المحتوى الرئيسى

"فاته أن يكون ملاكا".. قراءة جديدة لسيرة محمد شكري

05/26 12:10

ما تزال السيره الذاتيه للكاتب المغربي محمد شكري مثيره للقراءه والنقد منذ بدايه ظهور جزئها الاول في ثمانينيات القرن الماضي. وقد قطعت تلك السيره شوطا طويلا في التهميش والادانه والمطارده والمنع.

رفضت دور نشر طباعه الجزء الاول من السيره والذي يحمل عنوان "الخبز الحافي"، ثم مُنع من التوزيع وحُظر تدريسه في الجامعه كما في حادثه الجامعة الأميركية بالقاهرة.

غير ان هذه السيره اشتهرت عندما دفعت الطاهر بن جلون لترجمتها الي الفرنسيه، لتظهر في دار ماسبيرو الشهيره بلغه موليير قبل لغه الضاد التي كتبت بها. وقد سبق ان ظهرت لها ترجمه انجليزيه مخيبه للامال مع بول بولز.

"فاته ان يكون ملاكا" هو كتاب جديد صدر حديثا عن دار البدوي للباحث والاعلامي التونسي عامر بوعزة يحاول فيه تفكيك هذه السيره ومقاربتها مقاربه نقديه جديده.

اختار الباحث اخر عباره نطق بها الراوي في "الخبز الحافي" لتكون عنوانا لكتابه، عباره قالها محمد شكري الكهل امام قبر اخيه الذي قتله والده وهو بعدُ طفلٌ امامه. عتبه نصيه اخري تؤكد تمسك الناقد بالطبيعه الاستثنائيه لصاحب السيره الذي فاته ان يكون ملاكا كاخيه، وانه عاش ليجعل منه الواقع القاسي شيئا اخر لا يقوله النص، وتبقي تاويلاته مفتوحه مع كل قارئ، فهل جعلت منه الحياه شيطانا ام انسانا؟

جاء الكتاب في بابين: الاول ينطلق من الهويه الواقعيه الي الهويه السرديه ويذكّر فيه الباحث بمساله الهويه الواقعيه، محددا خصوصيات المكان وضبط الاعيب الازمنه وعلاقتها بسرد الوقائع ووعي الراوي بالعالم واعاده تشكيل الذات.

اما الباب الثاني فيرصد ملامح الفراده في سيرة محمد شكري الذاتيه، ويتناول قضايا فنيه لها علاقه بادبيات كتابه السير الذاتيه ضمن ثنائيات من نحو "الحقيقه والمجاز" و"النسيان والتذكر" و"الطفوله والرجوله" و"الرؤيه والرؤيا" و"الذات والاخر". كما فتح الباب علي التقاط الطاقه الرمزيه في نص السيره والتطرق لقضايا نفسيه، منها عقده "قتل الاب" والجسد واللذه ومساله الموت.

لا يدعي الكتاب فتحا في مجال السيره الذاتيه ولا حتي في مقاربه سيره محمد شكري او ثلاثيته، بل يكتفي بتوصيف نفسه باعتباره مجرد قارئ لهذه السيره الذاتيه.

لكن قيمه هذا الكتاب تتجلي اولا في محاوله مقاربه السيره في كلّيتها، اي من خلال الثلاثيه كامله "الخبز الحافي" و"الشطار" و"وجوه"، وبذلك يُخرج الباحثُ المبدعَ شكري من اسر الكتاب الواحد.

ويقول بوعزه مبررا اختياراته "نعتقد ان كتاب الخبز الحافي قد يكون شجره عظيمه تحجب امام القرّاء غابه فيها من الغوايه الابداعيه ما يستوجب المغامره". والحق ان هذا ما كان يردده الكاتب نفسه عندما يواجهه الاعلاميون باسئله عن "الخبز الحافي" فيحتج بقوله انه كتب غيره الكثير، وان ادبه تطوّر كثيرا عن النص الاول الذي تريد المؤسسه الاعلاميه والنقديه اسره فيه.

تتمثل الفضيله الثانيه لهذه القراءه في تحرر القراءه قدر الامكان من احاديه المنهج الذي راي الباحث انها ستكون سببا في قصور الرؤيه وتدبر امر هذا النص الخُلاسي المستعصي علي التوصيف، ولذلك فتح القراءه علي باب التاويل دون السقوط في فوضي مصطلحيه او في الذاتيه الانطباعيه.

ينحو هذا البحث نحو مداوره مفهوم الواقع وتجلياته من خلال مدونه سِيَريه لكاتب شديد العلاقه بواقعه يعتبر الباحث اعماله "وثيقه اجتماعيه تؤرخ للمهمشين والفقراء، رفضا لمقوله الانعكاس التي تجعل من السيره الذاتيه شهاده للكاتب علي عصره".

وينطلق بوعزه في هذه المقاربه مستندا الي منجز الانشائي الفرنسي فيليب لوجون الذي قضي حياته في تقعيد كتابه السيره الذاتيه واستخراج اسرارها واليات اشتغالها، ولم يتردد في بحوثه في مراجعه بعض افكاره المتعلقه بمساله الواقع والتطابق وقول الحقيقه، خاصه بعد ظهور كتب مواطنه جورج ماي.

غير ان انفتاح البحث علي الهرمينيوطيقيا (التفسير والتاويل) واجتراحات بول ريكور، وخاصه مفهوم "الهويه السرديه"، اكسب المقاربه اختلافا اخرجها من اجترار القراءات الاخري الي التامل في النصوص نفسها لاعاده قراءتها من منظور جديد هو نفسه المنظور الحداثي لتلقي السير الذاتيه اليوم.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل