المحتوى الرئيسى

حدود جديدة للتطور الدارويني

05/30 16:52

كانت الاختراقات التي تحققت مؤخراً في فهمنا للاليات الجزيئيه سبباً في احداث ثوره في العديد من مجالات علم الاحياء (بيولوجيا)، بما في ذلك بيولوجيا الخليه وبيولوجيا التطور. لذا فليس من المستغرب ان تزودنا هذه التطورات برؤي قيّمه في مجال بيولوجيا التطور ايضا، بما في ذلك الادله التي تدعم النظريه شبه المحايده للتطور الجزيئي والتي وضعتها عام 1973.

وكما هي الحال في عالَم العلوم عاده، فان كل اكتشاف في مجال بيولوجيا التطور يثير من التساؤلات بقدر ما يجيب من التساؤلات. والواقع ان مجال عملي يمر الان بواحده من اكثر الفترات ديناميكيه في تاريخه الذي امتد 150 عاما.

علي مدي قرن من الزمان تقريباً بعد نشر تشارلز داروين كتابه "اصل الانواع"، كان العلماء يعتقدون ان الطفرات الجينيه محكومه بعمليه مشابهه لتلك التي وصفها مؤسِس نظريه الانتقاء الطبيعي. وكانت الفكره تتلخص في ان الافراد الذين يتمتعون بمتغيرات جينيه متفوقه، اكثر قدره علي البقاء والتكاثر وتمرير جيناتهم، مقارنه باولئك الذين لا يتمتعون بمثل هذه الجينات. ونتيجه لهذا فان الطفرات الضاره سرعان ما تختفي، وتنتشر الطفرات النافعه الي ان يحملها جميع افراد النوع.

وكان من المتصور ان التغيرات التطوريه -بما في ذلك المورفولوجيه (المتعلقه بالشكل والهيئه)- تاتي نتيجه لتراكم وتوزيع الطفرات النافعه، وان التركيبه الوراثيه لمجموع افراد النوع اقرب الي التجانس، في ظل قِله نادره من الطفرات العشوائيه التي تخلق الاختلافات بين فرد واخر.

جاء اكتشاف الحمض النووي "دي.ان.اي" لينقض هذه النظريه، وبعدما اصبح ممكنًا تحليل التركيبه الجينيه للافراد، بات من الواضح ان هناك قدراً اكبر كثيراً من التغاير بين افراد النوع مما توقعت نظريه التطور السائده. والواقع ان الافراد يمكن ان يتمتعوا بسمات مماثله ولكن تسلسلاتهم الجينيه مختلفه للغايه، وبدا هذا كانه يتعارض مع مبادئ الانتقاء الطبيعي.

وكانت احدي المحاولات الاولي لضبط ومواءمه النظريه بالادله هي تلك التي اقترحها زميلي الراحل موتو كيمورا، الذي افترض وجود طفرات محايده: متغيرات جينيه ليست نافعه ولا ضاره للفرد، وبالتالي فانها لا تتاثر بالانتقاء الطبيعي.

وقد فحص كيمورا معدل التغير التطوري للبروتينات وعَرَض النظريه الحياديه للتطور الجزيئي عام 1968. والواقع ان نظريته -التي اعتبرت ان التغيرات التطوريه علي المستوي الجزيئي لا ترجع الي الانتقاء الطبيعي، بل الانحراف الجيني العشوائي- قدمت تفسيراً جيداً للتباين الجيني الذي اكتشفه الباحثون.

وكانت نظريه كيمورا بسيطه وانيقه، ولكن تصنيف الطفرات في فئات متميزه نافعه، او حياديه، او ضاره، بدا بسيطاً للغايه في اعتقادي، فقد اظهر عملي ان الطفرات الحديه -وهي تلك التي تخلف تاثيرات ايجابيه او سلبيه ضئيله للغايه- قد تكون بالغه الاهميه في دفع التغيرات التطوريه. وكانت هذه الرؤيه بمثابه الاساس للنظريه شبه الحياديه للتطور الجزيئي.

ان انفجار البيانات عن الجينوم وعلم وراثه مجموع افراد النوع في القرن الحادي والعشرين لم يكن داعماً كبيراً لنظريتي التي توصلت اليها قبل 42 عاما فحسب، بل كشف ايضاً عن مجالات جديده واسعه من الابحاث. علي سبيل المثال، توسعت معارفنا حول بنيه ووظائف البروتينات الي حد كبير من خلال اكتشاف عمليات الطي الديناميكي. ومن المعتقد ان هذه العمليات توفر المرونه للكيفيه التي تقوم بها البروتينات بوظيفتها، علي النحو الذي ربما يكون مرتبطاً بطفرات شبه محايده.

التحديات الاكثر اثاره للاهتمام في بيولوجيا التطور هي تلك المحاوله لتحديد الاليات الجزيئيه للتعبير الجيني والتي تدفع التطور في الشكل والهيئه. ويمر هذا المجال بعمليه اكتساب فهم افضل لمجموعه من الانظمه المعقده داخل الخلايا الفرديه. وتشكل هذه الانظمه علي المستوي الجزيئي صميم علم التخلق، ودراسه التغيرات في الوظيفه الوراثيه والتي لا يمكن تفسيرها من خلال الاختلافات في تسلسل الحمض النووي.

ان علم التخلق يشكل اهميه بالغه لفهم العلاقه بين التركيبه الجينيه او النمط الجيني، وبين السِمات التي يمكننا ملاحظتها فعليا. ففي الكائنات الحيه العليا -مثل البشر- يتحكم في العمليات التخليقيه ماده الكروماتين (ماده توجد في نواه الخليه وتشكل الكروموسومات اثناء الانقسام الخلوي)، وهي عباره عن مجمع من الجزيئات الضخمه داخل الخلايا يتالف من الحمض النووي والحمض النووي الريبي.

وتتشكل الطريقه التي يعمل بها الكروماتين بدوره وفقاً لعوامل وراثيه وبيئيه، الامر الذي يجعل من الصعب فهم طريقه عمله. ولكن هذه الجزيئات الضخمه السريعه التطور والكثيره التغير تستحق الدراسه المتانيه، لانها ربما تكون السبب وراء بعض الامراض التي تصيب البشر.

ويتمثل عامل اخر في العلاقه بين التركيبه الجينيه والسمات التي يمكن ملاحظتها في الطريقه التي يمكن ان يطرا بها تعديلات علي البروتينات، فعلي سبيل المثال يمكن ان تعمل البروتينات او تتوقف عن العمل، وبالتالي تغيّر وظيفتها ونشاطها. ويبدو ان هذه العمليه -مثلها كمثل اشكال اخري من التعبير الجيني- مدفوعه بتركيبه من العوامل الفطريه والبيئيه.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل