، ومن ذلك ايضًا توسعها في فرض الضرائب علي كل السلع تقريبًا، ما ادّي الي بزوغ تحركات امريكيه احتجاجيه علي تلك القوانين والضرائب. الاحتجاجات اجتاحت بسرعه الولايات الامريكيه، وتحوّلت في بعض حالاتها الي اشتباكات عنيفه، كان من ابرزها اشتباكات “حفله الشاي“.

القي المحتجون شحن الشاي في مياه البحر احتجاجًا علي فرض ضرائب جديده

وانطلق الامريكيون، او سكان المستعمرات البريطانيه في امريكا الشماليه، في ثورتهم من شعار “لا ضرائب بدون تمثيل” احتجاجًا علي دفعهم لضرائب جديده دون ان يكون لهم تمثيل في البرلمان البريطاني. لاحقًا استخدم هذا الشعار، كواحد من اهمّ المبادئ المؤسسه للدستور الامريكي، بل للنظم الضريبيه حول العالم.

المقصود بالتمثيل هنا، هو المشاركه السياسيه في سلطه اتخاذ القرارات المتعلقه باداره شؤون الدوله والمجتمع، اذ من غير المعقول ان يساهم المواطن في دعم ميزانية الدولة، دون ان يكون له دور في ادارتها وتوجيهها كي تلبي احتياجاته. – بدر الديحاني

علي اثر الاحتجاجات، اندلعت ما عرفت بحرب الاستقلال، بدايه من عام 1775، والتي اخذت منحي رسمي عندما وقّع ممثلون عن الولايات الامريكيه وثيقه اعلان الاستقلال في 1776، لتدوم الحرب نحو 8 سنوات، انتهت بانتصار الولايات الامريكيه علي القوات البريطانيه، ثمّ توقيع اتفاقيه باريس عام 1783، والتي اعترفت بريطانيا بموجبها، باستقلال الولايات المتحده الامريكيه.

بدايه من هذه المرحله برزت الحاجه الي تنظيم امور الدوله المستقله الناشئه، والتي كانت حتي تلك اللحظه مكوّنه من 13 ولايهً هي الموقعه علي معاهده باريس.

اعلان الاستقلال: السعي وراء السعاده!

ثمّه مواقف مفصليه في مراحل الثوره الامريكيه وحرب الاستقلال، تلك المواقف مجتمعه لها اثرها الواضح في الدستور الامريكي، الذي يمكن اعتباره خلاصه نضالات شعب مستعمرات امريكا الشماليه، وما نجم عنها من افكار ومبادئ حاكمه تطوّرت وتجذّرت في المجتمع الامريكي المتنوّع والمتعدد.

بدايه من عام 1772 بدات تتشكل في مدن المستعمرات الامريكيه ما عرف باللجان الوطنيه، والتي هدفت الي توحيد جهود سكان المستعمرات ضد بريطانيا وممثليها العسكريين. الفكره كانت من بنات افكار احد اهم السياسيين والمفكريين في تاريخ امريكا، وهو صامويل ادمز. تلك اللجان كانت ايضًا بمثابه نواه جيش الاستقلال الامريكي الذي خاض معركه الاستقلال ضد القوات البريطانيه، ومنها ايضًا، خرج ممثلو الولايات الامريكيه، التي شكّلت مجتمعه ما عُرف بالكونجرس القارّي عام 1774، والذي كان بدوره نواه تشكيل الكونجرس الامريكي لاحقًا، كما انّه لعب الدّور الاساسي في رحله استقلال وتاسيس الولايات المتحده الامريكيه.

اولي الوثائق التي اصدرها الكونجرس القاري، او مجلس الشيوخ القاري، كانت “اعلان الحقوق” المناهض للقوانين البريطانيه، وخلال تلك الفتره لم تكن فكره الاستقلال متبلوره لدي ممثلي الولايات الامريكيه، او بعضهم علي الاقل، حتي اندلعت نيران حرب الاستقلال، ليُصدر الكونجرس القاري اعلان الاستقلال  (يوليو 1776) الذي عُدّ وثيقه دستوريه اولي للولايات المتحده الامريكيه، واوّل وثيقه دستوريه حديثه نصّت علي جمله من الحقوق الانسانيه، وحقوق المواطنه.

نؤمن بانّ هذه الحقائق بديهيه، وهي: ان جميع البشر خُلقوا متساويين، وان خالقهم حباهم بحقوق غير قابله للتصرّف، وانّ من بين هذه الحقوق؛ حقّ الحياه والحريه والسعي وراء السعاده. – من نص اعلان الاستقلال

نسخه مخطوطه من وثيقه اعلان الاستقلال

كَتَبَ اعلان الاستقلال بشكل رئيسي، توماس جيفرسون، احد الاباء المؤسسين، والذي كان ممثلًا عن ولايه فيرجينيا في الكونجرس القارّي. ويُشار هنا الي انّ اعلان الاستقلال استفاد من وثيقه دستور فيرجينيا، حتّي ان العبارات التي سبق ذكرها اليها من نصّ الاعلان، مقتبسه من مثلها في دستور فيرجينيا الموضوع قبل اعلان الاستقلال بنحو شهر واحد.

وبالاضافه الي انشغاله بالسياسه، وتبوّئه عدّه مناصب في الدوله الحديثه، وصولًا الي رئيسها، كان جيفرسون مهتمًا ايضًا بالعلوم والفلسفه، اذ كان عضوًا ثم رئيسًا للجمعيه الفلسفيه الامريكيه، وهو مؤسس جامعه فيرجينيا. توماس جيفيرسون – كمثال للاباء المؤسسين، ولم يكن الوحيد بينهم المهتم بالعلوم والفلسفه- يكشف السر وراء تبلور افكار ومبادئ متعلقه بالحقوق الانسانيه الاساسيه، في الولايات المتحده الامريكيه في هذا الوقت المبكّر، وايضًا يكشف لماذا كانت وثيقه اعلان استقلال الولايات المتحده بمثابه مرجع للوثائق الحقوقيه علي مستوي العالم لاحقًا. وبالجمله، فان العديد من الباحثين ذهبوا الي تاثّر اعلان الاستقلال ثمّ الدستور الامريكي، بافكار فلاسفه كبار، كجان جاك روسّو، وجون لوك، الذي اقتبس منه اعلان الاستقلال اقرار “حقّ الثوره”، التي اوردها ضمن نظريته عن العقد الاجتماعي.

اوّل دستور لاوّل ديموقراطيه في العصر الحديث

بعد اصدار اعلان الاستقلال بايّام، شكلّ الكونجرس لجنه لاعداد الدستور، مكوّنه من 13 شخصًا منتخبين من الكونجرس. توصلت اللجنه الي وضع “وثيقه الاتحاد الكونفدرالي” التي تمّ العمل بموجبها بدايه من عام 1778. وانطلق الكونجرس منها لتنفيذ مهامه كحكومه وطنيه كونفدراليه بصلاحيات محدوده نسبيًّا، باءت بالفشل في النهايه، بخاصه بعد الاستقلال الرسمي عن بريطانيا، وتراكم الديون علي الولايات الامريكيه، ومن ثمّ اعلان الكونجرس افلاس الولايات.

كانت المشكله الاساسيه، والتي لم تعالجها وثيقه الاتحاد الكونفدرالي، هي النقود، اذ لم تُحصّل الحكومه الوطنيه مستحقاتها من الضرائب عن كل ولايه، ولم يستطع ممثلو الولايات في الكونجرس، وحكوماتها اجبار السكّان علي دفع الضرائب، حتي ان بعض الاشتباكات بين السكان وقوات الامن، اندلعت في خضم محاولات جبايه الضرائب. من هنا، قرر الكونجرس الاجتماع، بقياده جورج واشنطن، في فبراير 1787 لوضع دستور جديد شامل للبلاد.

وعلي مدار اشهر، جرت المناقشات والمداولات التي وصفت احيانًا بالعنيفه، بين اعضاء الكونجرس للوصول الي الصيغه النهائيه للدستور الامريكي. هذا، وقد تمّ الاستفاده كثيرًا من التجارب شبه الدستوريه السابقه، مثل اعلان الاستقلال، ودستور فيرجينيا، ودساتير الولايات المختلفه. وفي سبتمبر 1787 تم اقرار دستور الولايات المتحده الامريكيه الدائم، وبعد عام بالتمام، دخل الدستور حيّز التنفيذ.

نحن شعب الولايات المتحده، رغبهً منّا في انشاء اتحاد اكثر كمالًا، وفي اقامه العداله، وضمان الاستقرار الداخلي، وتوفير سبل الدفاع المشترك، وتعزيز الخير العام، وتامين نِعَم الحريّه لنا ولاجيالنا القادمه؛ نرسم ونضع هذا الدستور للولايات المتحده الامريكيه. – مقدمه الدستور الامريكي

الدستور الامريكي.. وثيقه صغيره جامده ودائمه!

الدستور الامريكي وثيقه صغيره، اذ يتكون من 7 مواد فقط، لكنه في المقابل، دستور جامد، بحيث لا يمكن تعديل ماده من مواده السبعه، او فقره من فقرات مواده، بقانون عادي، اذ يلزم في حال اجراء تعديل، ان يقدم المقترح من ثلثي اعضاء الكونجرس، ثمّ يتم الموافقه عليه من ثلاثه ارباع الولايات الامريكيه، بدون ذلك لا يُقبل بمقترح التعديل.

هذا، وقد تمّ اقتراح اوّل تعديل في الدستور، عام 1789، واُقرّ عام 1791. وكان التعديل خاصًا بالحقوق والحريات الفرديه، التي اغفلها الاباء المؤسسون في النسخه الاولي من الدستور قبل هذا التعديل، وبعد دخول الدستور حيّز التنفيذ، واجه انتقادات غاضبه، اهدا من روعها، وعد من الحكومه الفيدراليه باجراء تعديلات قريبه، تُضاف بموجبها فقرات تضمن الحقوق الفرديه لمواطن الولايات المتحده الامريكيه، وقد كان بالفعل، فيما عُرف بـ”وثيقه الحقوق“، والتي حفظت حريه الممارسه الدينيه، والراي والتعبير والاحتجاج، والتنظيم العمّالي، وغير ذلك.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل