المحتوى الرئيسى

تحديد التسلسل الوراثي لمصاص دماء

05/25 22:04

لفتره طويله ابتلي سكان المناطق الريفيه في البلدان الواقعه جنوب الصحراء الكبري في افريقيا بداء المثقبيات الأفريقي البشري (HAT)، والمعروف ايضا باسم مرض النوم. وهذه العدوي الطفيليه مهلكه غالبا اذا تُرِكَت دون علاج. وتُنقل الطفيليات التي تحمل العدوي -وهي طفيليات المثقبية البروسية الجامبيه في وسط وغرب أفريقيا، والمثقبيه البروسيه الروديسيه في شرق إفريقيا- عن طريق لدغه ذبابه "تسي تسي" المصابه.

والواقع ان علاج مرض النوم معقد، اذ يتطلب نوعا من العاملين في المجال الطبي يتمتعون بمهاره عاليه، ومن الواضح ان العثور عليهم في المناطق المتضرره امر صعب للغايه. وفي اوائل القرن العشرين، اهلك وباء داء المثقبيات الافريقي البشري اعدادا هائله من سكان العديد من اجزاء افريقيا.

ورغم انحسار مدي انتقال المرض بشكل كبير في ثلاثينيات القرن العشرين بفضل الفحص المنتظم وعلاج الملايين من الناس، فقد سمح تخفيف هذه الجهود بعوده المرض الي الظهور في الخمسينيات والستينيات، ثم بلغ مستويات وبائيه بحلول اوائل التسعينيات. واخيرا نجحت حمله تولت ادارتها منظمه الصحه العالميه في السيطره علي المرض بحلول العام 2008، اذ لا يتجاوز عدد الاصابات الجديده عشره الاف سنويا. ولكن يظل الملايين معرضين للخطر.

من الواضح ان ذبابه "تسي تسي" تشكل خطرا جسيما في المناطق الاقل قدره علي تحمل تكاليف العلاج او الوصول اليه. ولا يقتصر التهديد علي البشر، اذ تتسبب طفيليات المثقبيه الكونغوليه، والمثقبيه النشطه، والمثقبيه البروسيه في نقل داء المثقبيات الافريقي الحيواني "ناجانا"، وجميعها تنتقل عن طريق ذبابه "تسي تسي".

و"ناجانا" ايضا مرض قاتل اذا تُرِك دون علاج، وهو يؤدي الي خسائر كبيره في الثروه الحيوانيه الداجنه. ففي مجال انتاج الماشيه وحده، بلغت الخسائر الاقتصاديه ما يقدر بنحو 1 الي 1.2 مليار دولار سنويا، وبلغ مجمل الخسائر الزراعيه نحو 4.75 مليارات دولار. وعلاوه علي ذلك، يتسبب مرض ناجانا في الحد من تربيه الماشيه علي مساحه من افريقيا تبلغ عشره ملايين كيلومتر مربع.

ونظرا للافتقار الي اللقاحات الفعّاله وغير المكلفه، فان النهج الاكثر فعاليه للسيطره علي هذا المرض يتلخص في توفير العقاقير التي يمكن تسليمها بسهوله والحد من اعداد ذبابه "تسي تسي". ومن الممكن تحقيق هذه الغايه من خلال استخدام الفخاح "الشبكات المشربه بالمبيدات الحشريه"، التي تجتذب الذباب الي جهاز يجمعها ويقتلها.

ولكن هناك الكثير من الخطوات التي يمكن القيام بها لتعزيز فعاليه هذه الطرق، سواء عن طريق تحسين الاجهزه او تنفيذ برامج المكافحه في مختلف البيئات الطبيعيه. وفي الحالتين، لا يُقَدَّر التوصل الي فهم افضل لبيولوجيه ذبابه "تسي تسي" بثمن.

ويزودنا تسلسل الجينوم الذي اكتمل مؤخرا للحشره اللاسنه العاضه بقرائن عديده من الممكن ان تحول البحوث الخاصه بذبابه "تسي تسي" وممارسات مكافحه المرض تماما. فاولا، سعي الباحثون الي الحصول علي دلائل حول الكيفيه التي تحدد بها ذبابه "تسي تسي"، التي تتغذي بشكل كامل علي دماء الفقاريات، عائلها.

ولتحقيق هذه الغايه، حلل الباحثون جينات اكثر من 12300 بروتين لفهم العمليات الحيويه مثل الشم والتذوق والرؤيه. وقد وجدوا ان ذبابه "تسي تسي" لديها عدد اقل من الجينات لمستقبلات الشم والذوق، وعدد اكبر من الجينات لاستكشاف ثاني اكسيد الكربون، وهو عامل اساسي يساعدها في العثور علي عائل.

كما سعي الباحثون الي التوصل الي فهم اعمق للجينات الضالعه في استشعار الالوان، من اجل المساعده في تحديد اي ظلال الازرق -اللون الذي نعرف منذ فتره طويله انه يجتذب ذباب "تسي تسي"- التي قد تعمل بشكل افضل لاجتذاب الذباب الي الفخاخ. ومن الممكن ان ترشدنا بحوث المستقبل حول الجوانب الجزيئيه للشم والرؤيه في تطوير اليات اكثر فعاليه لاجتذاب الذباب الي الفخاخ او انتاج مواد طارده للذباب ويمكن تطبيقها علي الحيوانات لحمايتها من لدغات ذبابه "تسي تسي".

وعلي نحو مماثل، يمكننا تسخير المعرفه حول التعايش وطريقه تكاثر ذبابه "تسي تسي" لتطوير طرق جديده للسيطره علي اعدادها. ورغم ان ذبابه "تسي تسي" لا يمكنها تصنيع الفيتامينات الاساسيه، علي سبيل المثال، فانها تستضيف مجموعه متنوعه من البكتيريا التكافليه التي تقوم بهذه المهمه بالنيابه عنها.

ومن المثير للاهتمام خاصه الطريقه التي تتكاثر بها ذبابه "تسي تسي"، فهي تحمل ذريتها حيه، وتدعم الانثي تطور جنين واحد يتحول الي يرقه، تنمو داخل رحم الام، وتتغذي علي حليب تفرزه غدد متخصصه. وتضع الانثي يرقه تامه النضج، تتحول الي خادره وتظل في طور سبات تحت الارض الي ان تفقس كحشره بالغه.

وقد كشفت دراسه الجينوم عن القاعده الجزيئيه لهذه الصفه، اي البروتينات الجديده المنتجه في غده الحليب. كما اظهرت دراسات التعبير الجيني انه عندما تكون الانثي حبلي، فان الزياده بنسبه 40% في النشاط الجيني في غده الحليب لديها تشكل نصف النشاط الجيني بالكامل تقريبا اثناء الحمل. وبعباره اخري، تشكل التغذيه علي الحليب عاملا بالغ الاهميه لبقاء ذبابه "تسي تسي".

كما وجد الباحثون ان عاملا منفردا من عوامل الاستنساخ ينظم توليف جميع بروتينات الحليب، وبدونه تفقد الذبابه خصوبتها. وقد اقترح البعض ان المثبطات الكيميائيه لهذا العامل من الممكن ان تجعل من المستحيل علي الذبابه ان تلد، وهو ما من شانه ان يقلل من اعداد هذه الذبابه بالتالي.

ولكن هذه ليست الصفه الوحيده النادره في ذبابه "تسي تسي". فخلافا للعديد من الحيوانات، من الممكن ان تظل انثي ذبابه "تسي تسي" خصبه طيله حياتها. وقد وجد الباحثون استجابه قويه مضاده للاكسده تنتجها الذبابه في الفترات بين دورات الحمل، وهو ما يساعد الانثي في تجنب الضرر الناتج عن اجهاد الاكسده. وبالتالي فان التوصل الي طريقه لمنع هذه الاستجابه المضاده للاكسده من الممكن ان يساعد في تعطيل النظام التناسلي لدي الذبابه الانثي.

أهم أخبار صحة وطب

Comments

عاجل