المحتوى الرئيسى

بالفيديو والصور: "أبناء عيلبون" صورة مصغرة لقهر الاحتلال

05/27 18:57

ديسمبر يطل بشتائه، العام 2005، "هشام زريق" بصحبه والده، لزياره ابن عمه المقيم في "بازل" السويسريه، دار الحديث بين الثلاثه وتوقف عند "النكبه"، طلب الشابين من "سامي زريق" ان يحكي القصه مره اخري، المكان كان له اثر في هذا، هنا بتلك المدينه الاوروبيه خرج المؤتمر الاول للصهيونيه عام 1879، مدبرا في خبث احتلال فلسطين، مئات المرات سمع "هشام" حكايه قريتهم "عِيلبُون" التي هدمها الصهاينه، غير ان تلك المره مختلفه، "اتذكرها وكانها تحدث الان" قال الوالد بصوت مرتعش تخنقه الدموع، لاول مره يري الابن ابيه بهذه الحاله، ليتجمد الزمن عندها، ومع ترديده تلك الكلمات "مع الاسف لا يوجد مَن يوثق ما حدث قبل ان يموت الذين شهدوا النكبه".

لم يعلم الاب "سامي زريق" انه بعد ثلاثه اعوام، سينوب عن ابنه لاستلام جائزه مهرجان "العوده" الفلسطيني عام 2008، عن الفيلم الذي اخرجه "هشام" لتوثيق جريمه المحتل بحق قريته، شعور بالفخر تملك الرجل المسن وهو يشاهد "أبناء عيلبون" الفيلم الوثائقي الاول لابنه، ولازمه حتي وفاته بالعام ذاته، وكانه رحل بعد اطمئنانه ان طريق النضال موصول، يحفظه ويكلمه فرد مِن صلبه.

عِيلَبَون قريه صغيره بمدينه الجليل الفلسطينيه، قريبه من حدود لبنان كما قال "زريق" مخرج الفيلم، الذي عُرض في نحو 13 مهرجان حول العالم اخرهم تورونتو للفيلم الفلسطيني بكندا، دخل الاحتلال القريه صباح 30 اكتوبر 1948، عاث بها فسادًا حال 531 قري فلسطينيه دمرها، ففي بلده ال "زريق" ارتكب المحتل مجزره، حفظ اهل القريه مكان وقوعها بتسميته "ساحه الشهداء".

وقعت النكبه قبل نحو 20 عاما من ميلاد "زريق" الابن، المستقر في المانيا مع زوجته وابنه منذ عام 2001، لدرجه جعلت اللغه الانجليزيه اسهل لديه في التعبير عن افكاره بحكم الاعتياد، غير ان القضيه الفلسطينيه لم تغبِ عنه يوما، يُكرس عشقه للفنون لخدمتها، رغم دراسته لعلوم الكمبيوتر، وعمله مهندس برمجيات، لذا لم يتوانَ في تنفيذ فيلم وثائقي عن وحشيه الاحتلال، مدفوعا بكلمات ابيه التي لم تفارقه.

24 دقيقه هي مده الفيلم، يحكي به ابناء "عِيلبُون" قصه الجريمه التي ارتكبتها الخطه "دالت" لاحتلال فلسطين، وفي بلدتهم الصغيره مَثل لما حدث. علي انغام الموسيقار اللبناني مارسيل خليفه تُروي التفاصيل، يستهلها "ايلان بابيه" المؤرخ اليهودي المدافع عن القضيه الفلسطينيه بالحديث عن النكبه، التي بدا تنفيذها من عام 1897 حيت مؤتمر الصهيونيه الاول، ويُعرض نص الوثيقه السريه الاسرائيليه المعطيه الاوامر باخلاء المناطق، والقضاء علي كل العناصر "المعاديه" –الفلسطينيه.

دموع "ابناء عِيلَبُون" خط واصل بين الاشخاص مِن "رجال ونساء رفضوا ان تُنسي اهوال جريمه هذه الخطه الوحشيه" كما قال "زريق"، الذي تواصل مع نحو 20 شخص ممن شهدوا يوم النكبه، تمر المشاهد امامهم، يرونها كانها تحدث لتوها؛ احتماء الاهل بالكنائس، انهيال الرصاص العشوائي فوق الرؤوس، والد "هشام" كان بينهم، وكذلك كل عائله "زريق"، التي قتل الصهاينه ثلاثه منهم، لذا خرج الفيلم اشبه بمحاكاه ذاتيه توثق حدث تاريخي، لم يكن الحزن المسيطر عليه فقط، بل النضال "فعِيلَبُون القريه الوحيده التي طردها الاحتلال وعادت مره اخري"، حسب قول المخرج.

"النكبه ليست مجرد كلمه، لكنه حدث سلب الفلسطينيين ارضهم، الجرح الغائر حيث قُتل العديد من الفلسطينيين وذبحوا، والعديد يعيشون علي بعد كيلو مترات قليله من قراهم لكن لا يستطيعون العوده" هكذا عام 48 لـ"زريق"، مطالبا التوقف عن تسميه ذلك بـ"النكبه" بل "الهولوكوست الفلسطيني"، خاصه ان ما حدث وقع بعد عامين فقط علي محرقه اليهود، حسب قوله.

جندي اسرائيلي مدجج بالسلاح يتجه نحو شقيقين من عِيَلُبون، اراد قتلهما، غير ان امهما بقله حيله وغصه تكاد تنزع قلبها من مكانه، صرخت "اترك لي ولد منهما"، فكان لها ذلك، قتل احدهما وعاش الاخر البالغ حينها 17 عاماـ، ليحكي لـ"زريق" احد جرائم الاحتلال، الذي لازالت القريه تقاومه، كاحد قري مناطق الـ48.

عاشت "عِيلَبُون" كما قال "زريق" تحت الحكم العسكري الاسرائيلي حتي عام 1966، دخلتها الكهرباء عام 1975، واثناء تلك السنوات صادرت اسرائيل العديد من اراضي اهل القريه، مما قضي علي مصدر دخلهم الاساسي "القليل جدا الان يعمل بالزراعه"، كما ان الاراضي الواقعه حولها باتت في قبضه الاسرائيليين، مما منع عنها التوسع، "باختصار النضال لم يتوقف بعوده اهل عِيلَبُون بل هو عمليه مستمره".

لكل شيء نصيب من اسمه، وكذلك "عِيلَبُون"، فاسمها وفقا للمعني العربي المتفق عليه "الارض الصخريه الصلبه"، وبالنسبه لـ"زريق" هو المعني المعبر عن اهلها "لانهم نزحوا الي لبنان بعد الاجتياح الاسرائيلي عام 1948، وعادوا لبيوتهم برغم كل المصاعب، وظلوا بها كما الارض الصلبه"، وذلك سبب اخر دفع المخرج الاربعيني الي تسجيل حكايه قريته الصغيره لما بها من امل "عِيلَبُون اعطت اهميه لحق العوده.. وانا اريد اخبر العالم اجمع ما حدث للفلسطينيين ما بين عامي 1947-1948، وانهم لم يهربوا، ولكن اغلبهم طرد، وتحولوا الي لاجئين".

عمل "زريق" علي اعداد الفيلم واخراجه خلال عام 2006، قام بعمل فريق كامل، عاونه فقط مصور، وما زاده "ابناء عِيلَبُون" سوي معلومات اكثر عن الاحداث في فلسطين، وادراكا لواقع "كم هو صعب ان تكون صانع افلام فلسطيني تريد قول الحقيقه"، فما واجه المخرج المشاكل الا لمضمون الفيلم من التمويل والمشاركه في المهرجانات، وتذكر "زريق" كلمات القناه الالمانيه له "ستحصل علي تمويل لو عملت فيلم يُظهر تعايش الفلسطينيين والاسرائيليين، لكن ليس من اجل فيلم مثل فيلمك".

في ساحه الشهداء، تلك المنطقه الصغيره بمركز الجانب القديم من عِيلَبُون، قادت قوات "الهاجناه" الاسرائيليه اهالي القريه، رافعين ايديهم فوق رؤوسهم، قبل ان يختاروا ذبائحهم، وضمنهم كان شقيق والد "زريق"، الذي وصفه بالفيلم "كان لابس رابطه منقطه" قبل ان تحتبس العَبرات في عينيه، ويتحرج صوته علي استكمال الواقعه التي قتُل بها 17 من ابناء "عِيلَبُون" بدم بارد.

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل