المحتوى الرئيسى

أي لحية تجسّد بشكل أفضل وجه الإسلام؟

06/05 11:43

“لحيه البابا” (التي تعرف ايضاً بـ“غزل البنات”)، عباره كفيله بان تُسيل لعاب ايٍ كان. لكن خارج هذه الكومه الناعمه من القطن، بات لعباره “اللحيه” ابعاد اجتماعيه وسياسيه محورها صراع ديني علي السلطه، وعلي كسب رضي الله. ارني لحيتك، فاقول لك من انت.

مرّت اللحيه بمراحل عدّه علي امتداد التاريخ، وتغيرت رمزيتها وفقاً للمكان والزمان حتي تحوّلت اليوم الي سلاح يستخدمه الرجال في مجتمعهم. تعدّ اللحيه من دون شك رمزاً للرجوله، وارتبطت دوماً بالقوه والسلطه، لكون السلطه لطالما كانت حكراً علي الرجال. كل الكبار عبر العصور، الانبياء، الفلاسفه والملوك، جمعتهم اللحيه الكثيفه. لحيه الاشوريين والفرس في بلاد ما بين النهرين كانت ترمز للملوكيه. اما في مصر القديمة، فكانت اللحيه سمه الفراعنه، حتي ان الملكه حتشبسوت، الفرعون الخامس من عصر الاسره الثامنه عشره، كانت ترتدي خلال الاحتفالات لحيه طويله معلقه خلف اذنيها، لتظهر قوتها وانتماءها الالهي، علي عكس الكهنه الذين كانوا يحلقون ذقونهم ورؤوسهم واجسامهم بالكامل. ولدي اليونانيين، كانت اللحيه رمزاً للكرامه، يرتديها الالهه مثل زوس وبوسيدون، والابطال مثل هرقل، علي عكس “العبيد”.

راحت رمزيه اللحيه تتغير مع مرور العصور، فقد منعت مثلاً في اوروبا في القرن الثالث عشر، ثم عادت لتظهر في البلاط الملكي في ايطاليا، بعد ان تم ربط خساره الجيوش الايطاليه في الحروب بكون العساكر قد فقدوا رجولتهم يوم تخلوا عن لحاهم. وهو ما كان ينظر اليه بطريقه مختلفه خلال حكم الرومانيين، الذين كانوا يحلقون لحاهم ليظهروا متحضرين، مقارنهً بالغاليين والبربريين المعروفين بلحاهم الكثيفه وشعورهم الطويله. لم تتغير كثيراً تلك النظره للّحيه باللغه السياسيه التي تتحاور فيها المجتمعات اليوم، اذ نلاحظ كثافه في شعر ذقون السياسيين في الشرق، اكثر بكثير من كثافه ذقون السياسيين في الغرب.

روي البخاري عن ابن عمر قول الرسول: "خالفوا المجوس، احفوا الشوارب واوفوا اللحي". هو حديث من بين احاديث اخري يتنازع علي تفسيرها العلماء المسلمون. ففي حديثٍ مع شبكه البي بي سي قبل بضعه اعوام، اكّد البروفسور محمد عبد الحليم، من مدرسه الدراسات الشرقيه والافريقيه في جامعه لندن، ان اعتبار اللحيه واجب لدي المسلمين امر غير متوافق عليه بين العلماء، لكونه لم يذكر في القران. يشبّه الامام الدكتور عبد الجليل ساجد، عالم دين اسلامي واحد مؤسسي المجلس الاسلامي في بريطانيا، تلك المساله بقضيه الحجاب لدي المراه، التي لا تدخل ضمن الواجبات الالزاميه لدي الاسلام، مثل الصلاه او الصوم، وهذا ما يفتح الباب امام العديد من التفسيرات. تفسيرات قد تختلف وفقاً للمركز الديني والسياسي الذي يحتله الشخص، ووفقاً للمذهب الذي يتبعه، اكان سنياً ام شيعياً، كذلك وفقاً لدرجه الايمان، اعتدالاً او تطرفاً.

ذكر في سفر ليفيتيكوس 19:27 "لا تقص الشعر علي جانبي راسك او تقص حواف لحيتك". وصيه تركت جدالات مفتوحه بين الحاخامات اليهود. بعض المتدينين يؤمنون ان اللحيه يجدر بها ان تغطي الذقن لا اكثر، في حين يعتبر اخرون ان علي الشعر ان يغطي مساحه اكبر من الوجه، حتي العنق. ولكن مهما توسعت بقعه الشعر، يظل فعل الحلاقه باستخدام شفره حاده امراً ممنوعاً علي متتبعي الديانه اليعوديه، ولا بد من استخدام مقص او ملقط لازاله الشعر، او التحكم بطول اللحيه.

الدين المسيحي لا يملك من جهته وصايا تتعلق باللحيه، ويترك الخيار للرهبان او رجال الدين في تبنيه، تشبهاً بالمسيح وكرمزٍ للخشوع والتديّن والحكمه. عند المسيحيه، يبدو ان اللحيه تلعب ايضاً دوراً فاصلاً في التمييز بين الغرب والشرق، فالكهنه الارثودكس الشرقيون يظهرون دوماً بلحي طويله، علي عكس كهنه الكنيسه الكاثوليكيه الرومانيه، وهذا دليل علي كون اللحيه اكثر من موقف ديني، وتتاثر بالواقع الجغرافي والسياسي والاجتماعي.

في السنوات الاخيره، تحولت اللحيه الي موضه لدي الرجال، يطوّلونها ويمشطونها، يخصصونها بمستحضرات للتجميل، وقد يشكون فيها الزهور. النساء من جهتهن يعشقن هذا الرمز الرجولي، علي ان تكون اللحيه ناعمه لدي التقبيل. ولكن في الساحه السياسيه العالميه، انقلبت الحال. لم تعد اللحيه ترمز للسلطه وباتت غير محبّذه. ولّت ايام اللحيه الشيوعيه اللينينيه، او اللحيه الثوريه علي طريقه غيفارا. تفضل الراسماليه الوجوه “المتحضره” الناعمه، تاركهً اللحي والشوارب الكثيفه للاسلاميين.

اوباما، هولاند، كاميرون، ميركل بطبيعه الحال، ماتاريلا، وغيرهم من مسؤولي الدول الغربيه ومن سبقهم باجيال عده، لم يظهروا يوماً ضمن فترات حكمهم مع شعرٍ نابتٍ علي اوجههم. عندما يرتاحون من مهماتهم السياسيه، يربون لحاهم، كما فعل ساركوزي عندما غادر الاليزيه.

علي الساحه العربيه والشرق اوسطيه، لا يختلف الامر كثيراً، فالرؤساء في المنطقه يحرصون دوماً علي اظهار وجهٍ معتدل، بغض النظر عن ميولهم السياسيه والدينيه. السيسي، فؤاد معصوم، ملك المغرب محمد السادس، السبسي، ملك الاردن عبدالله الثاني، من بين اخرين، يحلقون ذقونهم بشكل شبه يومي. بعض الرؤساء الاخرين يتفننون في رسم شواربهم "الابويه" مثل الشيخ حمد بن تميم ال ثاني امير دوله قطر، بشار الاسد، امير الكويت صباح الاحمد الجابر الصباح، من دون ان ننسي النموذج السعودي الفريد من نوعه، مع لحيتَيْ الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز والملك الجديد سلمان بن عبد العزيز، وحلفائهما هنا وهناك مثل رئيس الوزراء اللبناني الاسبق سعد الحريري.

الربيع العربي لعب دوراً في تغيير شكل اللحي الرئاسيه، اذ اطال لحيه ثانيه لصدام حسين، فوق شواربه الستالينيه التي حكم بها العراق قبل اعدامه، وكثّف شعر شوارب وذقن القذافي قبل وقوعه بين ايادي الثوار، كما اطال لحي الكثير من المقاتلين الجدد علي الساحه العربيه، من اتباع التنظيمات الاسلاميه المختلفه، ومن ضمنها تنظيم الدوله الاسلاميه (داعش).

تناوب اللحي علي راس ايران له رمزيه مهمه في السياسات الداخليه والخارجيه لتلك الدوله. هناك نماذج عده من اللحي علي الساحه السياسيه في ايران بحسب مراسله البي بي سي في ايران رنا راهنبور، في حديث اجرته معها اذاعه PRI’s world. لحيه روحاني تعدّ لحيه رجال الدين النموذجيه، طويله بعض الشيء ومشذبه، ولكنها اطول من لحيه محمد خاتمي، وهذا ما يشير الي كون هذا الاخير اكثر اصلاحياً. اما لحيه احمدي نجاد، فهي قريبه من لحي الباسيج او اللحي المليشياويه، عمرها اسبوعان او ثلاثه، غير مشذبه، وتفوق بحجمها لحي ضباط المخابرات، التي لا تبقي اكثر من 3 ايام، وتتشابه من جهتها مع لحي مقاتلي حزب الله. يصف استاذ العلوم السياسيه سمير حمّال في مقالٍ له نشر علي موقع L’Express لحيه احمدي نجاد باللحيه الذكيه والمثيره للاهتمام، اذ كانت تعبر عن توازنٍ دقيقٍ بين موقعه "الثوري" ضد الغرب، وموقعه "الاسلامي" داخل البلاد. يري حمّال ان القاده الايرانيين الشيعه يظهرون بلحي اطول من نظرائهم السنّه، وكانهم يرغبون في الظهور في موقع المدافعين اكثر عن الدين والايمان. دخلت لحي المتطرفين الاسلاميين اللعبه نفسها، اكانوا من المنتمين لتنظيم داعش او لنظرائه مثل القاعده وجبهه النصره، حتي اصبحت اللحيه الطويله محل شبهه في الانتماء الي احد التنظيمات المتطرفه.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل