المحتوى الرئيسى

عن الصحافة والاستبداد، في ذكرى اغتيال سمير قصير

06/03 11:38

قبل 10 اعوام كامله، وفي العاشره وخمس واربعين دقيقه صباحاً، انفجرت سيّاره في حي الاشرفيه البيروتي بعبوه ناسفه زرعت اسفلها، فاودت بحياه صاحب السياره، الصحافيّ والكاتب اللبناني، الفلسطيني، السوري: سمير قصير.

كان ذلك ضمن سلسله من عمليات الاغتيال السياسي التي شهدها لبنان، واذا كانت تلك العمليات التي تناولت اهل السياسه والصحافه بشكل خاص، اعادت الي الاذهان صور الحرب الاهليه، فانّها اعادت ايضاً للصحافه اهمّيتها التي ظُنّ بانها تلاشت منذ ان استبدت في البلدان العربيّه سلطه "القائد الاوحد".

من حيث المبدا، لا يستقيم الاستبداد وقول الحقيقه، ذلك انّه لا يمكن ان يعترف لا باخطائه، ولا باصحاب الراي المختلف. واذا اردنا للاستدلال علي هذا، الرجوع الي القرن العشرين، فاننا سنجد الصوره الاوضح لحقيقه الخصومه بين الاستبداد والحقيقه، في واقعه السادس من مايو عام 1916، حينما نُصبت اعواد المشانق بامر من "جمال باشا السفاح" في كل من دمشق وبيروت لعدد من السياسيين والكتاب والصحافيين والشعراء، جرّاء مناهضتهم الاحتلال العثماني، ما جعل البلدين يعتبران هذا اليوم عيداً للشهداء حتي الان.

لم تنته دلائل الخصومه في لبنان، فبعد الاستقلال، وفي الساعه الاولي من يوم الثامن من شهر مايو عام 1958، دخل مسلّح الي مكتب "نسيب المتني" رئيس تحرير جريده "التلغراف" The Telegraph انذاك، ونقيب المحررين السابق، ليطلق النار عليه فلقي مصرعه، بعد ان كان لاعوامٍ صوتاً جريئاً في وجه السلطات. وذلك منذ ايام الرئيس بشاره الخوري، الذي استقال رضوخاً للراي العام عقب اضراب استمر لثلاثه ايام استجابهً لدعوه المتني عام 1952. ظلّ المتني محافظاً علي نهجه، ووقف بصلابه في وجه حكم الرئيس كميل شمعون الي حين اغتياله؛ ما اشعل ثوره 1958 في لبنان، ويتّهم باغتياله انصار شمعون.

في 16 مايو عام 1966، اغتيل قلم صحفي كبير اخر، هو كامل مروّه، مؤسس جريده الحياه، والتي بداها من غرفه في مبني جريده النهار. كان مروّه واحداً من ابرز الصحافيين واشجعهم انذاك، ولعلّ هذه الصفات تجلّت في العنوان الذي اختاره لمقالاته في جريده الحياه: "قل كلِمتَكَ وامشِ". اسس الراحل اضافه الي جريده الحياه جريدتي "ذي ديلي ستار" The Daily Star  و"بيروت ماتان" Beyrouth-Matin، وكان من الذين لهم فضل كبير في ترسيخ حيويه العمل الصحفي العربي بابتكارِه اسلوب المقال الافتتاحي القصير. ظل مروّه من المدافعين عن قول الحقيقه في الحقبه الناصريه التي وان تجادل كثرٌ علي صواب خيارتها السياسيه، لم تكن في الحقيقه سوي "حقبه مخابراتيه". وكان ان دخل شاب ناصري يدعي "عدنان سلطاني" الي مكتب مروّه واغتالهُ فيه.

جاءت الحرب الاهلية اللبنانيه بعد ذلك، وحملت معها استمرار الصراع واستهداف مجموعه جديده من الصحافيين، ابرزهم  "سليم اللوزي"  و"رياض طه". ففي الرابع من مارس 1980 اغتيل الصحافي سليم اللوزي، الذي كان معروفاً بموقفه المناوئ للنظام السوريّ بعدَ احتلاله لبنان. اللوزي، مؤسس "جريده الحوادث" عمل بدايه كاتباً للتمثيليات الاذاعيه في اذاعه الشرق الادني عام 1944، ثمّ في مجله "روز اليوسف" في مصر، قبل ان يعود الي لبنان ويتابع عمله في الصحافه المكتوبه في جريده "الصياد"، وبعدها في جريده "الجمهور الجديد"، كما عمل مراسلاً لمجلّتي "المصوّر" و"الكواكب". خلال الحرب الاهليه انتقل اللوزي الي لندن هرباً من تهديدات متكرره طالته واسرته، ثمّ قرر العوده الي لبنان ليشارك في تشييع والدته، فاختُطف علي طريق المطار وعُثر علي جثّته مشوّهه بشكل فظيع بعد ذلك بايام.

في 23 يوليو من العام نفسه، جاء دور "رياض طه" نقيب الصحافيين اللبنانيين حينها، حيث اطلق مسلحون عشرات الرصاصات باتجاه سيارته في بيروت، وكان "رياض طه" من الصحافيين البارزين في الشرق الاوسط، واسس مجموعه من المؤسسات الاعلاميه كاخبار العالم، والبلاد، والكفاح، وهو صاحب السبق بانشاء اول وكاله انباء رسميه عربيه "انباء الشرق". كان "طه" من الاصوات التي تدعو الي الاعتدال ونبذ الخلافات، وعُرف عنه انه صاحب مبادرات للتوفيق بين اطراف النزاع في لبنان اثناء الحرب، الامر الذي من المتوقّع انه ادّي لاغتياله.

انتهت الحرب اللبنانية اخيراً، لكنّ الصراع بين الصحافه وسلطه الاحزاب - العصابات لم ينته، ففي العام 2005، عادت الاغتيالات لتتصدر المشهد، وكانت البدايه مع سمير قصير، صاحب المقالات اللاذعه والجريئه، التي كانت - اضافه للدور المحوريّ الذي لعبه في صياغه ما سُمّيَ انذاك انتفاضه الاستقلال - السبب البارز لنزع حياته بشكل وحشيّ. لكنّ قصير لم يكن الاخير، ففي 12 ديسمبر  2005، اغتيل الصحافي "جبران تويني" الحفيد، بتفجير سياره مفخخه اثناء مرور سيارته في منطقه المكلّس.

يعتبر تويني احد اهمّ الاسماء التي ناهضت "عهد الوصايه" السوريه علي لبنان، وهو سليل عائله اعلاميّه عريقه، فجبران الجدّ اسّس واحده من اكبر الصحف العربيه "جريده النهار" وكان من الاقلام البارزه انذاك، وتابع الاب "غسان تويني" المهمه بعد والده وبرز صحافياً وسياسياً ونائباً. لعلّ من المفارقات الجديره بالذكر انّ موقع جريده النهار اللبنانيه اثناء الحرب الاهليّه كان موقعاً فاصلاً بين جبهتي بيروت الشرقيه والغربيه، في شيء يشبه التاكيدَ علي الدور الحيادي الذي يجب ان تلعبه الصحافه في العالم، وهذا ما اكدته كلمات غسان تويني في تشييع ولده جبران حين دعي "الي دفن الاحقادِ مع ابنه".

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل