المحتوى الرئيسى

إبراهيم بن قفلة يكتب: علمانية أردوغان.. هي الحل | ساسة بوست

06/05 22:27

منذ 27 دقيقه، 5 يونيو,2015

لم يكن اردوغان يهدف بتصريحه في اثناء زيارته الاولي لمصر بعد ثوره 25 يناير بانه ينصح المصريين بالعمل علي تاسيس دولة علمانية، لم يكن يهدف من ذلك مداعبه عواطف العلمانيين العرب ولا معاده الاسلاميين منهم، بل كان يحاول ان ينقل جزءا من تجربته الفريده في التاسيس لمفهوم العلمانيه كما يفهمها اردوغان.

صحيح ان ذلك التصريح لم يعجب الاسلاميين ولا حتي العلمانيين، فالاسلاميون اعتبروه تدخلًا في شؤون داخليه، والعلمانيه اعتبروه نفاقًا علي اعتبار ان الصورة النمطية في العقل العربي تحدد ان اردوغان هو من خلفيه اسلاميه.

مع ان اردوغان لم يتدخل بشكل مباشر في الشان الداخلي، وانما قدم نصيحه مثل غيره من الزعماء، وكما ان ثقافه اردوغان اسلاميه الا انه قد تجاوز المفاهيم التقليديه للفكر الاسلامي وانطلق بتصور مغاير عن التصورات النمطيه والتقليديه للعلمانيه في العقل العربي والاسلامي.

في نفس اللقاء التلفزيوني نجد ان اردوغان قدم تفسيراته الخاصه لمفهوم العلمانيه كما يراها هو، فاعتبر اولًا ان العلمانيه هي صفه تطلق علي الدوله وليس صفه للافراد. وهذا التمييز مهم جدًا من الناحيه العمليه والاجرائيه للمصطلح، فحدد مجال الدوله علي انه مجال لاجراءات العلمانيه التطبيقيه. فسلوك الدوله يمكن ان نصفه بانه علماني او غير علماني. اما سلوكيات الافراد تحدد بقيم اخري غير العلمانيه.

فالعلمانيه كما يراها اردوغان هي سلوك الدوله المحايد او موقف الدوله المتساوي مع جميع الاديان والافكار، فلا تصبغ الدوله بصبغه دينيه محدده انما تكون الدوله مجالا مشتركا للجميع، ولكي تكون كذلك فانها تقف موقفًا متساويًا مع الجميع. هذا الموقف المتساوي ليس موقف العداء مع الاديان كما نراها في بعض النماذج للعلمانيه مثل النموذج الفرنسي، انما الموقف المتساوي في الاحترام لجميع الديانات والافكار. ولكي تتخذ هذا الموقف يجب ان تسلك الدوله سلوكا محايدًا يحترم الجميع.

كما ميز اردوغان بين موقف الدوله التي لا تتخذ موقفًا دينيًا محددًا وموقف الافراد، فاعتبر انه من حق الفرد ان يكون له موقف ديني معين، وهذا لا يتعارض مع الدوله العلمانيه كما يراها اردوغان.

بالبحث والتامل سنجد ان مفهوم اردوغان للعلمانيه والتفسيرات الجديده للمفهوم لم يكن هو اول من تحدث عنها، فهناك بعض النماذج الفكريه والمقاربات النظريه التي تشبه مقاربه اردوغان للمصطلح.

اشهر هذه المقاربات الفكريه مقاربه عبدالوهاب المسيري للعلمانيه، عندما شرح في موسوعته عن العلمانيه محاولاته للتمييز بين العلمانيه الشامله والعلمانيه الجزئيه. فنجد ان العلمانيه الجزئيه عند المسيري تشبه مفهوم اردوغان للعلمانيه. كذلك افكار راشد الغنوشي عن الدوله وعلاقتها بالدين تشبه الي حد ما مقاربه المسيري واردوغان.

ومن الناحيه الاجرائيه تعتبر تجربه مهاتير محمد والتجربه الماليزيه بشكل عام، تجربه مماثله لتجربه اردوغان في تحييد الدوله، واعتبار ان الدوله تمثل مصالح الجميع مع التاكيد علي احترام جميع الاديان واحترام حريه الممارسه الدينيه والفكريه للجميع.

المتامل للواقع العربي، ولتطورات المشهد السياسي فيه، خصوصا بعد ثورات الربيع العربي، سنجد ان الشعوب العربية تختزن طاقه دينيه هائله، ومخزونا من المشاعر والعاطفه للدين وللتدين مرتفعه، قد يعتبره البعض مؤشرًا ايجابيًا، وهو كذلك، الا ان هذه الطاقه الدينيه والمشاعر والعواطف تجاه الدين والتدين قد تستخدم في اشعال الصراعات في المنطقه، صراعات دمويه بعناوين وشعارات دينيه الا ان حقيقتها صراعات لمصالح قوي غير متدينه، يموت فيها المخدوعون بالشعارات الدينيه والطائفيه، ويبقي المستفيد منها قوي اخري لا تؤمن بهذه الشعارات.

كان بالاحري ان تتم الاستفاده من هذه الطاقه والمشاعر والسلوكيات الدينيه في الدفع بعجله النمو والتنميه والمعرفه في المنطقه، ولن تتم تلك الاستفاده من هذه المشاعر والسلوكيات الدينيه الا اذا تم توظيفها في الاتجاه الصحيح. هذا التوظيف يحتاج لاطار فكري يضع الدين في منظومه تحدد علاقته بالدوله والحياه. هذا الاطار لم يتبلور حتي الان في المنطقه، فالموجود حتي هذه اللحظه هي اطارات فكريه تاريخيه، تم صياغتها لزمن غير زماننا، وفي تحديات غير التحديات التي نواجهها الان.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل