المحتوى الرئيسى

وائل توفيق يكتب: التاريخ حضاريًّا وإستراتيجيًّا إعادة موضعة التاريخ في تكويننا الثقافي | ساسة بوست

06/04 17:53

منذ 14 دقيقه، 4 يونيو,2015

مما لا شك فيه ان المسلمين علي مر تاريخهم كانوا علي وعي تام باهميه علم التأريخ، ولذلك صنفوا فيه مصنفاتهم الكثيره التي بلغت الذروه في الاتقان والمنهجيه سواء في السيرة النبوية او تاريخ الامم قبل الاسلام او تاريخ المسلمين او كتب الطبقات المختلفه، وقد بدا هذا الوعي مبكرًا من خلال كتاب السيره كابن إسحاق وخليفة بن خياط وعروة بن الزبير وابن هشام وغيرهم او مؤرخي المسلمين العظام كالطبري وابن الاثير وابن خلدون والمقريزي وابن تغرى بردي وابن الفرات وإبن إياس وكان اخرهم اعظم مؤرخي المسلمين في العصر الحديث وهو الجبرتي؛ مما يظهر لك ان التاريخ كان جزءًا رئيسيًّا في التكوين الثقافي العام للمسلمين ومناهجهم العلميه وهذه الورقه تمثل محاوله متواضعه لقراءه معاصره في اهميه علم التاريخ.

• فللتاريخ تاثيره الجذري علي طرائق التفكير والمعالجه للواقع والمتغيرات:

يدربك التاريخ علي الخروج من طريقه التفكير الاطلاقيه (ابيض/ اسود) بحيث يستطيع العقل من خلال القراءه التاريخيه الادراك الموضوعي للامور والنظره النسبيه للقرارات السياسيه والعسكريه، فعند قراءتنا لتاريخ نور الدين زنكي علي سبيل المثال، نجد هذا الموقف في معالجه نور الدين زنكي لحمله الامبراطور البيزنطي مانويل كومنين علي الشام سنه 1158 م، حيث تم التحالف (قبل الحمله) بين الامبراطور البيزنطي وبلدوين الثالث ملك مملكه بيت المقدس الصليبيه علي حرب القوي الاسلاميه الناهضه بقياده نور الدين زنكي، وكان هناك محددات لسياسه نور الدين تجاه الامبراطوريه البيزنطيه تتمثل في:

o البعد الاقتصادي:- المتمثل في استمرار الصلات التجاريه بين البلدين.

o البعد السياسي:- المتمثل في تحقيق التوازن في القوه في المنطقه من خلال تحييد الامبراطور البيزنطي وعدم ارتمائه في تحالف مع الامارات الصليبيه، بمعني اخر، تحييده في الصراع مع الصليبيين.

وقد كانت قوه الامبراطوريه البيزنطيه في اوجها ويتبين ذلك من روايه المصادر الاسلاميه لحاله الهلع من نزول حمله الامبراطور البيزنطي في الشام، ولقد تعامل نور الدين زنكي مع الموقف من خلال الاتصالات الدبلوماسيه والحشد العسكري القوي وتوصل من خلال المفاوضات الي الاتي:

o تعهده بمسانده مانويل في حروبه ضد سلاجقه الروم، وترتبت علي هذا الصلح نتائج ايجابيه منها:

 انهت التحالف البيزنطي الصليبي، وكان علي الصليبيين ان يعتمدوا علي انفسهم او علي مساعدات اوروبا في صراعهم مع الزنكيين.

 حفظت وحده بلاد الشام.

 اعادت التوازن بين الصليبيين والزنكيين بخروج البيزنطيين من الساحه ومن ثم عاد الصراع بينهما علي مصر متوازنًا مرهً اخري.

وتمت هذه النتائج بتقديم تنازلات غير عاديه، فقد اتخذ نور الدين خطوه يصعب تقييمها الا بوصفها من قبل القرارات الصعبه المصيريه والتي تُظهر بجلاء التفكير العقلاني الذي يوازن بين المصالح (نسبيه النظر للمصالح والمفاسد)، فليست المساله كون البيزنطيين كفارًا كالصليبيين (ابيض/ اسود) وانما تحديد الموقف حسب المصالح وحسابها بشكل براجماتي ومبداي في نفس الوقت، فنور الدين قدر ان معركته الحاليه ضد الصليبيين وليست ضد البيزنطيين، فوازن بين الاطاحه بمشروعاته علي يد الحمله الصليبيه البيزنطيه وبين الوقوف ضد سلاجقه الروم (والذين تم الصلح معهم لاحقًا) فاختار الخيار الثاني اي تفاهم مع الامبراطور البيزنطي ضد السلاجقه فقبل الامبراطور وانسحب من الحلف الصليبي فاوقف الحمله وزال الخطر.

تنمي القراءه التاريخيه الصحيحه التفكير العقلاني وتناقض طريقه التفكير العاطفيه، فنجد ان القراءه المعتاده للحروب الصليبيه ورد فعل المسلمين عليها تتلخص في وصف الحروب الصليبيه والمذابح التي قام بها الصليبيون ضد المسلمين ثم تقفز قرابه نصف قرن الي مرحله الانتصارات العسكريه الاسلاميه علي يد نور الدين زنكي ومن بعده صلاح الدين الايوبي، فتنتج هذه القراءه رد فعل عاطفي يتمثل في حرق المراحل والدخول في مراحل قبل اوانها عند التعامل مع واقعنا المعاصر، ولكن القراءه المتعمقه والمتانيه لهذه المرحله التاريخيه تظهر بجلاء انه كان هناك مشاريع اصلاحيه علي يد الغزالي ثم الجيلاني، هي التي اوصلت الحاله الاسلاميه عبر مراحل متعدده الي انتصارات نور الدين وصلاح الدين، وبالتالي فهذه القراءه الاخيره هي التي تنتج التفكير العقلاني الذي يتفهم طبيعه المراحل واهداف كل مرحله ومفاصل القوه المطلوبه لكل مرحله.

• القراءه التاريخيه الصحيحه تظهر حقيقهً ومبدا هام في التغيير والحركه والعمل وهو (الامكان التاريخي) وبطلان الجبريه، او ادعاء البعض انه لم يكن هناك خيارات اخري فنجد مثلًا في سرد الإخوان المسلمين في مصر لتجربتهم مع عبد الناصر وازمه مارس سنه 1954 م، نجد الاخوان يركزون علي المظلوميه التاريخيه والمؤامره، وانه لم يكن في الامكان شيء اخر، ولا يتوقفون ابدًا لنقد فضيله المرشد المستشار حسن الهضيبي رحمه الله وجماعه الاخوان في تعاملهم مع العسكر وانه في الحقيقه كان هناك خيارات اخري لتجنب الصدام والمناوره.

ويظهر هذا الامر بجلاء عند المقارنه مع الحركه الاسلاميه في السودان التي ادركت مبكرًا ان العائق الاساسي امام المشروع الاسلامي هو العسكر وان هذه المؤسسه هي اول مؤسسه تم علمنتها في بلاد المسلمين واستغلوا فرصه حاجه النميري للتحالف معهم فقبلوا هذا التحالف وعملوا علي التغلغل داخل مؤسسات الدوله بهدوء وتجنب اي معارك جانبيه رغم استفزاز النميري لهم اكثر من مره حيث تغلغلوا داخل مؤسسات هامه واهمها الجيش لتحقيق القوه النوعيه (الاقتصاد – الدعايه – العسكر) اللازمه للتغيير؛ مما مكنهم من عمل انقلاب عسكري عام 1989 والسيطره علي السلطه في السودان وهذا يبين لك مساله الامكان التاريخي وبطلان الجبريه وانه هناك دائمًا خيارات اخري.

• التاريخ هو مخزن الاستراتيجي، حيث ان به كمًّا كبيرًا من الروايات والاحداث العسكريه، التي هي ذخيره لاي مفكر استراتيجي، وفي الجيوش الغربيه يوجد ما يسمي بالمؤرخ الاستراتيجي وهو الذي تتجمع لديه الوثائق الخاصه بالمعارك السابقه في صراع معين ليستخرج منها الصوره الكامله والصواب والخطا في التجربه والاسباب التي ادت الي النتائج السابقه للاستفاده من كل هذا في الحلقه الجديده من الصراع.

• التاريخ هو مخزن السياسي، حيث ان التاريخ هو المسرح العملي للسياسه الذي يُستفاد ويُستخرج منه القواعد وتُختبر فيه مصداقيه النظريات، وهو يعطي السياسي خبره عميقه في المعالجه السياسيه من خلال الكم الهائل من الخبرات الانسانيه في سياسه الامم، ومن الملفت للنظر اننا نجد دوله عظمي كالولايات المتحده تكرر نفسها استراتيجيًّا باعتماد استراتيجيات سابقه، فعلي سبيل المثال مبدا “جوام” عام 1969م والذي اعلنه “نيكـسون” وتم بمقتضاه فتنمه الحرب في فيتنام، واكتفاء الولايات المتحده بالدعم اللوجيستي، ووجود المستشارين العسكريين الامريكيين وهي نفس الاستراتيجيه التي اعتمدت في افغانستان والعراق بعد ذلك.

• التاريخ يوضح اصول الافكار والفلسفات، فلفهم الليبراليه مثلًا لا بد من العوده لافكار لوك وفولتير ومنتسكيو وتطور الافكار لديهم، ولفهم قضيه القوميات في اوروبا في القرن التاسع عشر لا بد من الرجوع للثوره الفرنسيه وتاريخها، ولفهم ظهور القوميه في بلاد المسلمين لا بد من الرجوع للاحتلال الفرنسي لمصر عام 1798م وما تلاه في عصر محمد علي وخلفائه، وسياسات العلمنه التي اتخذت بمصر، وهكذا فالتحليل التاريخي يبحث في جذور الحدث الحاضر وليس النظر الي الحدث الحاضر ومسبباته المباشره كما يفعل التحليل السياسي.

فعند النظر الي مشكله مياه النيل وسد النهضه لا بد من العوده الي الجذور التاريخيه للمساله حتي نفهمها بعمق اكثر، وهذا ينقلنا الي قضيه محوريه في العلم عامه، وهي ان العلوم لا تعطي الافضليه بشكل مطلق وانما الافضليه نسبيه، فمثلًا لا نستطيع القول ان التاريخ افضل العلوم وانما لكل علم ميزته النسبيه والعلوم متكامله، وقد اشار العلامه جمال حمدان الي ذلك بقوله ]التاريخ هو الجغرافيا المتحركه والجغرافيا هي التاريخ الساكن[، فلا نستطيع في مثالنا السابق وهو مشكله سد النهضه وطريقه الخروج بحلول للازمه، الا ان نعمل كلا التحليلين التاريخي والسياسي، ولفهم السلوك العلماني والافكار العلمانيه لدي الشعوب المسلمه لا بد من تحليل الامر تاريخيًّا واجتماعيًّا ونفسيًّا وسياسيًّا، وهكذا.

• القراءه التاريخيه لتاريخ المسلمين ينتج فهم النظريه السياسيه عند المسلمين، من حيث دور الدوله ووظيفتها وعقيدتها وبالتالي فهو يجعلنا نفهم عمق الخلل في الرؤيه العلمانيه للدوله عند المسلمين وخطا تقييمها من خلال ادوات الحداثه في التقييم، اي من خلال النظريه السياسيه عند الغربيين، وهو خطا ظاهر حيث تُقيَّم الدوله الاسلاميه بمعايير وقيم واقترابات اجنبيه عنها، وهو يفيد ايضًا في الوصول الي تصور واضح تفصيلي للدوله الاسلاميه في الواقع المعاصر، وهو يعطي ايضًا خبره عاليه في التعامل مع مشاكل الاقليات مثلًا في بلاد المسلمين.

• القراءه التاريخيه تنتج فهم الاهميه القصوي لوجود استراتيجيه للخروج من المازق الحضاري الراهن فعند المقارنه التاريخيه بين تجربه مواجهه الحروب الصليبيه (مدرسه الغزالي والجيلاني وحركه نور الدين وصلاح الدين التي سبق الاشاره اليها) توضح ان هناك استراتيجيه طويله المدي للتعامل مع الخطر الصليبي واستمرت هذه الاستراتيجيه في التطبيق حتي عهد السلطان المملوكي الاشرف خليل الذي قضي علي الوجود الصليبي تمامًا في فلسطين وفي البحر المتوسط.

قارن ما سبق بعهد السلطان سليمان القانوني ووزير بحريته خير الدين بارباروسا (مع عظيم فضلهما في الجهاد في سبيل الله) ورؤيتهم القاصره التي لم تتجاوز اهدافها اعاده الاندلس، والتي جهلت تمامًا ابعاد التغير الحضاري والاستراتيجي في اوروبا، حيث سبق ذلك بقليل قيام هنري الملاح – الابن الثالث لملك البرتغال– بوضع استراتيجيه متكامله لتطويق المسلمين من الشرق لضرب الدعامه الاقتصاديه للقوه العسكريه الاسلاميه وهي البدايه الحقيقيه للتفوق الغربي علي المسلمين والتي مهدت الطريق للاحتلال المباشر بعد ذلك لبلاد المسلمين، فمن خلال التجارب التاريخيه السابق ذكرها يتبين حتميه وجود رؤيه استراتيجيه متكامله للخروج من المازق الحضاري الراهن.

• التاريخ هو الذي يوضح ويشرح مراحل النهضه ودور النخب المؤهله لاحداث النهضه فالقراءه التاريخيه لنهضه اوروبا تثبت ان الخطوه الاولي لهذه النهضه كانت في ايجاد النخبه التي انتجت النموذج المعرفي الغربي الذي قامت عليه الحضاره الغربيه في العصر الحديث، والناظر في نهضه الميجي في اليابان 1868 م وما بعدها والتي قامت علي ايدي نخبه من الساموراي والتي انتجت نهضه وقوه يابانيه ناهضه اصبحت القوه الرئيسيه الاولي في شرق اسيا في مدي اربعين عامًا من بدايه العمل النهضوي الياباني.

• التاريخ اصبح من شروط تكوين المجتهد في الواقع المعاصر، فمن خلاله يفهم المجتهد السياق الخاص بالنص والبيئه التي نزل فيها وكيف فهمه الصحابه وطبقوه، ولا يستطيع ادراك عمل اهل المدينه كدليل واصل من الاصول علي سبيل المثال الا من خلال التاريخ، فالتاريخ اصبح من بعد فقدان حركه التواصل العلمي الاسلامي جزءًا من ادوات الاجتهاد لاننا الان بصدد احياء علمي جديد، حيث ان فهم النصوص وسياقاتها كان مبثوثًا في عمليه التعليم الشفهي لدي المسلمين والتي فُقدت الان بفقدان حركه التواصل العلمي.

• التاريخ له دور رئيس في تكوين الهويه وغرسها في النفوس، وقد استخدمه الغربيون في غرس الهويات المتخيله (كما يعبر بندكت اندرسون في كتابه “جماعات متخيله”) في شعوبهم، فمن خلال قراءه متعسفه للتاريخ ثبتوا الهويات القوميه لدي شعوبهم، وهذا ما فعله الرافعي ايضًا عند كتابته لتاريخ مصر حيث انه من خلال قراءه متعسفه للتاريخ عمل علي ترسيخ وجود روح وطنيه خامده علي مر العصور في مصر وظهرت علي يد محمد علي، وتجد مظاهر هذه القراءه المتعسفه للتاريخ في اللغه الجذابه التي يكتب بها التاريخ الاوروبي بل وابراز المراحل المضيئه في هذا التاريخ كالمرحله اليونانيه والرومانيه وفي نفس الوقت الاغفاء عن عشره قرون من الظلام عاشتها اوروبا في العصور الوسطي، بل تركز كثير من الكتابات الاوروبيه الحديثه الان ان هذه المرحله لم تكن كلها ظلام بل كان فيها اضاءات حضاريه، ثم التركيز علي المرحله الحديثه في التاريخ الاوروبي وابراز التفوق الحضاري والهيمنه الغربيه وكانها نهاية التاريخ. وفي المقابل للتاريخ اهميته القصوي في ترسيخ هويه اصيله كالهويه الاسلاميه في نفوس المسلمين.

• للتاريخ دور رئيس في تكوين الوعي الجمعي لدي الشعوب تجاه حاله الصراع مع الامم الاخري كالترويج لمركزيه اوروبا في التاريخ والحضاره، وهي النظره التي كانت لها اثار سلبيه خطيره علي كل المؤرخين في انحاء العالم من اعتماد هذه المركزيه، وان بقيه الشعوب عاله علي هذه الحضاره الاوروبيه رغم ان الشواهد التاريخيه المتكاثره تدحض هذه النظره كما بين ذلك جون هندرسون في كتابه (الجذور الشرقيه للحضاره الغربيه)، وايضًا ترويج الاوروبي لافكار معينه عن الشعوب الاخري كقولهم مثلًا ان الافارقه لم يكن لهم يومًا حضاره وانهم ليسوا مؤهلين لاي انجاز حضاري؛ مما يبرر ما يسمي (عبء الرجل الابيض) ودوره في نشر الحضاره بين هذه الشعوب من خلال استعمارها وللاسف في بلاد المسلمين يستخدم التاريخ كاذكاء للعواطف او الدروس الوعظيه ولم يفهم دوره الخطير بعد في تكوين الوعي الجمعي للمسلمين تجاه الصراع مع الغرب وهيمنته الادراكيه والماديه علي بلاد المسلمين.

• يُظهر التاريخ المظاهر الحضاريه للامم، وبالتالي لا بد من قراءته حضاريًّا سواء في النواحي السياسيه او الاجتماعيه او الاقتصاديه او العسكريه، بحيث يتكون لدي القارئ الوعي بالحضاره وضرورتها ومراحلها.

واستكمالًا للفائده، لا بد من الانتباه لعده امور عند القراءه في المراجع التاريخيه الحديثه:

• لا بد من الحذر من الاستغراق في الماضي والعيش فيه والانعزال عن الحاضر وهي حاله نفسيه وعقليه قد تصيب المؤرخ او القارئ للتاريخ وهي تؤدي به الي الانعزال عن الواقع وعدم القدره علي التعامل معه، وهي حاله اصابت الاسلاميين عند قراءتهم لسير السلف، فينقل افعال السلف للواقع حرفيًّا رغم ان افعال السلف ليست حجه ولكن الحجه هي فهم السلف.

• لا بد من الحذر من (خلط الازمنه) وهو فهم سياقات تاريخيه معينه في مرحله زمنيه معينه في اطار ظروف اخري في مرحله زمنيه اخري، كما يفهم البعض مثلًا ظروف مصر في العصر العثماني المملوكي في اطار قيم الحداثه وظهور القوميات وفهم تاريخ مصر في هذا الاطار حيث هنا ننزل مفاهيم حادثه خاصه بعصر متاخر علي عصور اقدم لم تكن فيها هذه المفاهيم، حيث كانت الهويه اسلاميه وليست قوميه، ولا نستطيع مثلًا لفهم طبيعه شعب اقليم معين كمصر ان ننقل كلام المقريزي او غيره عن الشعب المصري في زمنه ونقيم تعميمًا علي الشعب المصري بناءً علي ذلك حيث ان الشعوب تتغير خصائصها باختلاف الازمنه والعصور والظروف والمؤثرات التي تمر عليها.

• لا بد من ادراك غياب القيم تمامًا (العقديه او الشرعيه او الاخلاقيه) عن التقييم التاريخي للمؤلفات الحديثه، وهذا ناتج عن الفلسفه الحاكمه لمنهج البحث التاريخي الحديث وهي الفلسفه الوضعيه لاوجست كونت والتي تنفي اي دور للقيم في التقييم العلمي، اضف الي ذلك مبدا النسبيه عند الحداثيين والذي يجعل الامور كلها من حيث التقييم نسبيه وبالتالي فالاخلاق مثلًا نسبيه، فلا يصح التقييم بها عندهم.

• لا بد من ادراك ان الاشكال في تفسير التاريخ في المراجع الحديثه لا يتوقف عند الفلسفات المعروفه من ليبراليه او ماركسيه او غيرها، وانما قد يكون المؤرخ لا يتبني ايًّا من هذه الفلسفات ويعتمد فقط علي الوثائق وما تنتجه ولكنه لتكوينه الثقافي العلماني بنشوئه في المجتمعات العلمانيه الحديثه، اصبح يفهم التاريخ في اطار قيم الحداثه، والمحاولات الجاده التي تخالف هذا النهج – ورغم انها انتجت نتائج علميه مبهره – كدراسه تيموثي ميتشل (استعمار مصر) او دراسه خالد فهمي (كل رجال الباشا) والتي خرجت من اطار ادوات الحداثه الي اطار ادوات ما بعد الحداثه كمفهوم السلطه الانضباطيه وادواتها عند فوكوه وتفكيكيه ديريدا للغه.

وحتي دراسات نيللي حنا لتاريخ مصر العثمانيه او دراسه بيتر جران (الجذور الاسلاميه للراسماليه) والتي خرجت بنتائج ايجابيه مختلفه عن المعتاد في المدرسه الاكاديميه التاريخيه المصريه فيما يتعلق بمصر العثمانيه، هي ايضًا تتعامل في اطار قيم الحداثه ومشكلتها ليست مع الحداثه وقيمها وانما ان الحداثه بدات مبكرًا في تاريخ مصر العثمانيه، وهذا لا ينفي قيمه هذه المؤلفات وفائدتها.

ما سبق بيانه من محاذير وتنبيهات يبين لك حجم الاشكال الحضاري الذي يواجه المسلمين بالنسبه لعلم التاريخ، فلا يوجد لدينا منهج بحثي تاريخي خاص بنا، ولا يوجد مؤلفات تاريخيه تدور في اطار النموذج المعرفي الاسلامي، بل لا يوجد لدينا رؤيه متكامله لفهم التاريخ حتي الان، وان كانت هناك محاولات كمحاوله اسامه حميد في مقدمه موجز تاريخ مصر وما قدمه مالك بن بني في كتاباته عن الحضاره والنهضه وعماد الدين خليل في كتاباته عن القوانين التاريخيه.

فالمسلمون يعانون في الحقيقه من نوعين من الهيمنه:

هيمنه ادراكيه: سواء من الافكار العلمانيه من ليبراليه وماركسيه وفوضويه وغيرها، او سيطره النموذج المعرفي الغربي بادواته البحثيه واقتراباته المنهجيه علي العلوم والمعارف، او انتشار قيم الحداثه وثقافه الاستهلاك بين عموم المسلمين.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل