المحتوى الرئيسى

سارة قويسي يتكتب: ذاكرة امرأة عربية

05/27 10:49

ترصد رضوي عاشور من خلال روايه “الطنطوريه” حياه الشعوب العربية واللاجئين الفلسطينين من خلال حكايات امراه عربيه وجدت نفسها عن طريق الصدفه علي قيد الحياه جزءا من السقوط، في مزج باهر يجمع احداث الحروب العربيه منذ سقوط القدس حتي سقوط بغداد (1948-2003).

منذ اللحظات الاولي للروايه تاخذك رقيه الطنطوريه الي حكايتها في سرد مدهش، ولغه شاعريه. تحكي من خلالها حكايتها.

“هل احكي حياتي حقـًّا ام اقفز عنها؟ وهل يمكن ان يحكي شخص ما حياته فيتمكن من استحضار كل تفاصيلها؟ قد يكون الامر اقرب الي الهبوط الي منجم في باطن الارض، منجم لابد من حفره اولا قبل التمكن من النزول اليه. وهل بمقدور فرد مهما بلغ من قوه ونشاط ان يحفر بيديه المفردتين منجما؟! المهمه شاقه تتولاها ايدٍ كثيره وعقول وروافع وجرافات ومعاول للحفر، واخشاب وحدائد ومصاعد تهبط الي الباطن تحت او تُعيد من نزلت به الي ظاهر الارض. منجم عجيب غريب يتعين عليك النزول اليه مفردًا لانه لا يخص سواك وان وجدت فيه ما يخصهم، ثم انه قد يسقط فجاه علي راسك، يكسرها او يطمرك كاملاً بركامه. وربما كان الامر اشبه بصرّه لا منجم، ولكن هل يمكن ان يصر شخص ما حكايته في منديل ويمد به يده الي الاخرين قائلا: هذه حكايتي، نصيبي من الدنيا؟ كيف تَنْقُلُ صُرَّه بحجم الكف او صُرَّه كبيره كتلك التي تحملها النسوه علي رءوسهن وهنّيشردن شرقًا عبر الجسر، حكايه عمر بكامله، مشتبكٍ بطبيعه الحال مع اعمار الاخرين”.

لعل صوره رقيه وهي تجري في الطرقات وهي شعثاء غبراء لا تصدق خبر الاغتيال، وكان حلم العوده هو الذي ضاع منها وليس اغتيال احد قاده المقاومه. هي صوره تصف حال الأمه العربيه، وتصف الانتظار. تقول رقيه:

“كان يقف علي محطه القطار ينتظر الركوب عائدا من حيث اتي، فاي عبث مطالبته بتسجيل وقفته والحصول علي بطاقهِ هويهٍ للانتظار؟!

ان تنتظر ساعه، يوما او يومين، شهرا او سنه او ربما سنوات. تقول طالت، لكنك تنتظر. كم يمكن ان تنتظر؟ حكت لي مريم عن المراه التي انتظرت زوجها عشرين عاما. قلت لها احكِ لي اكثر. قالت: هذه حكايه معروفه في الادب القديم. ذهب الرجل الي الحرب. ودامت الحرب عشر سنين. وفي طريق عودته ضاع. من الذي ضاع.. شدتني الحكايه، لكنني قلت لنفسي ان الحكايه ناقصه، ليس هكذا الانتظار، فهو ملازم للحياه لا بديل لها. تنتظر علي محطه القطار، وتركب في الوقت نفسه قطارات تحملك شرقا وغربا والي الشمال والي الجنوب. تخلّف اطفالا وتكبرهم، تتعلم وتنتقل الي الوظيفه، تعشق او تدفن موتاك، تعيد بناء بيت تهدَّم علي راسك، او تُعّمِّر بيتا جديدا. تاخذك الف تفصيله وانت وهذا هو العجيب، واقف علي المحطه تنتظر.. ماذا تنتظر؟ ما الذي تنتظره رُقَيَّه علي وجه التعيين؟ حكايه غير قابله للتلخيص. ثم ما وقع الخوف من وقفه الاتنظار؟ الخوف المُضْمَر كمياه جوفيه مقيمه في الصحو والمنام، والخوف الصريح لحظه ترتج المدينه فجاه. دقائق ثم تنتبه ان البنايه التي تحوَّلت الي ركام يتصاعد منه اللهب والدخان، بصدفه غير مفهومه، هي بنايه الجيران لا البنايه التي تسكن انت فيها … حكايه غير قابله للتلخيص”.

ترسم رضوي عاشور ملامح مدينه الطنطوره، وعين غزال، والصفوريه، والقري الفلسطينيه الاخري المخفي اثرها في حكايات الاجداد، مازجه بين الخيال والواقع، فروايتها تحمل بين جنباتها حكايات غسان كنفاني، حياته وموته، واغتيال انيس صايغ، وناجي العلي الذي تراه طفلا يرسم علي الجدار، والامهات اللواتي يحطن رقابهن بمفاتيح الدور، في انتظار لحظه العوده.. الاغاني الفلسطينيه ورقص وصال ومريم علي انغام الدلعونا، اﻷوف، الميجنا.. والاهازيج الفلسطينيه.

انها روايه الذاكره العربيه التي ترصد ملحمه الشتات، الطنطوريه ذاكره المراه العربيه تعزف بوتر الحزن علي القلوب التي لم تعرف يوما طعما للراحه او الانتصار، فرقيه من لجوء الي ترحيل، يتنازعها الهم الفلسطيني، والهم العربي، وحلم القضيه الضائع بين الشتات. تقول رقيه في نهايه الروايه:

“اين ذهبت المراه التي كانت تجلس جواري؟ متي جلس هذا الصبي مكانها؟ كان يتطلع في بعينين واسعتين.. انتبهت الي وجوده فتطلعت.. فتح دفتر رسم كبير.. قال:

– اردت ان اُطلِعَكِ علي صورتك.

– ارسم.. مازلت تلميذا في الصف الثاني الاعدادي.

– اجمع برتقالا في موسم البرتقال. اجد الزيتون في موسم الزيتون.. اساعد في اعمال البناء احيانا، واحيانا ابيع كعكا علي الرصيف.

فتح الدفتر.. في الرسمه سلكٌ شائك وحشد من بشر علي جانبيه.. تتصدر الرسمه امراه بثوب فلاحي ترفع ذراعيها عاليا، تحمل طفله في الاقمطه علي وشك ان تُحمِّلها لشاب في الجانب المقابل من السلك يرفع يديه باتجاه الطفله.. علي صدر الطفله مفتاح كبير عتيق يغطي ثلثي جسمها.. الخلق علي جانبي السلك كلهم طوال، خطوط فارعه تميل خفيفا علي كل جانب في اتجاه الجانب الاخر كانها تلتقي في تعريشه توشك ان تكوِّن قوسا.. قلب الصفحه.

– هذه رسمه ثانيه رسمتها لك وانتِ نائمه.

خطوط قليله بالفحم تستحضر الشبه.. الوشم تحت الانف واضح كان الغجريه دقته قبل يوم او يومين.. الشعر المعقوص خلف الراس صار في الرسمه جديلتين، وهنا ايضا البسني الولد ثوبا فلاحيا.. قلت:

– لماذا رسمتني مرتين بثوب فلاحي، ولماذا صرتُ بجديلتين؟

– لا ادري. هكذا رايتك.

– لم تقل لي اسمك.

– من اين انت يا ناجي.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل