المحتوى الرئيسى

رشيد صوفي: موسيقى «كوباني»

06/03 10:50

كنت استمع الي كبار الفنانين في المراحل المبكره من عمري، قبل ان اتعرّف الي الفنان والملحن وعازف العود الكُردي رشيد صوفي في المرحله الثانويه من دراستي. عرفت لاحقاً انّه موسيقارٌ كلاسيكيٌ كبير ومشهور، وانه من ابناء مدينه «كوباني» الكُرديّه (شمال سوريا). اما جديده الفني فهو انه «لا يزال حيّاً يُرزق»، كما يقول عندما يساله احدهم «كيف حالك».

اغنيته الجميله والمثيره «خوزيا هيفي پـيك باتا نا» (لو تتحقّق امالنا) هي اول اغنيه له اسمعها. غنّاها اكثر من فنانٍ كُردي شاب، لكن لم يتمكن احدٌ من الوصول الي درجه الحزن والجمال اللذين يتميّز بهما صوت صوفي والحانهِ. هو من عشّاق الموسيقي، ومن روّاد العزف علي العود. سافر الي مصر للدراسه في كليه الشريعه. ومع انه متحدّر من عائله متديّنه ومحافظه (والده مفتي مدينته)، الا انّه تمرّد علي هذا كله، وعاد من مصر عازفاً علي الة العود وليس شيخاً. كان يُطلق اشاعات غريبه وكوميديه عن نفسه، للسخريه من الواقع الذي يعيشه.

من تلك الاغنيّه، ومن الامال التي يتمنّي رشيد صوفي ان تتحقّق، زاد حبّي له. صرت ابحث عن اغانيه في استديوهات حلب، حتي حصلت علي اعماله الكامله في البومين يحتويان علي 17 اغنيّه ومقطع واحد (عزف علي اله العود فقط)، اقتنيتها من استديو «بهار» (حيّ الشيخ مقصود ذو الغالبيه الكُرديه في حلب). اخبرني صاحبه انه صديقٌ له. صرت استمع اليه ليلاً نهاراً، حتي غابت اصوات الفنانين والفنانات جميعهم عن اذنيّ. استمع اليه طوال الوقت لاكثر من عام، من دون ان اسال احدهم اين هو، وكيف يعيش، ولماذا لا عمل جديداً له، هو الذي يُعدُّ من ابرز العازفين علي اله العود في سوريا وكُردستان والوطن العربي كلّه، كما انه مدرسه موسيقيه.

اسئله كثيره لم تكن تخطر ببالي قط. كل ما يهمني ان استمع اليه، قبل ان التقي ابن شقيقته فرهاد مسلم صدفهً في منزل احد اصدقائي. كنا نجلس انا واياه وصديقي في غرفه صغيره، حين رنّ هاتفي الذي كنت وضعت احدي اغاني رشيد فيه كنغمهِ رنين. سالني: هل تعرف من هو رشيد صوفي؟ اجبته: «لا»، قبل ان يقول لي انه خاله، فطلبت منه رقم هاتفه، لكنه اخبرني انه لا يعرف رقمه المحمول، وبحوزته فقط رقم هاتفه الثابت في منزله في «كوباني»، فاخذته. خرجت من منزل صديقي مستعجلاً، واتصلت به. لم اتخيل ان اتحّدث معه بهذه السهوله. ردّت عجوز عليّ، قائلهً انها والده رشيد، الذي كان في بدايه خمسينياته حينها. بعد لحظات، سمعتُ صوته عبر الهاتف للمره الاولي. قلت له: «انا من اشد المعجبين بك، فناننا الكبير. كيف حالك؟ كيف امورك؟». اجابني: «بخير. من اي قريه انت يا جوان؟». اخبّرته عن اسم قريتي، فصار يسالني عن مشاهيرها من السكاري، كوننا من مدينه واحده، حتي انهيت المكالمه وانا اضحك، بينما كان يدعوني الي زيارته.

بعد اشهر علي تلك المكالمه زرتُه. وصلتُ الي منزله بعد ساعتين. اتصلت به لاعلمه بوصولي. اسال عن بيته، فارشدني احدهم اليه. بعد طرقات قليله علي الباب، خرج بشعره الطويل والكثيف وهو يرفعه عن وجهه كي يراني: «هذا انت؟ جوان. اهلاً بك». الباب اصفر اللون. مشينا حوالي خمسه امتار في فسحه البيت الصغير، ثم دخلنا الي غرفته. تلفزيونٌ قديم علي يساره مفتوح علي «قناه العربيه»، وعودٌ قديم مُعلّقٌ علي الحائط، وكاسات الشاي، وعلبه القهوه. السجاد مفروش علي الارض، بالكاد يمكنك ان تميّزه عن البلاط، وخزانه مليئه ومزدحمه بالكتب. رايتُ هذا كلّه بينما كان يسالني عمّا اذا كنتُ اشرب الشاي؟ «احبّه ثقيلاً». قدّم لي سيجارهً من «الحمراء» الطويله التي لا يُدخن سواها. شربتُ الشاي في ضيافته. مساحه غرفته متران بمتر ونصف المتر. غرفه صغيره ورطبه ودافئه.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل