المحتوى الرئيسى

الكتابة فى زمن الهيستريا

05/31 09:00

الكتابه متعه وسلطه ايضا. تبدا في الكتابه فتتخيل انك امتلكت ناصيه الحلم، تعتقد للحظات ان الجميع يقرا لك حكومه وشعبا، مؤيدا ومعارضا، تسرح بخيالك احيانا فتتخيل شخص بعينه يقرا لك، فتبدا في مخاطبته بسطورك وكانك تتحدث معه. تاخذ قسطا من الراحه فتسرح بخيالك وتسال نفسك: هل انا امن؟ ينشر لك مقال فيحوز اعجاب البعض واستنكار البعض الاخر فتحاول مدفوعا برغبه الشهره ان تمسك العصا من المنتصف فتخسر الجميع وفي المقدمه تخسر مصداقيتك بالطبع. الكتابه في اوقات الهيستريا اصعب بكثير، لانك تحتاج الي طاقه مضاعفه لمواجهه اراء لا تتوقف عند حد انتقادك، وهو امر مقبول بالطبع، ولكن تصل الي حد تخوينك وسبّك باقذع الالفاظ اعتقادا انك تنتمي لمؤامره كونيه علي البلاد.

في الاونه الاخيره، قررت الغوص بشكل اكثر عمقا في خلفيات واراء هؤلاء المخونين دائما وابدا. وجدت ان معظمهم شخصيات حقيقيه وليسوا لجانا الكترونيه كما يعتقد البعض. المؤلم انهم يعتقدون بالفعل فيما يقولون، افهم ان خصما سياسيا او فكريا يقوم بتشويهي لاغراض مختلفه، لكن المؤلم ان هؤلاء بالفعل مدفوعون بالخوف والهيستريا الحقيقيه علي مستقبل البلد. ومن هنا فتجاهلهم والترفع عما يقولون ليس بالضروره القرار الحكيم. احاول في هذا المقال التفاعل مع الاراء المعارضه بقسوه احيانا وبتخوين في احيان اخري، لعلنا نتمكن من ترشيد الموقف المحتقن.

يتساءل احد الزملاء الاعزاء، هل هذا وقته؟ يقصد هل هذا وقت الانتقاد؟ اليس من الافضل ان نقف بجانب دولتنا وهي في هذه الظروف العصيبه؟ فارد: مصر والمنطقه العربيه طوال الوقت في اوقات عصيبه واستثنائيه، هذا قدرنا وقدر منطقتنا، فهذا احتلال يستمر سنوات، وهذه حرب عالميه وتلك دوله تعلن قيامها علي انقاض جيوشنا العربيه وهذه ثوره تحول مصر من ملكيه الي جمهوريه، ثم عدوان ثلاثي وتاميم وحرب في اليمن، فهزيمه عسكريه ثم انتصار يحرر بعض الارض ثم عقد كامل لاستعاده باقي الارض ثم ازمات اقتصاديه وتصاعد موجه الارهاب وحرب الخليج الاولي والثانيه ثم احتلال العراق ثم ثوره تتراجع فثوره جديده فتفويض ففض اعتصامات فارهاب.. الخ. فمتي نكتب اذن؟ لو توقفنا عن الكتابه والنقد حتي تستقر الامور، فسنعيش حياتنا كلها اما مخروسين او منخرطين في زفّات التاييد والنفاق، فهل هذا هو المطلوب؟

يتساءل قارئ اخر، لصالح من تكتب؟ ولماذا تنشر «الشروق» مقالاتك الا لو كانت هناك صفقه خفيه او مصلحه ما؟ فارد، اكتب لصالح ما اعتقد انه صواب، قد يجانبني الصواب احياننا وقد اصيبه في احيان اخري. من الجنون اعتقاد ان كل قلم لابد وانه يكتب لصالح احد. لو صحت هذه الفرضيه فلنلغِ الكتابه فورا! اما عن «الشروق» فلا احد يعلم محتوي اي مقال اكتبه سوي قبلها بـ٤٨ ساعه لظروف التصحيح اللغوي والنشر في الطبعة الأولى، اكتب بشكل مستقل وعلي من يتهمني بغير ذلك الاتيان بالبينه.

تتساءل سيده ثالثه، الا تري سوي السلبيات الا يوجد ايجابيات؟ لا استطيع ان افرض راي علي الجميع، من حق كل شخص ان يبحث عن ايجابيات، وحينما اشرع في كتابه مقال لا اضع نصب عيني الموازنه بين الايجابيات والسلبيات، لكني اكتب عما اعتقد انه مصيري في تحديد مستقبل بلدنا. فعلي سبيل المثال، قد يكون هناك شارع تم اصلاحه او رصفه او اخلائه من العشوائيات وهو بالتاكيد ايجابيه، لكن السطر الذي ستستغرقه كتابه هذه الايجابيه اولي بها ان توجه الي سلبيه غياب البرلمان والتي اراها اكثر مصيريه في تحديد مستقبل مصر من مجرد اصلاح طريق مثلا.

بمناسبه البرلمان، عدد كبير من التعليقات تتهم من يكتب عن اهميته بالتنظير المنبت عن الواقع وان الواقع يقول ان الاحزاب ضعيفه والناس لا ترغب في وجود برلمان. والرد ببساطه ان الناس ضحيه ماكينه السلطه والاعلام والنخبه التي تروج لهذه المقولات فيقتنع بها الناس. هناك احزاب تقليديه وهناك احزاب ورقيه وهناك احزاب حقيقيه تريد العمل والمنافسه ولكنها محاصره. محاصره باعتقالات وقتلي في صفوف اعضائها، محاصره بخطاب اعلامي يحرض عليها ما لم تتبن خطاب السلطه، محاصره باجهزه امنيه ترفض اي حراك في الشارع او تفاعل مع الجماهير، فكيف ستعمل؟ ضعفها نتيجه وليس سببا اذن.

صحيح هل يمكن لدوله مثل مصر بها اميه وفقر وجهل وفساد وانحلال اخلاقي ان تشهد ديموقراطيه؟ اليس من الاولي ان نقضي علي هذه الموبقات اولا حتي نشهد ديموقراطيه؟ هنا نسال، منذ متي ومصر تعاني من فقر وجهل واميه وفساد؟ منذ ٤٠ عاما؟ ٥٠ عاما؟ اكثر او اقل؟ اذن لماذا لم تتغير مصر طوال هذه المده وبقيت هذه الموبقات علي حالها؟ مصر لم تكن ديموقراطيه، فلماذا انتظرنا خمسون عاما ولم نتغير حالا بل تدهور الحال بشكل افظع امام كل هذه المؤشرات؟ وهل لو انتظرنا خمسون عاما اخري بدون ديموقراطيه سنقضي علي الفقر والجهل والفساد؟ قطعا لا، بل سنكون في وضع اسوا من الان. الديموقراطيه ليست سياره فارهه او فيلا في مارينا نشتريها فقط بعد ان نشبع حاجتنا الاساسيه ولكنها شرط ضروري للقضاء علي هذه المشكلات، لانها تسمح بالتعدديه، بالحريه، بالنيابه الشعبيه، بتوازن السلطات، بالرقابه، بالمحاسبه والشفافيه...الخ.

بمناسبه الحديث عن الديموقراطيه هل يمكن ان ندافع عن الديموقراطيه بينما نحن لم نبني الدوله من الاساس؟ اليس من الواقعيه ان نبني دوله اولا ثم نتحدث عن الحقوق والحريات والتعدديه كما قال منظرو العقد الاجتماعي؟ اتعجب حينما يصدر مثل هذا الكلام من دارسي السياسه، هل صحيح ان دولتنا ذات الـ ٧٠٠٠ عام مازالت تُبني؟ وهل نظريه العقد الاجتماعي (وهي نظريه افتراضيه بالاساس) تحدثت عن الدوله الضاربه بجذورها في التاريخ التي قد تتعرض لبعض المحن ام عن الدول التي مازالت قيد الانشاء في القرن السادس عشر؟ هل مصر الان في مرحله ما قبل المجتمعات حقا؟ ثم الم يحدث تطور في نظريات التحول الديموقراطي منذ اربعه قرون؟ اين نظريات الموجه الاولي للديموقراطيه في القرن التاسع عشر؟ اين نظريات الموجه الثانيه للتحول بعد الحرب العالميه الثانيه؟ والموجه الثالثه في سبعينيات القرن المنصرم وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي؟ تاريخ ٧٠٠٠ سنه يتم القفز عليه ببساطه؟ نظريات التحول التي اخذت من علماء السياسه ما يقرب من قرنين لتطويرها لتعبر عن واقع التجارب العالميه يتم تخطيها هكذا لتبرير تاجيل الديموقراطيه ومواصله القمع والشموليه؟

الا ترون الارهابيين؟ هل نصالحهم؟ هل نتغاضي عن افعالهم؟ هل نتحدث عن حقوق الانسان لبشر يقتلوننا ويفجرون جنودنا ويغتالون رجال داخليتنا؟ الحقيقه اننا نري وندين ونترحم وندعو علي الارهابيين ومن والاهم او دافع عنهم، لكننا ناخذ خطوه للامام ونقول لا تصالحوا الارهابيين ولكن صالحوا القانون. ما هو السبيل نحو ايقاف الارهاب والقضاء علي اسبابه؟ نعتقد ان المواجهات الامنيه مهمه بلا شك ولكنها غير كافيه وحدها وتحتاج الي مواجهات فكريه وظروف اقتصاديه، وبيئه سياسيه مغايره للبيئه التي نعيش فيها. ومن هنا فبعد الادانه والتعاطف والترحم علي شهداء الوطن لابد من ان نبحث عن حلول لايقاف دائره العنف، وهذا ما نقوله. استقلال القضاء مع مراعاه الحقوق المدنيه والجنائيه للمشتبه بهم والمتهمين واخضاعهم لمحاكمات عادله هو عين تحقيق الامن القومي المصري وايقاف دائره العنف في مصر لا العكس.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل