المحتوى الرئيسى

عن صراعات المهاجرين وأبنائهم في كندا

05/29 15:22

للقصه التي رواها حسان، دلالات كبيره. اضطر الي مغادره المانيا، بعد قضائه ثمانيَ سنوات فيها. والسبب ان مشرفه في المدرسه حيث تدرس ابنته - ذات السته عشر ربيعاً - زارته في البيت وعرضت مشكله ابنته، واخبرته انها انطوائيه وليس لها الا صداقات محدوده مع فتيات، ولا تختلط بزملائها الفتيان علي الاطلاق. "ثمه مشكله ما ويجب ان نتعاون في حلّها"، قالت له. اخافه ذلك، فالاولاد والفتيات علي ابواب المراهقه ويخشي من ضياعهم في مجتمع غربي. عاد الي سوريا واقام سنوات قليله قبل ان يضطرّ مرغماً مرهً اخري ان يهاجر الي كندا بعد الزلزال السوري.

قلقٌ عميق يتعرض له عدد كبير من العرب والمسلمين في اوطانهم الجديده ويعبّر عن نفسه بشكل جليّ. مبعث القلق هو صعوبه الاندماج في عمق وتفاصيل ثقافه اخري، يعتقد كثيرون انها تتصادم مع ثوابتهم الثقافيه والفكريه والاخلاقيه التي تربّوا عليها. هذه الهزه العميقه تحضر دائماً عبر "صور مرعبه" نمطيه في كثير منها، مترسبه في اذهان الاباء والامهات عن المجتمع الغربي، وتعبّر عن نفسها باستمرار من خلال تانيب للذات علي ما ارتكبوه بحق الابناء لانهم جاؤوا بهم الي مهاوي "الانحراف".

لحيدر قصه اخري. يفتخر بوجوده في مدينه هاملتون الكنديه ويعتبر انه حقق انجازاً فريداً عندما جنّب سلام وصبا، طفليه الصغيرين، "مستنقعات" و"فايروسات" الفساد والطائفيه والتعليم ذي المستوي المتدنّي في العراق. حيدر مقتنع ان لولديه مستقبلاً مشرقاً في كندا. برغم ذلك، يغصّ عندما يتذكّر ان عمر ابنته قارب الثامنه عشره، وانّها ستصبح مستقله ولا "ولايه" له عليها. كما يقلقه ان ينجرف ابنه سلام  الي عالم المخدرات، الذي بدا يغريه جرّاء مشاهداته الافلام الهوليووديه.

عيسي بريك، ابن مدينه درعا السوريه، فرّ من ملاحقات النظام السوري قبل ثلاثين عاماً واستقرّ به المقام في مدينه مونتريال الكنديه. لديه وعائلته التي لحقت به فيما بعد، قصص طريفه تلخّص صراعاً لن ينتهي بين جيل المهاجرين الاول وابنائهم. "الموقف من السود" ربما يعطي فكره واضحه عن الثقافه التي حملوها معهم، وكيف اصطدمت مع ثقافه جديده مختلفه يدرسها الابناء في المدارس والمعاهد والجامعات الكنديه. قال عيسي: "ابني الصغير في الصف الخامس ولديه زميل بشرته سوداء، حضر معه في احد الايام الي البيت كايّ طفلين يلعبان معاً، وبتلقائيه وبدون حساب لايه تبعات صرخت به امه: "ولك انت ما عندك رفقات غير السود؟". يتابع عيسي انه وزوجته فوجئا برد ابنهما الغاضب وصراخه باللغه الفرنسيه: "لماذا عندكم حساسيه من السود؟ ليس كل البيض جيدين ولا كل السود سيئين".

هذا مثال رمزي ودرس بسيط وصارخ في "حقوق الانسان" يلقّنه طفل صغير لابويه. لا تنتهي الدروس هنا، فاولاد عيسي بريك تربوا وتعلموا ونهلوا من الثقافه الكنديه. يذكر عيسي قصه طريفه اخري حدثت مع عائلته اثناء الانتخابات البلديه الاخيره. يقول: "جاءنا احد المرشحين الي البيت وبدا يحدّثنا عن برنامجه الانتخابي متمنّياً ان نصوّت له. في موعد الانتخابات اوصيت الاولاد، الذين يحق لهم التصويت، ان يدلوا باصواتهم للرجل". لكن عيسي فوجئ في ما بعد بان لا احد منهم قد اعطي صوته الانتخابي لهذا المرشح، ولما عاتبهم بانزعاج، ردّت ابنته الصغري: "ما كان عليك ان تعده باصواتنا، انت وفيت بوعدك وهذا حقك، نحن لم نعِد احداً، هذه كندا وليست سوريا". هو درس في الديمقراطيه يلقّنه الابناء للاباء.

الصراعات مختلفه وكثيره بين عالمين لكلّ منهما رموزه ومفاهيمه وقيمه، عالم حمله جيل المهاجرين الاول معه، وعالم جديد وجدوا انفسهم فيه. من هذه التقابلات، تتولّد صراعات ليس بين ابناء العالمين فحسب، بل داخل الشخص نفسه، وضمن الاسره الواحده. فالفئات العمريه الصغيره والشابه، من ابناء المهاجرين، لديها قابليه واستعداد اكبر للاندماج في الحياه والثقافه العامه ونظام التعليم ولديها القدره علي الانفتاح اكثر علي وسائط الاتصال الاجتماعي وثوره المعلوماتيه. من هنا تبدا المعاناه ويبدا صراع يشمل كل شيء، السلوك والعادات وانماط التفكير والميول والاتجاهات، والكثير مما يعتقد الاباء انها معايير اخلاقيه صحيحه تقاس عليها سويّه السلوكيات.

عن هذا الواقع تقول عفراء الجلبي، المراه التي اثارت جدلاً واسعاً بين مؤيد ومعارض عندما القت خطبه عيد الاضحي الماضي في مسجد النور في مدينه تورنتو الكنديه، والمقيمه في كندا منذ اكثر من عقدين من الزمن: "هناك تحديات هوياتيه تواجه الجيلين الاول والثاني. برغم ان الجيل الثاني يتاقلم في كثير من الامور مع المجتمع الذي يولد فيه الا ان صراعات عده تولد في داخله. المجتمع الغربي قوي ويقدم منظومه معينه، ومجتمع المهاجرين المسلمين يقدم ايضاً منظومه فيها الكثير من الامور الايجابيه وخاصه في الحيّز العائلي وفي العلاقات الاجتماعيه. لكنّ الكثير من القيم الفكريه السياسيه والعلميه العامه داخل الوسط العربي غير متصالحه مع العصر الحديث. هناك مثلاً خوف من اسئله الاولاد وتشنّج تجاه ما يطرحونه احياناً. وانا لا الوم الاهل، فهم غير مهيئين في بعض المجالات للاجابه عن اسئله هي في حقيقتها فلسفيه وثقافيه تتكون داخل الطفل المسلم الذي يعيش في الغرب. بشكل عام نحن غير متصالحين مع العصر الذي نعيش فيه من النواحي الفكريه. ومن مظاهر انفصامنا اننا في جانب نري انه يمكننا استعمال الادوات الماديه والتكنولوجيه وفي جانب آخر لا نتقبّل التطور الفكري الغربي برغم اننا لا نستطيع فصل الاخير بسهوله عن ظروف التطوّر العلمي والتكنولوجي".

ومن ناحيه اخري، تري الجلبي ان "الاباء والامهات يصدّرون الي ابنائهم خللاً يستوطن فيهم جرّاء هذا الانفصام ويوقعون ابناءهم في تشوش واضطراب كبيرين". وتضرب مثلاً علي ذلك "مفاهيم التطور واصل الانسان" حيث الاستهزاء من قِبلهم بمنظومه علميه ضخمه يتعامل معها الطفل. والمساله كما تراها هي "مواجهه بين تفكير علمي وتفكير تراثي" وهنا "لبّ المشكله".

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل