المحتوى الرئيسى

أزمة اليمن تنبش صراعا ثقافيا قديما

05/28 16:14

عندما برزت الحركه الحوثيه عام 2004 كطائفه سياسيه وطائفيه وعسكريه؛ كان احد اثار ذلك البروز هو نبش تفاصيل صراع فكري وثقافي عرفته اليمن منذ بواكير نشوء الدوله الشيعيه الزيديه نهايه القرن الهجري الثالث.

ولان اساس الدعوه الشيعيه الزيديه كان حصر الامامه/السلطه في العلويين من ابناء الحسن والحسين ابني علي بن أبي طالب رضي الله عنهم؛ فقد كان ذلك اعاده يمنيه للخلافات المعروفه في التاريخ الإسلامي بين القحطانيين والعدنانيين، او عرب الجنوب وعرب الشمال؛ الذي عرفته معظم الممالك الاسلاميه باشكال مختلفه كان ذروتها مواجهات عسكريه، واخفها تعبيرات فلكلوريه وادبيه وتاريخيه ينتصر كل طرف منها لقومه وعشيرته!

ويعيد باحثون كثر اسباب هذا الصراع المتعدد الجوانب الي شعور اليمانيين بانتقاص الاخرين لدورهم في نصره الاسلام منذ هجره النبي محمد صلي الله عليه وسلم، وحروب الفتح الإسلامي التي كان لهم فيها دور حاسم وعظيم، بالاضافه الي ايمانهم بتميز تاريخهم الحضاري والسياسي العريق قبل الاسلام.

وفي المقابل فان معظم نظريات السلطه/الامامه اما انها محصوره في قبائل قريش عموما او في الاسره الهاشميه بفرعيها العباسي والعلوي، مع ما يستتبع ذلك من تمجيدهم والترويج لفضلهم وتفوقهم علي الاخرين!

ومع دخول الدعوه الشيعيه الزيديه الي اليمن عام 284هـ علي يد الامام الهادي يحيى بن الحسين جالبا معه نظريته بحصر الامامه/السلطه بابناء البطنين (الحسن والحسين)؛ انتقلت معركه القحطانيين والعدنانيين الي داخل اليمن نفسه.

وقد لاحظ د. علي محمد زيد -وهو متخصص متميز في تاريخ الدوله والفكر الهادوي- ان حاله النفور اليمني والشعور بالانتقاص من الداعيه العلوي قد ظهرت في السنوات الاولي لعمر دولته؛ حتي ان دعوات عديده من معارضيه اليمنيين في التحريض ضده استندت الي كونه غريبا عن الارض اليمنيه.

كما لوحظ ان الامام العلوي نفسه كان قليل الثقه حتي بمؤيديه اليمنيين، فلم يولهم قياده الجيوش ولا المناصب التي ظلت حكرا في معظمها علي اقاربه العلويين الذين جلبهم من الحجاز او علي الشيعه القادمين من طبرستان من بلاد فارس، واقتصر دور اليمنيين علي خوض المعارك ودفع الواجبات الماليه!

 كان الحسن الهمداني -وهو احد اشهر العلماء اليمنيين والعرب الموسوعيين- معاصرا للدور الاول للدوله الهادويه، و قد ساءته نظريه حصر الامامه في اسره معينه وحرمان اليمنيين من حكم انفسهم، كما ساءه التطاول علي اليمنيين وتحقيرهم، وممارسه نوع من التمييز التاريخي ضدهم، وقد اسهم في ذلك دراسته العميقه للتاريخ اليمني القديم والحضارات العريقه التي عرفتها بلاده الاسلام.

وقد جاهر الهمداني بعداوه دوله الامام الناصر حفيد المذهب الهادوي، وكان ابرزها قصيدته "الدامغه" وشرحه لها التي اثبت فيها تفوق اليمن، انسانا وحضاره وتاريخا، وانه لا حق للامام الهادي واولاده في حكم اليمن، لا بدليل ديني ولا بحق مكتسب، واتهمت بالتالي اشعاره المعتزه بيمنيته والرافضه لاحتكار العلويين للسلطه بانها معاديه للنبي محمد وال بيته من قبل المدافعين المتعصبين للعلويين.

وقد لقي الهمداني كثيرا من العنت بسبب ذلك من قبل الامام العلوي الناصر وحاكم صنعاء المتحالف معه الذي لجا اليه هروبا من مطارده العلويين، وتعرض للسجن عده سنوات قبل ان تنجح قصائده المثيره لحميه القبائل اليمنية في الافراج عنه.

ومع استمرار العلويين ودولتهم في اليمن بنظريتهم السياسيه المعروفه؛ لم يعدم التاريخ اليمني ظهور اكثر من دعوه مضاده لهم. وتمثل الدور الثاني والثالث لدعوه التميز اليمني ورفض حرمان اليمنيين من حق السلطه؛ في دعوه العلامه نشوان بن سعيد الحميري وجماعه المطرفيه. وهم رغم انتمائهم المذهبي للزيديه اعلنوا فكره مناقضه لنظريه العلويين السياسيه، وابرزها انكار افضليه بشر باعيانهم اعتمادا علي النسب والقرابه للنبي محمد صلي الله عليه وسلم، وانكار حصر السلطه في اسره واحده.

جاهر نشوان الحميري -وهو علامه ولغوي ومؤرخ كبير- برفض نظريه التميز العرقي، وافتخر باليمن وانسابها، ولم ير غيرها افضل منها، وله اشعار كثيره قارع بها معارضيه مفتخرا بدور قومه في نصره الاسلام والنبي والخلفاء "يا رُبَّ مفتخر ولولا سعينا/ وقيامنا مع جدّه لم يفتخِرْ".

وراي الحميري ان الامامه تكون للافضل من خلق الله كائنا من كان لانه اقرب للعدل وابعد عن المحاباه:

"حَصَر الامامهَ في قريش معشرٌ/ هم باليهود احق بالالحاقِ

جهْلا، كما حصر اليهود ضلاله/ ان النبوه في بني اسحاقِ".

كما كان له صراع اخر حول مفهوم ال النبي، وهل هم الهاشميون ام المؤمنون قاطبه:

"الُ النبي همُ اتباع ملته/ من الاعاجم والسودان والعربِ

لو لم يكن اله الا قرابتَه/ صلّي المصلِّي علي الطاغي ابي لهبِ".

وكما حدث مع الهمداني، فقد شن المتعصبون للعلويين حملات شعواء ضده نثرا وشعرا، واهدروه دمه وكفروه.

واما جماعه المطرفيه الزيديه، فقد كان ابرز مواقفها رفض حصر الامامه في نسب معين، والجزم بان الشرف والافضليه غير متعلقه بنسب بل بالعمل.

وبسبب كونها جماعه منظمه وذات نفوذ بين عامه الزيديه، فقد واجهها امام تلك الفتره (عبد الله بن حمزه) بحمله استئصال دمويه محتهم محوا من الوجود، فكرا وانسانا، علي غرار محاكم التفتيش التي عرفتها اسبانيا بعد ذلك.

ظلت المعركه المذكوره سابقا بين العلويين واشياعهم والقحطانيين قائمه بشكل او باخر علي طول الالف سنه الماضيه، وفي العصر الحديث كتب السياسي والاديب العلوي احمد الشامي قصديته "دامغه الدوامغ" ردا علي دامغه الهمداني القديمه.

ولم يكن غريبا ان تنبش ازمه اليمن الراهنه بظهور الحركه الحوثيه في تلك الصراعات التاريخيه، فالدعوه الحوثيه الجديده لا تزال تستلهم النظريه السياسيه القديمه التي جاء بها الهادي قبل 1050 عاما.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل