المحتوى الرئيسى

أميرة أبو شهبة تكتب: حلم الثورة المسلحة.. وعظة العشرية السوداء | ساسة بوست

05/31 22:27

منذ 34 دقيقه، 31 مايو,2015

الثورات المسلحه اصبحت هي حلمًا يراود المقهورين تحت نيران الظلم في بلاد لم تات الحركات السلميه فيها بتغيير يستمر؛ وبعيدًا عن التكهن بتحليلات مستقبليه فان الواقع يسرد لنا تفاصيل اكبر ماساه مرت علي دوله شبيهه التكوين بمصر.. انها الجزائر. في البدايه علينا ان نوضح مدي التشابه بين تكوين الدولة العميقة بالجزائر وبين مصر الان فهي من اشد الدول تشابهًا في بنيتها السياسيه وكيانها كدوله عتيده بجيش يعد مكونًا جوهريًا لتكوينها الحديث حيث يعتبر نفسه الأب الروحي للدوله وليس مجرد حامٍ لها!

ورغم ان بدايه الثوره كانت شبيهه بحلم التحرر من المظالم كاي ثوره او انتفاضه تقوم بين جنبات شعب مفقر مظلوم؛ لكن سرعان ما تحول الامر لصراع قوي ليس له علاقه بالمطالب الاولي للشعب؛ والتاريخ يؤكد ان اي دوله تعاني من استبداد وصراع ايديولوجي بين طرفين متناقضين ومتضادين الي حد التطرف تاتي نتيجته كارثه ضحيتها الحق والوطن والانسان.

كانت سنوات العشرية السوداء بالجزائر فبعد انتفاضه اكتوبر 88 وبدء القياده السياسيه في تحقيق مطالب الشعب الاقتصاديه؛ وقرار الرئيس (بن جديد) بدء التعدديه السياسيه والديمقراطيه؛ بدات الجزائر مرحله التسعينات تخرج فيها كل كوامنها كاي بلد خارجه من ثوره تحتاج لوقت كافٍ للتحول الديمقراطي والشعبي نحو دوله مستقره سياسيًا ومدنيًا، ووقتها اصبحت كل افكار الشعب محك التجربه وخرج علي السطح تمثيل سياسي لاحزاب اسلاميه لاول مره بعد التحرير من الاحتلال الفرنسي؛ حيث قام كل من (عباس مدني) و(علي بلحاج) بتاسيس جبهه الانقاذ الاسلاميه.

وكانت تؤمن بالاسلام السياسي وتؤمن بايديولوجيه دينيه لحكم البلاد وفي نفس الوقت متاثره الي حد بعيد بالثورة الاسلامية في ايران 79، ومنتميه لافكار سليمه منها واخري تسلطيه اعجبت بها كفرض الشريعه والحدود والحجاب ومنع المخالفين من التمثيل السياسي للبلاد ويتضح ذلك جليًا في علي بلحاج اكثر من مدني نفسه حيث له جمله كاشفه لرؤيته في احدي خطبه يقول: ((ان المصدر الوحيد للحكم هو القران واذا كان اختيار الشعب منافيًا للشريعه فهذا كفر والحاد حتي اذا كان الاختيار بنتيجه انتخابات شعبيه!)) وهنا يتضح مدي استقطابيه واحاديه فكرهم ورؤيتهم فاما نحن او لا احد واما ما يمثل رؤيتنا للاسلام السياسي والا فلا انتخابات! ونفس الفكر كان في خصمهم اما ان تاتي دوله متفرنسه شيوعيه علمانيه تعادي الاسلام والا فلا انتخابات! وهكذا كانت الجزائر فريسه بين قطبين اقصائيين!

فكيف بدات العشريه السوداء؟! كانت ارهاصات تلك السنوات هي بدون شك الفوز الساحق للجبهه الاسلاميه للانقاذ في الانتخابات الحره الديمقراطيه حيث كان هذا الامر صادمًا لباقي التيارات ومنهم الجيش الجزائري الذي لم يتحمل تلك النتيجه فهي دولته التي تصور انه يملكها لا احد سواه! وهنالك تدخل كبار جنرالات الجيش.

بعد 4 سنوات من اصلاحات (الشاذلي بن جديد) للتعدديه السياسيه والاصلاح الاقتصادي بالبلاد ليعلن له الجنرالات نيتهم في الغاء نتائج الانتخابات ولكنه رفض ببطوله رافضا اخلاله بوعوده لانتفاضه اكتوبر 88 فابي الجنرالات الا اخضاعه واجبروه علي الاستقاله في 11 يناير 1992! والغوا نتيجه الانتخابات الديمقراطيه بجولتها الاولي التي فازت بها من قبل جبهه الانقاذ الاسلاميه؛ ومضوا مستخدمين مكانه الجيش في كيان الدوله الذي هو يعد عمودها الفقري ومؤسسها، معتقدين في عظمه محاربين حرب التحرير ليكمموا الافواه متوهمين ان اتيانهم بمناضل كبير كـمحمد بوضياف رئيسًا للمجلس الاعلي للبلاد سينهي الصراع المحتمل والمنحني الكارثي الذي تتجه له الجزائر بسرعه الرياح.

وتسارعت الاحداث وقاموا باعتقال اكثر من 30 الف من جبهه الانقاذ، وفُقد الالاف من مناصريهم في الصحراء الكبري تحت وطاه الاخفاء والتعذيب والاعتقال. واستكمالا للامعان في الغباء وسد كل الخيارات اغلقوا باب اي تعدد سياسي او منفذًا لابناء الاسلام السياسي مؤيدين بجيش له تاريخ نضالي ولَّي عهده وحاضر فاسد طل بقبحه، مسيطر علي قيادته جنرالات مجانين يعلون مصالحهم فوق مصلحه الوطن واراده اهله.

عندئذ اعتبرت جبهه الانقاذ افعال الجيش هو اعلان حرب علي الجبهه والاسلام! وقرروا البدء بالرد بحرب عصابات بكل الوسائل. وكعاده الحركات المسلحه تتولد منها حركات اخري اشد تطرفًا ولا ضمانه لثبات فكرها او عداله هدفهم ولا سيطره علي افراد تلك العصابات؛ حيث تختلف مدارس فقه الجهاد وعندما تملك عقيده وسلاحًا فلا احد له سلطه عليك بل القصاص له سطوته التي تنتهي عند دوران عجله الدماء وتتولد منه الثارات والفجائع من حيث لم يلق له المعتدلون بالًا ولا يستطيعون ايقافها او تصويبها نحو الهدف المحق مهما حاول ذلك القيادات.

وسرعان ما انضم للقتال ضد الجيش تنظيمات اخري غير جبهه الانقاذ الاسلاميه؛ وكانت اشد تطرفًا وتتسم بعدم السيطره علي اتباعها من مسلحين. ورغم ان الهدف الرئيسي كان قوات الجيش والشرطه الاّ ان الامر امتد لابعد من ذلك باميال، حيث جاءت حقبه مظلمه بدات رسميًا في 26 اغسطس 1992 حيث قررت جماعات مسلحه اغتيال رموز مدنيه للحكومه وحركه اغتيالات شعبيه غير مسبوقه ولان جبهه الانقاذ الاسلاميه كانت علي درايه بعقائد (الخوارج) ومدي مصائبهم في تاريخ الاسلام وفي اجهاض اي ثورات عادله ولان الجبهه اكثر اعتدالا في توجهها الديني والسياسي قامت علي الفور بادانه تلك الاغتيالات والعنف ضد المدنيين والاجرام في حق من لا يستحق ولكن قد فلت العيار وبدا قطار الكراهيه والعنف والفوضي في الانطلاق باقصي سرعه ولم يستطع احد ايقافه !

ومرت الثوره المسلحه بكوارث ومذابح ضد الجيش والامن والمدنيين من الشعب من جهه وضد الاسلاميين وانصارهم من جهه اخري؛ حتي تلونت الارض بلون الدماء وتناسي الجموع هدف الثوره نفسها عندما ضاعت الاوطان!

وعاشت الجزائر 10سنوات كامله في دمار وخراب وبحر من الدماء اقل ما يوصف به انه ابشع ما يمكن ان يحدث لوطن بالعالم. وبعد كل ذلك الجنون والاقتتال اتجهت كل الاطراف نحو المصالحه الوطنيه! بل اعقد من ذلك فقد عادت الجزائر راضيه ومؤيده لحكم الجنرال الجديد بوتفليقه المستمر الي الان! ولم تلبث جبهه الانقاذ حتي تجردت من السلاح نهائيًا واصدر الرئيس بوتفليقه عفوًا عامًا عن المسلحين في شتي الانحاء. وفي 2002 قتل عنتر زوابري زعيم الجماعة الاسلامية المسلحة وتم تفكيكها واطلق سراح مؤسسي جبهه الانقاذ؛ لتصبح نتيجه الارض المحروقه بالثوره المسلحه هي العوده لما قبل اكتوبر 88 لا بالحريه والحقوق بل باشياء اخري اهمها حكم بوتفليقه بـ85% من الاصوات!

واستمرار مصالح النخبه المتفرنسه وجنرالات الجيش فلا نال الشعب لليوم رفاهيه او عداله او حتي اسلامًا! بل المؤكد انه اصبح يتنفس الخوف من اي معارضه او عواقب ان يتمرد بقول (لا). واليقين الذي لا يقبل تشكيك احد انه بعد 10 سنوات حرب وثوره وسلاح كانت النتيجه ان خضبت الجزائر بدماء 45 الف مسلح اسلامي متطرف ومعتدل، وقتل 6 الاف شرطي، واستشهد اكثر من 100 الف مواطن مدني، واعتقل واختفي عشرات الالاف، وخسر اقتصاد الجزائر اكثر من 22 مليار دولار!

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل