المحتوى الرئيسى

عن الناس في إيران

05/30 22:50

اعطِ ايرانيًا قبرًًا لرجلٍ مجهول، وسيحوِّله الي مُتحفٍ وحُسينيّه وبُستان. سيُحوِّله الي محطّهٍ مُتوهِّجه ابدًا لبثّ الوعي التاريخي بالامه، وجنّه يرشف فيها لذّات الحياه، وبقعهٍ يُعِد فيها العُدَّه للموت! وقد كان علي عزت بيغوفيتش، رحمه الله؛ يري ان هذا النوع من البشر هم الاكثر حكمه وروحانيّه، وتطرُّفًا؛ هؤلاء القادرون علي الجمع بين النقيضين: الاستمتاع حتي الثُماله، والمعاناه بصورهٍ سرمديّه. ورُبّما كان هذا الثراء الدرامي هو ما يزيد تركيبيّه الوجدان الايراني، ويجعل سبر غوره رحله محفوفه بمخاطر سوء الفهم والتقدير؛ خصوصًا اذا تزوَّدت لها بمُعطياتٍ ايديولوجيه مُسبقه، وافتقدت القدره علي تذوّق خصوصيّتها. 

وقد تجاورت هذه المتناقضات الانسانيّه طويلًا في ايران، وتعايشت بشكلٍ طبيعي. الحضور العميق والمتاجج لثقافه الشهاده، ومصدره اخلاصُ الوجه لله وصدق تولّي النبي وال بيته؛ جنبًا الي جنب مع القدره علي الاستمتاع بملذات الحياه، لدرجه المجون في بعض الاحيان. واذا كانت المُدن الدينيه، مثل مشهد وقُم؛ هي التي تُشكِّل الوجدان الديني والاخروي، فان اثرها كان اكثر عُمقًا واوسع نطاقًا برغم جمال الطبيعه وثرائها، اللذان يجذبان الانسان الايراني، بقوّه؛ للتمتُّع بما رُزق. لكن عناصر الحضاره الاستهلاكيّه قد اضفت بُعدًا لا انسانيًا علي هذا النزوع الانساني الفطري، كما حدث في كُل بلدان العالم الاسلامي التي غزتها هذه الحضاره البغيضه؛ حتي صارت المدن العلمانيه/الحديثه معامل تفريخٍ لايديولوجيات لا تُعادي مظاهر الدين فحسب، بل تُعادي تركيبيه الانسان ايضًا. واذا كان التجاور السلمي لنزعتين انسانيتين، العبوديه لله والاستمتاع بما احله؛ امرٌ ممكن في الانساق الحضاريّه التقليديه، فقد جعلت الحداثه من هذه الممارسه، والتصور الكامن خلفها؛ اسطوره بدائيّه يتعيّن تقويضها. ذلك ان اعدي اعداء الايديولوجيه الاستهلاكيه العلمانيه هي التركيبيه الانسانيه والخصوصيّه الحضاريّه، والثراء النفسي والوجداني الذاتي، وهي الباقه التي يُمكن اعتبارها احد اهم معالم تفرُّد الشخصيّه الايرانيّه التقليديه، خصوصًا ما قبل التحديث. ان الايديولوجيه الاستهلاكيه تريد انسانًا فارغًا مجوّفًا يُمكن ملئه باي شيء، ويُمكن بالتالي التحكُّم فيه وتوظيفه وتوجيهه بسهوله. واذا كانت العلمنه في تعريفنا نزوعًا انسانيًا طبيعيًا يتولَّد من اخلاد الانسان لمتاع الدنيا، وتفلُّته من حاكميه الشرع الذي حدد له وظيفه دنيويه واضحه؛ فان العلمانيّه الاستهلاكيّه اكثر قسوه وشراسه ولا انسانيه، ذلك انها تفرض علي الضحيّه علمنه شبه اجباريّه لا تنتُج فحسب عن ثقله الانساني المتعيّن، وغلبه شهواته واخلاده المؤقت الي الارض في لحظات استسلامه لها؛ بل تُكرّس هذه الحال من الضعف بمحاصرته خلالها لئلا يستفيق منها؛ فيظل مُستعبدًا لشهواتٍ تتقاذفه بتوجيه هذه الايديولوجيه اللعينه، وذلك من خلال مؤثّرات دعائيّه مُتغلغله في كل تفاصيل حياته.

 واول درسٍ يجب للمرء تعلُّمه من ثقافه هذا البلد العريق؛ هو: انك فقط حين تتعلَّم كيف تموت؛ ستتعلم كيف تحيا. فالايرانيّون يعشقون الحياه، كما يحتفون بالموت ويُقدِّسون الشهاده. وهم رومانتيكيّون حالمون حتي لتحسب ان ارجلهم لا تمسّ الارض ابدا، فاذا هُم عمليّون وبراغماتيّون ايضًا بذات الدرجه. يعشقون الطبيعه الغنيه التي وهِبت لهم، ويُجيدون الاستمتاع بها الي حدّ التوحُّد معها احيانًا (وفي ذلك يتشابه الوجدان الايراني المثقل بالتاريخ مع الوجدان الامريكي المعادي للتاريخ). وهي القدره التي لا يزول بها اغتراب الايراني المسلم داخل الطبيعه في اكثر الاحيان، لتظلّ ذاته مُنفصله ومُتصله بذات الوقت؛ يُعاني الانفصال عن الطبيعه/الماده قبل ان يفرح بالاتصال بها، ليُنتج شعره العميق وموسيقاه الشجيّه ولطميّاته الحارّه المؤثره، والمحمّلين بثروهٍ وجدانيّه لا تنضُب.

وفي هذا البلد المحيِّر تتنافس المقابر والحدائق علي التكاثُر. وجنبًا الي جنب تتجاور اﻵن صور الشهداء، واعلانات السلع الاستهلاكيّه؛ لينمو من جراء ذلك وعي مُلتبِس مشوَّش. وعيٌ جديد يركن غالبًا للسلع الاستهلاكيه؛ مُستثقلًا الشهاده، وان اعجبه ذكرها بعض الوقت. لهذا؛ يعتبر بعض المفكّرين الايرانيين المعاصرين ان لحظه انتصار الثوره الاسلاميّه في ايران، وبناء التشيُّع لدولته "الحقيقيّه" تحت نائب الامام؛ هي عين لحظه هزيمه التشيُّع امام نفسه. لقد هُزمت الحركه الاحتجاجيّه الموّاره برفض الواقع (المنافي لايديولوجيتها) امام نظام دولتها المحافِظ الراغب في الاستقرار، والذي يبغي الحفاظ علي مُكتسباته الدنيويه وواقعه "الجديد" (الذي يُعيد تشكيل الايديولوجيه). لكن عناصر الثقافه الدينيه (والمرتبطه بالمذهب) لم تُهزم هزيمه نهائيّه، ولا يُمكن هزيمتها كُليًا في المدي المنظور؛ فهي تُمثِّل جُزءا محوريًا، كامنًا عميق الغور في اللاوعي؛ من منظومه الاشباع الروحي سهل الاستدعاء (ناهيك عن حضوره الكثيف في كل تفاصيل الحياه)، والذي يُعوِّض الفراغ الذي تتسبب به الحضاره الاستهلاكيّه. ذلك انه ثمّه مواقف في حياه الانسان يكون فيها مُجرّد التفكير في الموت؛ موقظًا للرغبه ومُخرجًا للروح الانساني من حاله الخِدر الشامل، كما يذهب بيغوفيتش.

ولا يقتصر تغلغل هذه الثقافه علي مواكب عزاء الائمه وذويهم، والتي تُقام في المدن الدينيه فحسب؛ بل تمتد الي ربط شهداء ال البيت في الوعي الجمعي بشهداء حرب الخليج الاولي والعدوان البعثي (المدفونين علي سبيل المثال في "بهشت زهرا" جنوب طهران)، ويزداد ثراء الشبكه الوجدانيّه بضم كبار المراجع المدفونين حول السيده فاطمه المعصومه في قُم (امثال: بروجردي، طباطبائي، مطهري، منتظري) وعوام اهل مشهد المدفونين تحت مرقد الرضا عليه السلام، وتتسع دائره التاثير لتضُم عشرات الشعراء والاولياء والعلماء المدفونين في شتي انحاء ايران. هذه الشبكه الهائله، التي تُغطي جُلّ ايران تقريبًا؛ تجعل الشهاده، كاسمي صور الفعل الديني؛ احد المفردات الحاضره دائمًا وبقوّه في الوعي الجمعي، حتي وان انفصلت احيانًا عن مصدرها الديني، وتمّت علمنه محتواها. 

ومن المؤشرات اللافته علي الاثر العميق لاليات بناء الوعي التاريخي الايرانيه/الشيعيّه، حتي في النُخب العلمانيّه؛ ما ذكرته المحاميّه والناشطه الشهيره شيرين عبّادي في مذكّراتها عن الحوادث الممهده للثوره. اذ تذكر ان بعض رسائل الامام الخميني المسجَّله صوتيًا، والتي كانت تصل مُهرَّبه وتستنسخ باﻵﻻف؛ وجَّهت الايرانيين للصعود فوق اسطح منازلهم جماعات في تمام التاسعه مساء كل يوم، ليهتفوا: الله اكبر. وقد مثَّلت هذه الطريقه احد اليّات التصعيد وتعبئه السخط الشعبي، بغير تعريض الجماهير لمواجهه رصاص الشاه في الشوارع. وتُعلِّق عبَّادي علي ذلك قائله ان هذا التكتيك قد كشف مدي نجاح الخميني في العزف علي وتر العاطفه الدينيه للجماهير، ابّان حملته ضد الشاه. وتُضيف انها هي وزوجها قد خرجوا باخلاص تام مع الخارجين، برغم اختلاف انتمائهم الايديولوجي. بل ان ابواها، اصحاب الخلفيّه القوميّه؛ خجلا من عجزهما عن مشاركه الجماهير فوق الاسطح؛ فكانا يُكبِّران مُطلّين من احدي نوافذ منزلهما.

ومن المؤشرات الاخري المهمّه علي تغلغُل مُفردات الوعي التاريخي الذاتي (بعناصره المختلفه) في وجدان الايرانيين؛ عدد النُسخ التي تُباع في ايران من منظومه "شاه نامه"، لشاعر الفُرس الاكبر ابو القاسم الفردوسي؛ والتي تصل الي الف نُسخه يوميًا في المتوسِّط. هذا عدا ما يُباع من اعمال الشُعراء اﻵخرين المؤثرين بشكل واضح في تكوين الوجدان الايراني، الشعري بطبيعته؛ وعلي راسهم حافظ الشيرازي. وبرغم ذلك؛ يشكو الايرانيون، خصوصًا اهل القلم والعاملين في صناعه النشر؛ من ضعف الاقبال النسبي علي الكتب والقراءه، بسبب الانترنت والثقافه الاستهلاكيه؛ ومن اتخاذ الشباب لمعرض الكتاب السنوي مطعمًا ومُلتقي للعشاق.

والايرانيّون يُحبّون اﻷجانب كما يُحبّ ممثل المسرح جمهوره. وايًا كان الانتماء الايديولوجي للايراني؛ فعنده ما يستعرضه لينتزع تصفيق الجمهور. فمثلًا ان كان علمانيًا، وغلبت عليه النعره القوميّه؛ راح ينبش الارض عن عظام جاهليّه ايران، ليستعرضها في فخرٍ اجترّه اسلافٌ له في الشعوبيّه. وان كان اسلاميًا، وتهمَّشت عنده النعره القوميّه الي حدٍ ما؛ راح يستعرض معالم حضاره الاسلام وانجازات ايران الثوره، ويرفعها جميعًا الي سلفٍ من عُلماء المسلمين الذين تحدّروا من ذات القري. وهو في كل حالٍ فخورٌ بنفسه وبلده، ويري فيها رائدًا وقائدًا؛ في جاهليّتها واسلامها. وهو يتعامل بمنطق التعالي هذا مع غيره من شعوب العالم؛ خصوصًا العرب المتحلِّقين حول الخليج الفارسي. اذ يعتبرهم العلمانيّ اعرابًا ادني منه منزله وحضاره، ويعتبرهم الاسلامي انتكاسه لمسيره الاسلام وحركته في العصر الحاضر. ولهذا؛ يعجز الايرانيون عن بناء علاقات ثقافيّه حقيقيّه مع جمله العرب، ومع جيرانهم الخليجيين علي وجه الخصوص، وان ازدهرت علاقاتهم الاقتصاديّه (البراغماتيّه) بشكلٍ واضح.

وثمّه بعض الاستثناءات في نظره الايراني للشعوب العربيه، لعل اهمّها رؤيته لمصر واهلها. اذ يخضع العلماني لتفوّق حضاره مصر القديمه علي حضارته، التي يُباهي باعوامها الالفين وخمسمائه؛ ويقبل من ثم باهليه المصريين للتفوق والقياده. علي الجانب الاخر؛ ينظر الاسلامي الي مصر باكبار ومحبّه، باعتبارها بلد الفكر والعلم والقياده، التي تجاوزت الخلافات الطائفيه/المذهبيه الي افاق الاسلام الرحبه. هذا ناهيك عن احتضان مصر لمراقد ال البيت النبوي الكريم، وحب المصريين وتوليهم لذريه النبي المعصوم، صلي الله عليه وسلم. وعلي سبيل المثال؛ لا توجد تقريبًا اسماء شوارع او احياء اجنبيه في ايران، بمعني ان التسميات عندهم تقتصر غالبًا علي ال البيت والشهداء والعلماء الايرانيين والشيعه بوجه عام، وقد تمتد لتشمل بعض اسماء اعلام الفرس في الجاهليه. وربّما كان من الاستثناءات القليله لذلك هي تسميه بعض شوارع طهران باسماء اعلام المصريين؛ مثل: الشيخ عبدالحميد كشك، والشهيد سليمان خاطر، والشهيد سيد قطب، والشهيد حسن البنا.

وهذا المستوي من التعميم في تقصّي نظره الايرانيين لمصر لا يعني بالضروره ان الواقع بهذه الحديه، فثمه نسبه كبيره من اللامبالين، باي شيء وكل شيء؛ عدا الاستهلاك واللحظه اﻵنيه. لكن هذا المستوي من التعميم والاختزال هدفه فهم العناصر الرئيسه في هذه الرؤيه، والتي تتركَّب احيانًا من مزيج من المدخلات تختلط فيه الدوافع الشعوبيّه مع الدوافع المذهبيه؛ لتُنتج خطابًا دولتيًا مُعاديًا في لحظات الحاجه. لتبقي النظره الايرانيه لمصر واهلها ايجابيّه في مجملها، خصوصًا في الاعوام الخمسه الاخيره. وهذا يجعل مصر هي البلد المسلم الوحيد تقريبًا، القادر حقيقه علي احتواء ايران وتخفيف غلوائها، ان توفّرت له قياده حكيمه، وهو امر يبدو بعيد المنال في الوقت الحالي.

صحيح ان اردوغان وصحبه قد ابدوا حكمه في التعامُل مع الايرانيين، الا ان تاريخ المنافسه القديم بين البلدين يحد من قدره تركيا علي احتواء الجموح الايراني بشكل فعال، فديباجات الصراع بين العثمانيين والصفويين وخلفيّاتها التاريخيه، السياسيه والمذهبيه؛ يسهُل استدعائها لتُفسد كل شيء في لمح البصر. لتبقي مصر هي البلد الوحيد الصالح، نظريًا؛ لبناء علاقات ثقافيه وسياسه واجتماعيه صحيّه مع ايران؛ علاقات تدمج الاخيره في صف الامه بغير تمييز.

لكن هذه الامكانيه النظريّه لا تُعطِّلها السياسه الخليجيه والتياسه المصريّه فحسب، بل يُكبّلها ان الايرانيين عمومًا لا يثقون بالاجانب بسهوله، وقد لا يثقون فيهم ابدًا؛ بغض النظر عن مشاعر التقدير او الحب التي قد يحملونها نحو شعب من الشعوب. اذ تتحكَّم في الوجدان الايراني ما يُمكن تسميته ب "عقده الاقليّه"، التي تغذّت علي الحصار وخطاب المظلوميه والتامر؛ مما يجعل الايرانيين غير قادرين حقيقه علي تجاوز كثير من الحواجز النفسيّه واللغويّه والمذهبيّه والسياسيه، لتطبيع العلاقات الثقافيه مع الكُتله السنيّه-العربيّه الاكبر. وهذا الرُهاب من الذوبان لا تُشكِّله ظروف موضوعيه حقيقيه، فحقيقه الامر ان العرب هم الطرف الاضعف في المعادله حاليًا. ورغم ذلك؛ يُفضِّل الايرانيون بناء علاقاتهم الثقافيه الحقيقيه مع الاقليات الشيعيه والجاليات الايرانيه والمتشيّعين الجُدد، بل وحتي مع بعض الفرق الشيعيه التي يعتبرونها ضالّه؛ عن بناء مثل هذه العلاقات مع عرب سُنّه، ليبدو هذا الرُهاب كانه تفضيلٌ لتدفُّق الخطاب في اتجاهٍ واحد يُرسِّخ التقوقعٌ في خندق الخصوصيه المذهبيه والثقافيه، خوفًا من ذوبانها في الكتله الاكبر من العالم الاسلامي.

واحد اهم المؤشرات علي استحكام هذه العُقده، برغم الانفتاح الثقافي الايراني الواضح علي الغرب؛ هو الموقف المُتزمِّت لاكثر اهل الحوزه العلميّه من كتابات علي شريعتي، ومثقفين حداثيين اخرين؛ باعتبارها كتابات "مُنحرفه" ومليئه بالاغلاط، ومن ثم تكريس قدر من القطيعه مع مُنتجها ومُستقبلها، برغم انها تحظي بشعبيّه عريضه في العالم السُنّي؛ فالمؤلف خارج علي السرديّه الرسميه، والقاريء مُتلقٍ ل"ضلالات غير مُنضبطه". وهو موقفٌ نفسي اكثر منه معرفي، وهو في ذلك يُشبه كثيرًا موقف الازهريين من سيّد قُطب. هذا التغاضي عن الامكانيّه التوحيديه الكامنه في فكر شريعتي، المتجاوز للمذهبيه الي حدٍ ما؛ ليس استثناءا، بل هو القاعده في تعامل الايرانيين (خصوصًا المتديّنين) مع الشان الثقافي، فهم يُفضّلون "جسورًا" يعبر عليها الحوار من جهه واحده؛ مُتحولًا الي مونولوج او خطاب بالمعني الذي قصده ميشيل فوكو، وهذا احد علامات تلازُم الثقافي والسياسي في مذهب الاماميه، الذي نشا اصلًا كمذهب كلامي.

في حضره الايرانيين لا يُمكن ان تعرف تحديدًا ما الذي يجعلك تُحبُّهم، برغم تمام وعيك بعيوبهم وتحيُّزاتهم الصارخه؛ اهو الشجن المعلَّق في الهواء والمعطَّر بالزعفران، والذي يسعي بعضهم لتجاوزه نفسيًا بالانغماس في اللذائذ الحسيّه والمجون الزائد عن الحد؟ هل يمسّ هذا الشجن جوهرًا انسانيًا ما بداخلنا، شيئًا لا نستطيع له توصيفا؛ ايُمكن لنا في هذا المقام استحضار احد ابيات نزار: ان الانسان بلا حُزنٍ ذكري انسان؛ هل يُفسِّرُ هذا البيت شيئًا يقبله العقل؟ لماذا يكتسب كل شيء طعمًا مُختلفًا في ايران؛ الفاكهه والخبز اليومي وطعام الطلبه الفقراء وحتي الشاي؟ ولماذا يسري الحزن في كل ربوع ايران، برغم الابتسامات والضحكات والنكات وشدّه الاحتفاء بالحياه؟ لماذا ينضح الوجدان الايراني بهذا الشجن حتي لتراه عيني الزائر في كل لفته وتتنسّمه انفه في كل همسه؟

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل