المحتوى الرئيسى

ما هي أفضل مراحل حياتك على الإطلاق؟ - BBC Arabic

05/28 07:33

هل يعني التقدم في السن تراجعا حتميا لقدرات الانسان، ام ان هناك مكاسب غير متوقعه تعود علي المرء من تقدمه في العمر؟ الصحفي العلمي دافيد روبسون يلقي الضوء علي هذا الموضوع.

هل شعرت يوما بالقلق من امكانيه ان تكون اكثر مراحل عمرك نشاطا وعنفوانا قد ولّت بالفعل حتي دون ان تحيطك علما بمرورها؟

ثمه من يقولون ان الحياه تبدا في سن الاربعين، بل ان هناك من يري ان من يبلغ حاليا 60 عاما من العمر قد يُعتبر فعليا في الخمسين من عمره فحسب. لكن ما هي الحقيقه في هذا الشان؟ وما هي المرحله العمريه الافضل علي الاطلاق بالنسبه للانسان؟

للتعرف علي اجابات مثل هذه الاسئله؛ فحص فريق (بي بي سي فيوتشر) الادبيات الطبيه المتوفره حاليا، وبحث كيف تتبدل جميع العوامل المرتبطه بالانسان خلال المراحل المختلفه من حياته؛ بدءا من ذاكرته، وحتي رغبته الجنسيه. وقد شكل ما خلصنا اليه في هذا الصدد مفاجاه ساره بالنسبه لنا.

اذا ما كان المرء بصدد القيام بانشطه تتطلب ضخ دفقات قصيره المدي ومفاجئه من الطاقه - مثل المشاركه في سباق عدو لمسافه مئه متر او مسابقات من قبيل رمي الجله، او رمي الرمح - فينبغي ان يبدا خوض مثل هذه الانشطه قبل بلوغه منتصف العشرينيات من العمر، نظرا لان المراحل العمريه التاليه لذلك تشهد تراجعا متسارعا في قدره الانسان علي الانخراط في مثل تلك الانشطه.

اما لاعبو كره القدم فيبداون اولي خطواتهم الواثقه والناجحه في ذلك المجال في سن اصغر حتي من منتصف العشرينيات.

رغم ذلك، فان الرياضيين الاكبر سنا يبلون بلاء حسنا في الانشطه الرياضيه المُرهِقه التي تختبر القدره الفائقه علي التحمل، مثل خوض سباقات لـ 100 كيلومتر، او الف كيلومتر، او سباقات الماراثون.

وحتي بعدما يتجاوز المرء الثلاثينيات والاربعينيات من عمره، لا تتراجع قدراته سوي علي نحو تدريجي. علي سبيل المثال، تحتفل سيده تُدعي صَني ماكي بعيد ميلادها الحادي والستين، وذلك بالمشاركه - وللمره الاولي - في منافسات مسابقه العاب القوي المعروفه باسم "الرجل الحديدي – الترايثلون"، والتي تتضمن ثلاث مراحل، وهي ركوب الدراجه لمسافه 180 كيلومترا، والمشاركه في سباق للماراثون، بالاضافه الي السباحه لمسافه اربعه كيلومترات.

وفي واقع الامر، يمكن القول ان العديد من المتنافسين في تلك المسابقه، التي يبدو انها تنطوي علي عقاب للمشاركين فيها من فرط مشقتها، هم بمثابه مدمنين بشده لها؛ الي حد انهم يواصلون المشاركه فيها حتي بلوغ السبعينيات من العمر.

وللوهله الاولي، يبدو المصير الذي يؤول اليه عقل المرء وقدراته الذهنيه مع تقدمه في العمر اقل اثاره للارتياح.

ففي الفتره السابقه لبلوغ العشرينيات من العمر، يتحلي المرء بقدره افضل علي تخزين وقائع جديده في ذاكرته. في الواقع، ربما تبدا ذاكره الانسان في فقدان بريقها، حتي قبل استكماله مرحله تعليمه المدرسي.

اما القدره علي تخزين معلومات في ما يُعرف بـ"الذاكره العامله" للانسان – وهي معلومات مثل تفاصيل المشروبات التي يبتاعها المرء لرفاقه في احدي الحانات- فتشهد استقرارا لفتره اطول، ولكنها تتراجع بشكل مطرد بدورها خلال مرحله الاربعينيات من العمر.

ومن الامور التي تثير الكابه بشكل اكبر، ان المرء في تلك المرحله العمريه ربما يكون قد تجاوز ذروه قدرته علي الابداع. فغالبيه الاكتشافات التي توصل اليها الفائزون بجوائز نوبل، تحققت قبل بلوغهم الاربعين من العمر تقريبا.

كما ان الماده البيضاء في الدماغ، وهي الوصلات بعيده المدي التي تشكل ما يمكن تسميته "الطرق السريعه للمعلومات"، تتجه نحو البدء في الاضمحلال هي الاخري. وقد يؤدي ذلك الي ابطاء وتيره نشاط المخ.

ولكن ثمه امرا يدعو للتفاؤل في هذا السياق، فعلي الرغم من ان الحقائق والمعلومات ربما تاخذ وقتا اطول قليلا لكي تترسخ في ذاكره الاشخاص الاكبر سنا؛ فان المهارات الاخري لديهم تواصل التطور والنمو.

فعلي سبيل المثال، تواصل قدرات المرء علي القراءه والفهم واجراء العمليات الحسابيه تطورها حتي بلوغه مرحله منتصف العمر.

بل ان القدره علي التفكير والاستدلال الاجتماعي، وهي عباره عن قدرتنا علي المضي في طريقنا وتلافي التعقيدات التي تكتنف علاقات الصداقه التي تربطنا بالاخرين، تصل الي ذروتها في سن تتجاوز مرحله منتصف العمر.

بكلمات اخري، يمكن القول ان قدراتنا الذهنيه تمضي بين صعود وهبوط في صوره موجات؛ ما ان تنحسر احداها بعد ان تبلغ ذروتها، حتي تكون الاخري في الطريق.

ويري جوش هارتس–هورن من جامعه هارفارد، وهو الباحث الذي اجري الجانب الاكبر من دراسه تتناول هذا الموضوع، انه "لا يوجد سن نكون فيها علي افضل صوره في كل شيء، او حتي في غالبيه الاشياء".

من ناحيه اخري، فقد تشهد الرغبه الجنسيه - الاخذه في التراجع لدي من هم اكبر سنا – تحولا جذريا مع تقدمهم في العمر.

بدايه؛ اذا ما كان لنا ان نصدق ما تقوله الافلام السينمائيه والمسلسلات التلفزيونيه ذات الطابع الهزلي، فان المرء يمكن ان يتصور ان مرحلتي العشرينيات والثلاثينيات من العمر ما هي الا فتره حافله بعربده لا تنتهي.

لكن في واقع الامر، فان الرغبه الجنسيه والنشاط الجنسي للانسان لا يتراجعان علي نحو سريع للغايه حتي يبلغ الخمسينيات من عمره. وحتي في هذه الحاله، فان ذاك التراجع لا يتسم قط بكونه سريع الوتيره للغايه.

وبحسب ورقه بحثيه تناولت "متوسط المدي الزمني الذي يُتوقع ان يواصل الانسان خلاله نشاطه الجنسي"، بوسع الرجال - ممن يبلغون حاليا 55 عاما من العمر – توقع ان يكون امامهم 15 سنه اخري او ما الي ذلك من النشاط الجنسي ذي الوتيره المعتاده نسبيا.

اما النساء من نفس العمر، فبمقدورهن توقع ان ينعمن بنشاط جنسي مماثل لفتره تزيد قليلا علي عشر سنوات.

وتشير الدراسه الي انه سيكون بوسع 30 في المئه من الاشخاص الاصحاء- ممن تتراوح اعمارهم ما بين 65 و74 عاما- الاستمتاع بممارسه الجنس مره واحده علي الاقل اسبوعيا، علي الرغم من ان المضاجعه في حد ذاتها قد لا تكون حينذاك مفعمه بالنشاط والحيويه او تتسم بنفس الطابع الذي كانت عليه من قبل.

الاكثر من ذلك، ربما يكون لتراجع الرغبه الجنسيه لدي المرء تعويض من نوع اخر؛ فحينما تبدا رغبتك في هذا الشان في التضاؤل، يتزايد قدر استمتاعك بالحياه. هذا ضرب من التناقض بطبيعه الحال، بالنظر الي الشكاوي من المتاعب الجسديه التي تترافق مع التقدم في العمر.

لكن يمكن ان يُعزي ذلك جزئيا الي حقيقه ان المرء يكون في هذا العمر المتقدم قد تعلم اخيرا كيفيه الموازنه بين انفعالاته وعواطفه بعد الاضطرابات التي شهدتها حياته في مراحلها السابقه.

اذن ما الذي يمكن لنا استخلاصه من تلك النتائج؟ ببساطه يمكن القول ان المرء قد يستنتج انه يكون في ذروه نشاطه الجنسي خلال العشرينيات من العمر، وفي ذروه لياقته البدنيه في الثلاثينيات منه، بينما يصبح في قمه توهجه العقلي والذهني في مرحلتي الاربعينيات والخمسينيات، اما في الستينيات من العمر فيكون مفعما بالسعاده اكثر من اي وقت سبق.

لكن هذه ليست الا مؤشرات، ولذا يمكن ان تمضي مسارات كل منّا في هذا الشان وفقا لانماط متباينه للغايه.

وربما يتمثل الامر الاكثر اهميه في هذا السياق في الاقرار بشكل عام بان لكل سن نصيبا متساويا من الايجابيات والسلبيات؛ وهو ما يعني – بايجاز - انه لا يوجد ما يمكن اعتباره مرحله عمريه بعينها؛ هي الاكثر نشاطا ونجاحا في حياه الانسان.

ومن الاخبار التي تثلج الصدر بشكل اكبر، ان بعض المخاطر المرتبطه بتقدم العمر ليست حتميه الحدوث تماما؛ كما قد يتصور المرء.

فممارسه التمارين الرياضيه، علي وجه الخصوص، لا تكفل فقط التمتع بلياقه بدنيه لعمر اطول او تقلل من مخاطر الاصابه بمجموعه من الامراض المرتبطه بالتقدم في العمر، مثل انماط مرضيّ السكري والسرطان فحسب؛ بل انها تقوي ايضا الذاكره الاخذه في التداعي.

بجانب ذلك، بوسع الاشخاص المتمتعين بصحه جيده ان ينعموا بخمس سنوات اضافيه من النشاط الجنسي خلال اخر مراحل حياتهم. علي اي حال، ذلك هو اقرب ما هو متوافر لدينا حاليا مما قد يُعرف بـ"اكسير الشباب".

في الوقت نفسه، يدرك علماء النفس ايضا ان التوجه الذهني للانسان يمكن ان يلعب دورا اكبر مما قد يظن المرء. فبعض الاشخاص يقولون انهم يشعرون بانهم اصغر من عمرهم الفعلي؛ وهي رؤيه ذات طابع شبابي فتيّ يمكن ان تجعل هؤلاء اكثر نشاطا، وهو ما يجعلهم يعيشون لمده اطول بالتبعيه.

أهم أخبار تكنولوجيا

Comments

عاجل