المحتوى الرئيسى

بالفيديو والصور: لينة النابلسي.. فراشة أحلامنا تطل من جديد

05/28 16:02

في ارض طيبه نبتت "لينه"، زهره تفوح في ربوع نابلس، فارعه الطول، متواضعه، ذكيه، لماحه، متفوقه؛ الاولي علي الضفه، تحوم الملاعب بقدها المياس، بطله كرة السلة، تسابق وتحاور، تُجاري وتصيب الهدف، ترسم باناملها لوحات مبهجه عن ربيع فلسطين المنتظر، بشعر يرفرف علي خشبه المسرح تُبهر العيون، بحركاتها اللافته كفراشه، تتقن الانجليزيه، تُشخص جولييت في ابهي صوره، حدث المدينه وسيرتها الناعمه، بنت 17 الدؤوبه النشيطه.. ها هي ترقد في بركه دماء وسط نحيب الاحبه، بعد اغتيال متعمد من جنود الاحتلال الإسرائيلي، فيما كانت بسمتها طاقه امل لا تخبو، رحلت واشعلت وهج الثوره في نفوس اهل نابلس، فاضحت كل مولوده تحمل الاسم ذاته "لينه النابلسي".

في صباح اليوم التالي للذكري الـ27 لنكبه فلسطين، كانت "لينه النابلسي" تعد حقيبه ظهرها للذهاب الي مدرسه العائشيه الثانويه للبنات، اصوات الرصاص تتعالي، ورائحه الغاز تزكم الانوف، هتافات المقاومين ترج الجدران والام تناشد الصبيه "بلاش النهارده دراسه.. كفانا"، غير ان "لينه" تضحك من خلف عويناتها الطبيه وهي تنطلق "انا راح اظل الاولي علي المدرسه.. ودلوقتي في امتحانات"، فتحت باب المنزل ثم استدارت وهي تقول "اَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَهٍ"، قبل ان يُزف خبر استشهادها عقب ساعات "كانت اخر مره تمسك فيه باب بيتنا" تقولها مها النابلسي الشقيقه الكبري للشهيده.

يد بيد كانت تسير طالبه الصف الثاني الثانوي برفقه صديقتها المقربه "شروق جعاره"، انتهي اليوم الدراسي فيما كانت الطرق تعج ببقايا الرصاص ورنين الحناجر الملتهبه، حاولت الفتاتان الهرب دون جدوي، فاتخذتا من ورشه حداد مخبا، بقيتا دقائق، ومع الخروج مره اخري عاد الضرب.

 داخل منزل متواضع بمنطقه الشيخ مسلم بنابلس وبالتحديد في الطابق الثاني كان المستقر، غير ان اعين المتربصين كان تلاحقهن، نظره ثقه من الفتاتين تبعهما غل دفين خرج في صوره ثلاث طلقات متتابعه -من سلاح جندي اسرائيلي- استقرت في جسد "لينه": "التقرير قال رصاصتين في الوريد الايمن للرقبه والثالثه اسفل صدرها من الناحيه اليسري"، فيما كان نصيب "شروق"  السحل علي الارض جذبا من اليد -وسط هلع وصراخ مستمر؛ اقعدها علي فراش المرض "قالوا سرطان في الغدد الليمفاويه"، حين زارتها شقيقه "لينه" في المستشفي تمتمت رفيقه الدرب بكلمات بسيطه "انا هقابلها قريب لو بدك تقوليلها شي"، فيما لم تحتمل "شروق" لوعه الفراق، فلحقت بصديقتها في ذكري الاربعين، حسبما تروي "مها النابلسي".  

"حاولت قوي الاحتلال اخماد المظاهرات في نابلس فاستهدفت لينه.. لكن النار زادت ما خمدت" تحكي الشقيقه الكبري للشهيده التفاصيل التي اعقبت رحيلها؛ في 18 مايو 1975 قرر 5 فدائيين من الجبهه الشعبيه بالثار لـ"لينه" فتوجهوا صوب منطقه غور بالاردن حيث احد معسكرات الجيش الاسرائيلي وتمكنوا من قتل 3 جنود صهاينه وجرح 6 اخرين، بينما استشهد ثلاثه من الجانب الفلسطيني -تم الافراج عن جثامينهم قبل عامين فقط- وسميت العمليه "لينه النابلسي".. بعد سته اشهر من الحادث ذكرت صحيفه "يديعوت احرونوت" ان المحكمه الاسرائيليه في منطقه الجنوب حكمت علي الجندي رافي طوري –قاتل لينه- بالسجن اربعه اشهر مع ايقاف التنفيذ.

كانت "لينه" موهوبه في شتي المجالات، الرياضه والفن، الدراسه والشعر، تهوي جمع الطوابع والعملات، تحلم ان تصبح طبيه في جراحه الاعصاب، تنعيها سحر شويكه مربيه مدرسه الكرمل الاعداديه بكلمات رقراقه: "هي امام ناظري علي مقاعد الدراسه تكتب ولا تخطئ، من عيونها اللامعه وهيج الذكاء يشع وينطق؛ فاذا بها الفتاه الاولي في كل مكان تتصدره..  لينه طاقه لا حدود لها؛ علم وذوق وفن واخلاق، خليه نحل متكامله" قبل ان تضيف "لقد فتح الله بها باب الشهاده.. باب الخلود".

عقب الرحيل راحت "مها" تستكشف عالم خفي عن شقيقتها الصغري، تعرف من زوجات الشهداء انها كانت ضيفه دائمه عليهن؛ ترعاهن من مصروفها اليومي، تخفف اوجاعهن، تشارك في وقفات تضامنيه واحتجاجات ضد الصلف الاسرائيلي، تقلب في اوراق مذكراتها فتجد شعرا جاء فيه "اطبقت عيني وتخيلت نفسي علما يرفرف في الافاق بين خيوط الشمس"، لذا لم يكن مستغربا ان تضج نابلس بالمظاهرات؛ في شهاده رئيس بلدية نابلس -وقتها- "بسام الشكعه" ان الحاكم العسكري استجاب لمطالبات اهل نابلس بتشييع الشهيده، بعدما اخلي الشوارع من الجنود الصهاينه، واقام الطلاب اضرابا عن الدراسه حدادا علي لينه قبل ان يوقفوه استجابه للمجلس البلدي الذي اخبرهم ان المقاومه تبدا بمسيره "لينه الشهيده المتفوقه وليس بالوقوف عن الدراسه والعمل"، فرضخوا للامر واعينهم تفيض بالدمع.

بات اسم "لينه" علما، يُزين حوائط نابلس العتيقه، يُكتب باسمها اروع القصائد، في ذكراها الاربعين يصنع شباب مصري "فيديو كليب" اهداء لروحها، لا زالت سيرتها العطره تطوف بين الاروقه، يُرزق اهل الحي بصبيه فيكون اسم الشهيده من نصيبها، حتي صار اسم "لينه النابلسي" هو الاكثر علي الاطلاق، فيما تيمنت بالاسم فرنسيه متضامنه مع القضيه الفلسطينيه، في 1984 اعتلت زورق مطاطي في بيروت ونفذت عمليه استشهاديه ضد جيش الاحتلال.

لينه كانت طفله تصنع غدها

لينه سقطت لكن دمها كان يغني

يا نبض الضفه لا تهدا.. اعلنها ثوره

حطم قيدك.. اجعل لحمك جسر العوده

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل