المحتوى الرئيسى

العالم العربي يخوض حربه ضد الزواج المدني

05/27 10:30

باستثناء تونس، فانّ كل الدول العربيه لا تشرّع الزواج المدني. ويرفض رجال الدين العرب شرعنته تحت مسوّغات عدّه. لذلك، يطالب بعض العرب باقراره في دولهم. فكيف تتعاطي المجتمعات العربيه مع هذا المطلب؟

تعود المطالبه بالزواج المدني وباقرار قانون مدني للاحوال الشخصيه في لبنان الي ستينيات القرن المنصرم. وكانت ولا تزال وتيره هذه القضيه تعلو او تخفت بحسب الظروف السياسيه التي يمر بها البلد. وحديثاً عادت القضيه الي الواجهه.

وشهد العام 2013 تطوّراً لافتاً تمثل بعقد اول زواج مدني علي الاراضي اللبنانيه وتسجيله في الدوائر الرسميّه المعنيّه، وهذا ما شكّل انتصاراً للمطالبين به. استند هذا النوع من الزواج الي قرار صادر في حقبه الانتداب الفرنسي ويتيح لمن لا طائفه له الزواج المدني. وعليه، شطب المتعاقدان الاشاره الي مذهبيهما عن بيانات قيديهما بهدف تسهيل المهمه.

وراح مواطنون عدّه يشطبون الاشاره الي مذاهبهم عن بيانات القيد لكي يتحولوا الي مواطنين غير منتمين الي الطوائف اللبنانيه المعترف بها رسمياً، وهذا ما يتيح لهم حق الاستفاده من القرار المذكور. لكن المساله ما زالت خاضعه للعديد من التاويلات والاشكاليات وحتي التجاذبات السياسيه. فبينما قامت وزاره الداخليه في السابق بتسجيل بعض تلك الزيجات المدنيه التي تُعقد امام الكاتب العدل في الدوائر الرسميه، ها هي الان تعرقل تسجيل حوالي 45 معامله زواج مدني في دوائر النفوس، الامر الذي اعتبره بعض الناشطين مخالفاً للقانون.

في المقلب الاخر، برزت حمله رافضه للزواج المدني. واعتبره البعض "قنبله موقوته" تؤسّس لحرب اهليه جديده "وان كان اختيارياً"، لانه يضرب مبادئ الشريعه الاسلاميه التي تقوم عليها عقود الزواج والطلاق للمسلمين. ولم يقتصر الامر عند هذا الحد، اذ اعتبرت بعض الجمعيّات الاسلاميه ان "من يقبل بالزواج المدني هو مرتد عن الاسلام". وانسحب الرفض القاطع لهذا النوع من الزواج علي الطوائف المسيحيه التي تعتبر الزواج سرّاً من الاسرار الكنسيه السبعه المقدسه.

انقسام الشارع اللبناني حول هذه المساله تجلّي علي "جبهات" مواقع التواصل الاجتماعي المؤيده والمعارضه. فبينما يري البعض ان قضيه الزواج المدني محقه كونه حقاً من حقوق الاختيار للجميع، وكون بعض الطوائف لا تبيح الزيجات المختلطه من دون اقدام احد الطرفين علي اعتناق دين الطرف الاخر، يري اخرون انه يشبه "الدعاره المدنيه"، وبالتالي يدعون الي عدم اقرار "قانون الزنا المدني".

تختلف طبيعه المطالبه بالزواج المدني في مصر عن بقيه الدول العربيه، اذ انها تصدر بشكل اساسي عن الاقباط الذين يعانون في ما يخص الطلاق والزواج مره ثانيه. وكانت وزاره العداله الانتقاليه قد وضعت مسوده لمشروع قانون للاحوال الشخصيه لغير المسلمين تضمّن فقره تتعلّق بالزواج المدني، وهذا ما اثار جدلاً كبيراً بين الكنائس توصّلت بموجبه الي اجماع علي رفضه، علماً ان الكنيسه الانجيليه لم تعترض عليه في السابق.

وترفض الجمعيات والحركات المطالبه باقرار الزواج المدني، الوصايه التي تمارسها الكنيسه علي الاقباط، مصادرهً بذلك حريتهم في تقرير مصائرهم. وقد اعتبر منسّق التيّار العلماني القبطي كمال زاخر انّ "الزواج شان مجتمعي وليس كنسياً"، مشدّداً علي ان "مشروع القانون" يقدّم حلولاً للزواج ويساهم في صنع ثقب في الدولة الدينية".

اما جمعيه "الحق في الحياه" فقد ناشدت الدوله القيام بدورها السيادي لفرض "مشروع القانون"، لا سيّما الشق المتعلق بالزواج المدني من دون تعديل. كذلك دعت رابطه "صرخه" الي تفويض الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي العمل علي وضع قانون مدني للاحوال الشخصيه خاص بالاقباط وابعادهم عن سطوه الكنيسه.

في المقابل اعترضت "رابطه حماه الايمان" علي الزواج المدني، واعتبر الناطق باسمها مينا اسعد انه مخالف لتعاليم المسيحيه، مثنياً علي التعديلات التي قدّمتها الكنائس لمسوده قانون الأحوال الشخصية للاقباط والتي حذفت البند المتعلق بالزواج المدني.

كذلك تحفظت "رابطه اقباط 38" علي الزواج المدني علماً انها من المطالبين بالاصلاحات داخل الكنيسه لجهه العمل مجدداً "بلائحه 1938" التي كانت تضم نحو ثمانيه اسباب للطلاق قبل ان يقوم البابا شنوده بالغائها، علي اعتبار انها مخالفه لتعاليم الانجيل وان من وضعها هم ''العلمانيون''. واشترط البابا شنوده للتصريح بالزواج الثاني احدي علّتي الزنا او تغيير الديانه. لكن اعتراض "اقباط 38" علي الزواج المدني مرده ايضاً الي حصره فقط بالاقباط، الامر الذي سيبقي علي تحكّم الكنيسه فيه بحكم الدستور.

وتجدر الاشاره الي انّ مطالبه المصريين بالزواج المدني لا تقتصر علي المسيحيين فقط، اذ طالبت امين عام المجلس القومي للمراه السفيره ميرفت التلاوي بوقف اجراء عقود الزواج والطلاق علي يد الماذون الشرعي واستبداله بالمحكمه، الامر الذي لاقي ترحيباً من قبل بعض الجمعيات المدنيه واعتراضات من قبل الازهر. هذا وتغص مواقع التواصل الاجتماعي المصريه بالصفحات المطالبه بالزواج المدني، وهو ما يطالب به "اللادينيون" والملحدون ايضاً.

يعتبر الزواج في الجزائر مدنياً الي حد بعيد، فهو عباره عن عقد مدني يوقّع لدي ضابطه الحاله المدنيه في البلديه، ويستطيع الزوجان تحديد بعض شروطه، لكن يسبقه العقد الشرعي الذي يُعرف تاريخياً بالفاتحه وتتمّ بحضور رجل الدين.

وكانت وزاره الشؤون الدينيه والاوقاف الجزائريه قد اصدرت قراراً قضي بتسجيل عقد الزواج المدني قبل العقد الشرعي، وذلك للحد من مشكلات الزواج العرفي، وهذا ما اثار جدلاً واسعاً. فقد عدّته جمعيه علماء المسلمين الجزائريين امراً "منكراً"، في حين عدّه الناشطون في مجال حقوق الانسان ضمانه لحقوق المراه.

وكانت الجزائر تسير علي خطي التجربه التونسيه في قانونها المدني، لا سيّما ان تعديلات اقترحت علي قانون الاسره، في منتصف العقد الفائت، كانت قد نصّت علي منع تعدّد الزوجات، حتي لو وافقت الزوجه الاولي عليه، ومنح المراه الحق في تزويج نفسها من دون موافقه ولي امرها. حينذاك، اثارت التعديلات المقترحه سخط الاسلاميين، علماً انها لم ترضِ  طموح الليبراليين.

ومع تعديل العام 2005، اتت النتيجه مخيّبه لامال الطرفين، وجاءت عباره عن توليفه للتوفيق بين بعض الطروحات المتباينه. فمن ناحيه سُمح بتعدّد الزوجات علي ان يتّم ذلك بعد اخبار الزوجه واخذ موافقتها علي الزواج الثاني، ومن ناحيه ثانيه اُبقي علي شرط حضور ولي امر المراه، هذا بالاضافه الي الابقاء علي فقره منع المسلمه من الزواج بغير المسلم.

القيود التي وضعها المشرّع الجزائري امام تعدّد الزوجات احدثت بلبله في الشارع الجزائري، اذ اعتبر البعض انّ نتيجته كانت اقبال كثر علي الزواج العرفي المخالف للقانون. كما عَلت اصوات بعض الاسلاميين المطالبه بحق تعدّد الزوجات من دون قيود قانونيه. وهذا ما اقدمت عليه رئيسه حزب العدل والبيان نعيمه صالحي، مطلقهً حملات تنادي بـ"مثني وثلاث ورباع"، ومنتقده قانون الاسره المعدّل.

في المقابل، انتقد رئيس حزب "جبهه الشباب الديموقراطي للمواطنه" احمد قورايه تصريحات صالحي قائلاً: "لا توجد امراه تقبل ان تشارك اخري زوجها، الا اذا كانت مريضه نفسياً او عاجزه بدنياً او يائسه في حياتها". اما المدافعه عن حقوق المراه واستاذه علم الاجتماع نصيره مراح فقد ردّت علي صالحي في مناظره تلفزيونيه وقالت ان تعدد الزوجات اكبر اهانه للمراه وعباره عن عنف ممارس ضدها.

تجربه تونس مع الزواج المدني تعود الي العام 1956 حين اقر الزعيم التونسي الحبيب بورقيبه اصلاحاته الشهيره. وتنص "مجله الأحوال الشخصيه" علي منع تعدّد الزوجات ومنع اي صيغه زواج خارج "الزواج المدني"، الذي يعقد في البلديات او لدي مساعدي القضاء. هذا عدا المساواه التامه بين الجنسين وحق المراه الراشده في تزويج نفسها من دون الحاجه الي وصيّ عليها.

لكن الجدل في الساحه التونسيه يختلف عن بقيه الدول العربيه، اذ تنقسم الاراء بين مَن يريد القطع مع النظام القديم وتطبيق الشريعه الاسلاميه، ومن يريد المضي بما هو معمول به من دون المساس بجوهره. فبعد "الربيع العربي" وتعاظم قوّه التيارات الاسلاميه، تصاعدت الاصوات المطالبه بتعدّد الزوجات تحت مسوغات عدّه. فرئيس "جمعيه الامر بالمعروف والنهي عن المنكر" عادل العلمي، الذي ترشح في الانتخابات الرئاسيه السابقه، دعا للعوده الي اصول القران والسُنّه معتبراً ان "منع تعدّد الزوجات شذوذ في التفكير وتجنّ علي احكام المولي عز وجلّ".

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل