المحتوى الرئيسى

الشعر العربي لا يخلو من الخمر والكأس

06/01 12:03

لم تنل الخمر ومجالسها في الشعر الغربي، الحظوه التي نالتها في الشعر العربي، ولعل ذلك يرجع لسببين، الاول: تحريمها في الاسلام، والتشديد علي عقاب شاربها في ايات متعدده، والامر الثاني يرجع الي شيوع اللهو والغزل في المجتمع العباسي، وذلك في القرنين الثاني والثالث للهجره.

بالاضافه الي ان الشاعر الغربي لا يشكو من عقده اللوم علي شرب الخمر من ابناء مجتمعه، وليس من همه ان يتحدي الناس بالشراب، لان بيئته لم تحرمها، ولم تكن كتلك البيئه التي عاش فيها ابونواس، او البيئه التي عاش فيها الخيام، حيث ظهر شعر الغزل والتغني بالخمر واضحا في الشعر العربي في ذلك الوقت.

يتحدث شوقي ضيفا في كتابه "الفن ومذاهبه" عن غرق الناس في المجتمع العباسي، في القرنين الثاني والثالث للهجره، الي اذانهم في الحضاره الفارسيه الماديه، وما يطوي فيها من غناء وخمر، وذلك ظهر في شكل ثوره عارمه علي جميع التقاليد العربيه.

ومن اشهر الشعراء الذين تغنوا بالخمر ومجالسها، ابونواس وابوالعتاهيه والحسين بن الضحاك، حتي ظهر عنهم ذلك النوع من الشعر وبعد ذلك العصر بقرنين من الزمان، ظهر عمر الخيام في نيسابور عاصمه خراسان، واشتهرت رباعياته بمدح الخمر ودنانها وصفاء لونها ومجالسها وشاربها، ولكن علي طريقته، التي اختلفت عن طريقه الحسن بن هانئ او ابي نواس كما كان يلقب، فاصبح لكل من الشاعرين مذهبه او مسلكه في ذكر الخمر في الشعر، حتي اقر النقاد بمذهبين للتغني بالخمر في الشعر العربي، هما: النواسي، نسبه لابي نواس، والخيامي، نسبه للخيام

وهكذا اخذت الخمر الحظوه في الشعر العربي، فهذا امير الشعراء احمد شوقي، ينظم فيها اجمل بيت قيل في وصف صفاء الخمر: "خف كاسها الحبب.. فهي فضه ذهب"، وله قصائد طوال في وصف مجالسها، حتي اطلق علي منزله اسم: "كرمه بن هانئ"، تخليدا لخمريات الحسن بن هانئ او ابي نواس، وذلك لاعجابه بشعره فيها، ولتخليد ذلك النوع من الشعر في الأدب العربي.

وجاء محمود طه وهو احد رواد مدرسه التي ارست اسس الرومانسيه في الشعر العربي في الخمر، لينقل الخمر الي الشعر العربي  المعاصر ببيته في قصيده الجندول: "مر بي مستضحكًا من قرب ساق.. يمزج الراح باقداح رفاق"، ووصفها بالنور المذاب في "ليالي كليوباترا": "اسمر الجبهه كالخمره في النور المذاب"، وايًا كان سلوك الشاعر العربي في وصف الخمر، خيامًا او نواسيًا، لا نستطيع ان ننكر الدور العظيم الذي لعبته الخمر في اثراء الشعر العربي.

وقد حدثنا شهاب الدين النويري في "نهايه الارب " احاديث طريفه عن الخمر واسماءها واخبارمن اشتهر بها ولبس ثوب الخلافه بسبها وما قيل فيها من جيد الشعر وما قيل في مبادره اللذات وما وصفت به المجالس وغير ذلك من هذه الطرف التي تصور لنا المجتمع العربي ومنهم "الوليد بن يزيد"  وقد اشتهر بادمانه الخمر حتي قيل ان احسن ما في شعره "خمرياته"  فقد عدّ بها اماما وقد تاثر بشعره ابو نواس واعتبره المثل الاعلي في قول الشعر ومما يروي عن الوليد، وهذا من اتهامات خصومه  انه اتخذ لنفسه في قصره بركه من الخمر كان يلقي نفسه فيها اذا طرب، ومن شعره الذي يصور نفسيته اجمل تصوير قوله:

خُذوا مُلكَكُمُ لا ثَبَّتَ اللَهُ مُلكَكُم  ..  ثَباتاً يُساوي ما حَييتُ قِبالا

ذَروا لِيَ سَلمي وَالطِلاءَ وَقَينَهً .. وَكَاساً اَلا حَسبي بِذلِكَ مالا

اَبالِمُلكِ اَرجو اضن اُعَمِّرَ فيكُمُ .. اَلا رُبَّ مُلكٍ قَد اُزيلَ فَزالا

وقد اقترن ذكر الاعشي الكبير "ميمون بن قيس”بشعر الخمر، فعدّوه اشعر شعرائها بين الجاهليين. اطإل ألاعشي في شعر الخمر وفصّل، وافتنّ في وصفها ووصف بيوتها وتصوير اثرها في النفس، وقدّم لنا صوراً دقيقه رائعه لمجالسها في بيئات منوعه متباينه، بعضها حضري مترف، وبعضها ريفي ساذج، واتسمت خمرياته بالسهوله والسلاسه والخلاعه وتدفق العاطفه، وكان موفقاً في اختيار القوالب الشعريه التي تناسب الفن.

وَكَاسٍ شَرِبتُ عَلي لَذَّهٍ   وَاُخري تَداوَيتُ مِنها بِها

لِكَي يَعلَمَ الناسُ اَنّي اِمرُؤٌ   اَتَيتُ المَعيشَهَ مِن بابِها

كُمَيتٍ يُري دونَ قَعرِ الاِني   كَمِثلِ قَذي العَينِ يُقذي بِها

كانت الخمريات اكثر فنون الشعر انتشارا بين شعراء الاندلس، وكانت عاده الشرب ان يجتمعوا علي الكؤوس في البيوت او الرياض او علي ضفاف الانهار، كالوادي الكبير وابره. ولم تكن مجالسهم مجرد اجتماعات للشراب، وانما اجتماعات ادبيه شعريه كذلك.

أهم أخبار فن وثقافة

Comments

عاجل