المحتوى الرئيسى

وليد فكري يكتب: في حضرة التاريخ (3)

06/04 10:21

“ونفس وما سواها.فالهمها فجورها وتقواها”

“مولاي يحاكم بشرا لا الهه”

ايزيس تخاطب اوزوريس في محكمه الالهه.. روايه “امام العرش” نجيب محفوظ.

تقليد روماني، حيث اعتاد الرومان في مواكب تكريم القاده ان يوقفوا وراء القائد المنتصر عبدا يهمس له بهذه العباره، كلما تعالت هتافات الجماهير.

“عناصر التاريخ ثلاثه: المكان والانسان والحدث”

د.قاسم عبده قاسم “قراءه التاريخ”

الانسان هو الموضوع الاهم لكتب التاريخ.. هذه معلومه ينساها للاسف كثير ممن يتناولون الشخصيات التاريخيه قراءة وكتابة وبحثا، فتراهم اما يقدمون هذا الشخص او ذاك كإنسان كامل او ملك منزل من السماء، او في المقابل قد يخسفون به الي سابع ارض فيصورونه كشيطان مريد.

وكلا الطريقتين تحمل انفصالا عن الواقع الذي يقول ان الانسان-اي انسان- هو نفس بشريه بها من الخير والشر، ومن المميزات والعيوب ما بها، والنفس البشريه اعمق واوسع من الا تحتوي سوي الخير او الا يحتويها الا الشر.. بالتالي فان الشيطنه او الملائكيه هي نظره غير ناضجه للانسان كاعقد مخلوقات الله.

المفترض بمن يتناول شانا مهما كالتاريخ ان يعي ذلك ويراعيه.

مما يؤخذ علي بعض كتاب التاريخ انهم لا يراعون ما سبق في كتاباتهم.. في المقال السابق ذكرت د. علي الصلابي وتناوله لشخصيه محمد علي باشا كمثال، فقد افرد الكاتب فصلا كاملا من كتابه “الدوله العثمانيه” لذم محمد علي الي حد ربطه بالماسونيه ومؤامراتها المزعومه، اما كتابه “الدوله الزنكيه”، فقد جاء معظمه في شكل ما يمكن وصفه بالغزل والتعظيم والتفخيم للقائد الزنكي نورالدين محمود بن عماد الدين زنكي، فالحديث عن هذا القائد والحاكم لم يتناول سوي مميزاته وانجازاته ومناقبه بلا ادني ذكر لايه سلبيات او اخطاء او نقائص طبيعيه التوفر في اي انسان بلا استثناء  كجزء من الطبيعه البشريه.

ونورالدين وان كان بالفعل قائدا عظيما ومثالا يحتذي للحكام، الا انه في النهايه انسان، علي من يتناول سيرته الا ينفي عنه القابليه للوقوع في الخطا او الاتصاف ببعض العيوب اسوه بكل بني البشر، اما تقديمه كنموذج مثالي فهو مما يضر بالتاريخ وبقارئه، واحتجاج من يؤيدون طريقه د. الصلابي بانه يريد ان يقدم للقراء القدوه والمثل الاعلي مردود عليه بان من اهم اسرار عظمه اي انسان متميز، هو تحديه سلبياته ونقاط ضعفه البشريه وتغلبه عليها، بالتالي فان فصل انسانيته عن سيرته انما هو في حقيقه الامر انتقاص غير مقصود من قيمته.

ساعطيكم مثالا بسيطا ربما بدا للبعض هزليا، الا انه يعكس واقعا جماعيا: لو قارننا بين شعبيه كل من شخصيتا سوبرمان وباتمان للاحظنا ان هذا الاخير يحظي بالشعبيه الاعلي لسبب بسيط، هو انه انسان به نقاط للضعف يمكن النيل منه من خلالها، الا انه يتحداها ويخوض معاركه عالما بها، بينما سوبرمان كائن خارق خال -تقريبا- من نقاط الضعف الجسديه، بالتالي فان بطولته ناقصه لعلمه ان مساحه الخطر عليه بسيطه.

من نفس المنطلق قد يتساءل القاريء: مادام هذا الشخص كاملا، فما الذي يستحق الاعجاب فيه؟

ومثال اخر، في كتاب المؤرخ الفارسي الصوفي القديم فريد الدين العطار “تذكره الاولياء” يقص علينا سير بعض الائمه واولياء الله الصالحين -قدس الله سرهم- فيصورهم لنا اشخاصا كاملين، بل يجعلهم يفوقون الكمال البشري الطبيعي، حتي لتخرج تصرفاتهم وردود افعالهم ومواقفهم عن الطبيعي من البشر، فلا تراهم يغضبون او ياسفون او يعتريهم ما قد يعتري البعض من مشاعر وانفعالات السخط او الياس او الاحتداد، وهو بذلك يسيء من حيث اراد ان يحسن، فمثل ذلك التقديم الخيالي لانسان يجعل القاريء المتشكك يفقد الثقه في مصداقيه الكتاب التاريخي، او يدفع القاريء -سهل التصديق- للشعور ان “الاسلاف” كانوا نماذجا خارقه علي كل منا ان يتشبه بها والا فقد خاب وخسر!

من ناحيه اخري، يحدث العكس.

فعلي سبيل المثال،  نشبت منذ فتره “خناقه” بسبب تناول شخصيه السلطان صلاح الدين الايوبي.. السبب كان مقالا في “المصري اليوم” يتحدث عما وصف بالجانب الاخر من سيره صلاح الدين، مثل قمعه الفاطميين واستيلائه علي ممتلكات الازهر وعدم استكماله تحرير فلسطين من ايدي الفرنجه، في المقابل قام محبو القائد الايوبي بـ “التصدي” لما وصفوه بالتطاول عليه، فهاجموا المقال لا من زاويه قصوره التاريخي ولا من ناحيه اجتزائه الاحداث، لكن من منطلق انه يمثل اعتداء علي رمز تاريخي.. وبحق الله! كم نالت صناعه الاصنام/الرموز التاريخيه من علم التاريخ بالسلب!

ولسنا هنا في موضع للحديث عن تحليل وتفسير مواقف صلاح الدين، لكن ما يهم هو ما قام به الجانبان من تناول للتاريخ من زاويه واحده، فكما قام كاتب المقال بشيطنه الشخصيه، فقد تناولها المدافعون من منطلق ملائكي ينزهها عن الخطا.. وهكذا تفرق دم الموضوعيه التاريخيه بين القبائل!

من المفهوم والمقبول والصحي ان تختلف النظرات والرؤي والتقييمات للاشخاص التاريخيه، لكن علي منطلق المختلفين ان يرتكز لقاعده من الموضوعيه والدقه والعقلانيه والسعي بصدق لتقديم الواقع التاريخي كما هو لا انتقاء ما يخدم الانحياز الفكري او وجهه النظر المعده مسبقا.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل