المحتوى الرئيسى

صادق الشيخ عيد يكتب: إستراتيجية العمل التركي القطري المشترك في الإقليم | ساسة بوست

05/30 04:32

منذ 47 دقيقه، 30 مايو,2015

تهدف هذه الورقه الي تسليط الضوء علي حجم العمل التركي القطري المشترك في الاقليم لا سيما بعد اندلاع ثورات الربيع العربي مع الوقوف علي دوافع ومحددات هذا العمل المشترك الذي جاء كنتيجه حتميه لتطور العلاقه الثنائيه بين تركيا وقطر الممتده لعقود من الزمن والتي تحولت في السنوات الاخيره الي شراكه استراتيجيه في كافه المجالات القت بظلالها علي عملهما المشترك في الشرق الاوسط.

وقد خلصت الورقه الي ان حجم النمو الكبير للبلدين علي كافه الصعد السياسيه والاقتصاديه والعسكريه خلال الاعوام الاخيره عزز من حضورهما في الاقليم حيث سعتا لتحقيق اكبر قدر من المكاسب وهو الامر الذي دفع بتركيا وقطر لتنسيق جهودهما في عدد من الملفات الاقليميه ومن ابرزها الملف السوري والذي حظي باهتمام كبير من البلدين.

ليس من الغريب او المفاجئ ان نري التواؤم والتناغم الكبير بين السياسات التركيه والقطريه في ملفات الاقليم الشائكه والتنسيق عالي المستوي بين الجانبين في عده قضايا في الشرق الاوسط.

وللوقوف علي حجم التعاون التركي القطري ينبغي النظر في حجم وتاريخ العلاقه الثنائيه بين الجانبين وانعكاساتها علي سياستي البلدين الخارجيه وحجم المصالح المشتركه في بيئه اقليميه شديده التقلب تتداخل فيها مصالح اقليميه ودوليه، حيث شكل الشرق الاوسط ولعقود من الزمن محط انظار واطماع الدول الكبري ناهيك عن جود اسرائيل.

وبالعوده الي الوراء وبالنظر في تاريخ هذه العلاقه التركيه القطريه نجد ان جذورها تضرب في التاريخ الي مئات السنين وتمتد الي عهد السلطان سليمان القانوني منذ عام 1538م عندما قام بسفره الي خليج البصره والتي سميت بالسفره السادسه.

ورغم ان العلاقه بين قطر وتركيا تاريخيه الا ان البلدين اقاما علاقاتهما الدبلوماسيه في مطلع ثمانينيات القرن الماضي. وهذا ما اكده رئيس الوزراء التركي – في حينه – اردوغان خلال افتتاحه لمقر السفاره التركيه في قطر بقوله: “لنا تاريخ مشترك يصل الي قرون، ونحن قد اعترفنا ببعضنا البعض سنه 1972م بصفه رسميه وافتتحنا سفارتي البلدين عام 1979م”.

غير ان العلاقه تطورت بشكل كبير بعد تولي حمد بن خليفه ال ثاني الحكم في قطر، حيث اصبحت تربط قطر وتركيا عده اتفاقيات مهمه ساهمت بشكل مباشر في تطوير العلاقات الثنائيه ومنها اتفاقيات حول منع الازدواج الضريبي وتطوير التبادل الاقتصادي وحمايه الاستثمارات بالاضافه الي التعاون في المجال العسكري. وقد شهد البلدان زيارات متبادله علي اعلي المستويات تضمنت زيارات لزعيميْ البلدين خلال العقدين الاخيرين.

وفي مطلع ابريل 1999م قام الرئيس التركي سليمان ديميريل بزياره لقطر حيث تم تشكيل لجنه مشتركه بين الشركه التركيه بوتاس والمؤسسه العامه القطريه للبترول للبحث في التعاون في مجال الطاقه. كما اسفرت زياره ديميريل للدوحه عن توقيع “بروتوكول تشاور” بين وزارتي الخارجيه في البلدين، الي جانب “تشكيل فرق عمل للبحث في اوجه التعاون المشترك”.

كما بحث ديميريل مع امير قطر قضايا اقليميه هامه منها الوضع في العراق، واشار الي ان انقره خسرت 40 بليون دولار بسبب توقف تجارتها مع العراق بسبب الحظر. كما لم تغب قضيه المياه المتنازع عليها اقليميًا عن اللقاء فقد قال ديميريل: “ان قضيه المياه لن يكون لها تاثير علي عدم الاستقرار في المنطقه”.

وبعد وصول حزب العداله والتنميه الي الحكم في تركيا اخذ بعدها مؤشر العلاقات بين الدوحه وانقره وتيره تصاعديه بصوره كبيره. حيث النمو الاقتصادي والتجاري الكبيران للبلدين والحاجه المتبادله في قطاعات الطاقه والاستثمارات والعقارات وغيرها والتي جسدت واقع العلاقات المتميزه والراسخه بين الدوحه وانقره وهي علاقات عميقه الجذور اساسها الدين والتاريخ.

وعلي سبيل المثال لا الحصر- فقد فازت شركه تركيه بعقد قيمته حوالي 4,4 مليار دولار لبناء خط للنقل استعدادًا لاستضافه الدوحه كاس العالم في 2022، حيث ان مشروع مترو الدوحه يعد اكبر مشروع تحصل عليه شركه تركيه في الخارج.

ومن تجليات متانه العلاقه بين قطر وتركيا مشاركه رجب طيب اردوغان رئيس تركيا الحالي ورئيس وزرائها السابق في اواخر عام 2013 في افتتاح مقر السفاره التركيه الجديد في قطر والذي تم بناؤها علي مساحه 12400 متر مربع وتم ذلك خلال سنتين وله طابع معماري تركي خاص، حيث قال في معرض حديثه عن العلاقات القطريه التركيه المتميزه: ان تواجد حوالي 60 شركه تركيه في قطر امر يسعدنا وان قيمه المشاريع قد بلغت 35 مليار دولار. واكد علي استمرار الاتصالات والمبادلات الثقافيه والبشريه بين البلدين، وقال انه علي سبيل المثال في سنه 2011 استقبلت تركيا 7600 سائح قطري، وقد ازداد ذلك في 2012 بنسبه 85 % ليصل الي 14 الف سائح قطري. بالاضافه الي استثمارات في مجالات كبري مختلفه.

ولعل لكل تطور سياسي في احد البلدين انعكاسات ايجابيه علي توثيق العلاقه لتصبح استراتيجيه بعد وصول رجب طيب اردوغان لقصر الرئاسه في انقره وتسلمه مهام رئيس البلاد يوم 28 اغسطس الماضي حيث تم انشاء مجلس اعلي للتعاون الاستراتيجي بين البلدين برئاسه امير قطر والرئيس التركي لبحث سبل تطوير العلاقات بين بلديهما. كما اكد الرئيس التركي استمرار العلاقات الوثيقه مع قطر في ظل رئاسته للجمهوريه واشار الي ان “رؤيه تركيا وقطر للمسائل الاقليميه تتقاطع بشكل كبير، وشهدت علاقاتنا الثنائيه تطورًا كبيرًا للغايه في السنوات الاخيره، كما انها اخذه في الازدياد”.

وقد توجت العلاقه بين الجانبين علي الصعيد الثقافي في اعلان العام الحالي 2015م العام الثقافي “قطر – تركيا 2015″. وفي كلمه لوكيل وزاره الثقافه والسياحه التركيه احمد هالوك دورسان، قال: “تعدّ الدوحه اللؤلؤه المتالقه في الخليج وتجمعنا بها علاقه وديّه منذ 500 عام، حيث تربطنا مع قطر علاقات سياسيه ودبلوماسيه واقتصاديه وان هذا العام سيشهد برنامجًا مثيرًا للغايه”، وتقدم فعاليات قطر- تركيا 2015 ضمن اربع فئات رئيسيه: الفن والثقافه، المجتمع والتعليم، الرياضه، الاعمال والتجاره”، لافتًا الي ان تركيا وقطر حليفان اقليميان وعالميان وسيكون هذا العام عامًا استثنائيًا لبناء الجسور بين الماضي والحاضر، مؤكدًا ان العام الثقافي فرصه لتقويه التعاون الوثيق والروابط التاريخيه للصداقه بين البلدين.

وللوقوف علي انعكاسات متانه العلاقه التركيه القطريه علي العمل المشترك للبلدين في الاقليم ناتي علي حصر عدد من اهم الدوافع التي تدفع البلدين نحو الشراكه في عدد من ملفات الشرق الاوسط ذات الاهتمام المشترك. وفي المقابل المحددات التي تحجم قدره البلدين علي التنسيق المشترك في الاقليم. ثم نصل الي تجليات العلاقه في ملفاتها المختلفه في الشرق الاوسط.

دوافع العمل المشترك في بيئه شديده التعقيد

يتضح جليًا مما سبق ان دوافع العمل المشترك بين تركيا وقطر كثيره وعلي صعد متعدده تدفع بالبلدين لتبني سياسات مشتركه، حيث يمكن تلخيص اهم هذه الدوافع في التالي:

لدي القيادتين التركيه والقطريه خلفيات اسلاميه وسطيه وطنيه اخلاقيه ينطلقان منها في عملهما السياسي في الاقليم؛ فالقياده التركيه المنتميه لحزب العداله والتنميه تتبني ايديولوجيا متقاربه الي حد كبير بايديولوجيا الاخوان المسلمين، الذين لهم حضور كبير وهام في البلدان العربية لا سيما بعد اندلاع ثورات الربيع العربي. الي جانب الدافع الاخلاقي الذي يتبناه الحزب الحاكم في تركيا تجاه المظلومين في العالم الاسلامي. اما قطر فتربطها ايضًا روابط وثيقه مع حركه الاخوان المسلمين العالميه، مع ان قطر تؤيّد رسميًا السلفيه وتتبنّي المدرسه الحنبليه في الفقه الاسلامي، التي يختلف تشديدُها علي الطاعه السياسيه للرعايا لحاكمهم اختلافًا جذريًا عن الطبيعه الشعبويه والنشطه للاخوان المسلمين.

وقد بدات هذه الروابط تتطوّر عندما هرب اعضاءٌ من جماعه الاخوان المسلمين من الاضطهاد في مصر في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، وفي سوريا في العام 1982، وقد ذهب العديد منهم الي قطر، ثم تطوّرت هذه الروابط لاحقًا مع الاخوان المسلمين حيث وسَّعت قطر روابطها مع الفروع الاقليميه للحركه، لكنها ابقت قبضتها محكمهً علي اي انشطه لهم في الداخل، ومن ابرز هؤلاء الدكتور يوسف القرضاوي رئيس رابطه علماء المسلمين بالاضافه لاخرين، وقد شكلت قناه الجزيره منبرًا للتعبير عن ارائهم بعد تاسيس القناه في العام 1996.

تركيا وقطر عززتا من نفوذهما في الاقليم لتحقيق مكاسب سياسيه تمهد لسيطره اكبر ونفوذ اوسع لهما في الشرق الاوسط ليشكلا بوابه العالم الي هذه المنطقه الحيويه والهامه حيث تتداخل المصالح الغربيه مع مصالح دول المنطقه. كما تسعي تركيا وقطر لكسب تاييد الشعوب العربيه والاسلاميه من خلال نصره القضيه الفلسطينيه والمظلومين في بعض البلدان العربيه، في ذات الوقت توطيد علاقتها ببعض الانظمه الحاكمه بما يخدم مصالحها.

ويتمتع البلدان بخواص وموقع يؤهلهما لنفوذ اوسع في الاقليم؛ فتركيا تشكل احد اكبر القوي الاقتصاديه والعسكريه في المنطقه وتتمتع بعلاقات جيده بالغرب. اما قطر فتتميز بامتلاكها قوه ناعمه مكنتها من التوسّط في المفاوضات غير المباشره واتصالات القنوات الخلفيه بين اعداء لداد، وعلي تحقيق التوازن في العلاقات بين مجموعه من الخصوم الذين تجمعهم عداوه متبادله، حيث تؤدّي قطر دورًا بارزًا كقناه خلفيه للتوسّط بين مجموعات قد يعجز المسؤولون الاميركيون عن الوصول اليها مباشره.

حيث تمتلك كل من تركيا وقطر اقتصادًا متناميًا بوتيره متسارعه في الوقت الذي تزخر فيه دول الاقليم بثروات كبيره وفرص استثماريه ضخمه يتطلع البلدان للفوز بها وهذا مرتبط الي حد كبير بقدرتهما علي المساهمه في تحقيق الاستقرار السياسي في دول الاقليم والحفاظ علي علاقات متينه بالانظمه الحاكمه فيها. كما تسعي قطر للوصول الي المواقع البارزه ذات التاثير في الاقليم اذ تبنّت البلاد سياسه خارجيه نشطه وحاولت نسج توازن بين مصالح متنافسه، بسبب حاجتها الي حمايه امن مواردها الطبيعيه وبشكل خاص الاحتياطي الهائل من الغاز الطبيعي المسال، وهي بحاجه لعلاقه متينه مع بلد كبير وقوي كتركيا. في المقابل تسعي تركيا لتامين احتياجاتها من الطاقه، الي جانب انها تشكل بلدًا ممرًا لامدادات الطاقه وهذا ايضًا يتطلب استقرارًا وعلاقات وثيقه مع دول الاقليم وفي مقدمتها قطر.

في خضم اندفاع البلدين لتنسيق جهودهما في الاقليم يعترض طريقهما عددٌ من التحديات والمحددات والتي تعيق مزيدًا من التقارب التركي القطري وتحد من قدره البلدين من التمادي في العمل الثنائي في الاقليم بما يخل بتوازنات القوي الاقليميه والدوليه، ومن ابرز هذه التحديات:

• قدره الانظمه الحاكمه في البلدين علي الحفاظ علي الاستقرار الداخلي واستتباب الامن والاحتفاظ بدعم شعبي كاف للاستمرار في الحكم.

• العلاقه مع ايران وتطورات الصراع السعودي الايراني في المنطقه حيث دعمت كل من قطر وتركيا السعوديه في اليمن، بينما تحافظ كل منهما علي مستوي من العلاقه مع ايران القوه الاقليميه الكبيره الممتده في الاقليم.

• حجم العلاقه التركيه الاسرائيليه والتي تدهورت الي ادني مستوياتها في السنوات الاخيره لا سيما بعد حادثه اسطول الحريه .

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل