المحتوى الرئيسى

محمد جلال يكتب: عندما خلع الرجل حجابه! | ساسة بوست

05/25 06:13

منذ 13 دقيقة، 25 مايو,2015

نقد مقالة يوسف البشلاوي المنشورة على موقع ساسة بوست

“ادْعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ” – [النحل:125].

أساءني جدًا أن أرى أغلب التعليقات على مقال الكاتب كانت من عينة السب والقذف أو إلغاء الإعجاب بصفحة الموقع ولم يحاول أحد أن يناقشه بالحجة لعله يعود، لذا سيكون ردي على الكاتب مقسمًا على أجزاء حاولت اختصارها وتبسيطها قدر المستطاع كي لا يمل القارئ.

أولها: هو إيضاح الأسس الفلسفية ورؤيته المعرفية الكامنة في مقالته.

ثانيها: هو الرد على المفاهيم والفرضيات الاجتماعية المغلوطة التي طرحها.

ثالثها: هو إظهار المغالطات المنطقية الكثيرة التي استخدمها الكاتب في مقالته.

والذي دفعني لذلك ليس حجة الكاتب أو قوة مقاله إنما لأنه نمط من التفكير والشعور والسلوك قد يتعرض له أي إنسان وقد مررت أنا بنفس هذه التجربة من قبل.

لا يختلف اثنان على أن مقال الكاتب ينضح بالرؤية العلمانية وإن لم ينطق بها الكاتب صراحة واتضح ذلك جليًا بمحاولته تفسير النصوص القرآنية تفسيرًا ماديًا.

أوضح الكاتب أنه لا يؤمن بأن الحجج الدينية يُرد عليها بالحجج الدينية، وأن هناك اختلافًا في الفهم للدين، كما أنه لا يحتاج لشهادة من الأزهر كي يجتهد! ومنطق الفهم المنفرد للنصوص دون علم هو منطق هيرمونطاقي أصلا الذي يؤمن أن كاتب النص قد مات! وأن كل فرد من حقه أن يفسر النص كما يحلو له ويأخذ البعض خاصة من العلمانيين العرب ذلك المفهوم في الدراسات الأدبية ويطبقونه على النص القرآني! وهذا ما فعله الكاتب.

والهرمونطقيا هو علم فهم النص الذي أحل الدلالة والمغزى محل المعنى فأقام القطيعة مع الموروث الديني على وجه الخصوص [ستجد مقال الكاتب مليئًا بهذه القطيعة عبر تحقير شأن من سبقوه ممن أسماهم المتشدقين بالدين] وقد نشأ هذا التأويل المُغالي كمحاولة من القارئ للفكاك من قيود هذه النصوص ففي مواجهة هذه النصوص ذات السلطة والنفوذ الفكري والاجتماعي نشأ التأويل للفكاك والتحرر من هذه السلطة وهذا النفوذ. وهم يريدون بتأويل النص الديني إحلال الدين الطبيعي محل الدين الإلهي، وإحلال الواقع المادي محل المقاصد الإلهية ومعاني النص الديني وأحكامه [نقلا عن كتاب قراءة النص الديني – د.محمدعمارة].

والعلمانيون العرب يستخدمون علم الهرمونطقيا على وجهين.

بعد تبني نخبنا مقولات فلسفة التنوير الغربي بأن لا سلطان على العقل إلا للعقل، وأحلت العقل والعلم والفلسفة محل الله والدين واللاهوت، وطبقت ذلك على النص الديني فرأته وضعًا بشريًا ناسب طور الطفولة للعقل البشري ثم تجاوزه العقل بالتطور ليحكم عليه بالتاريخية!

والتاريخية هي مذهب يقرر أن القوانين الاجتماعية تتصف بالنسبية وأن القانون من نتاج العقل الجمعي الذي وضعه المجتمع وينطبق هذا على الشرائع الدينية من وجهة نظرهم!

أما دعوى أن تفسير النص مقيد فقط بأسباب النزول فهو الوجه الآخر لنفس العملة فيدعون إلى ربط أحكام القرآن وتشريعاته بأسباب النزول رافضين القاعدة الأصولية القائلة: “إن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب”.

ويتجاهل أصحاب هذه الدعوات أن علماء أسباب النزول أنفسهم هم الذين قرروا أن أسباب النزول هي مناسبات لنزول الأحكام وليست علة في نزول الآيات وتشريع ما فيها من أحكام.

والغريب في الأمر أن جميع روايات أسباب النزول هي أحاديث آحاد لا تتعدى عند السيوطي 888 آية أي 14% من مجموع القرآن وعند النيسابوري 472 آية أي 7.5% [نقلا عن كتاب النص الإسلامي – د.محمدعمارة].

ولنرَ كيف أثرت تلك الأفكار في كاتبنا ومقالته:

وقد قال ما نصه: “إن من يدافعون عن الحجاب كفريضة لا يُعملون عقلهم في تفسير النصوص بل يكتفون بالنقل وليس أي نقل إنما نقل ما يتماشى مع أهوائهم جاهلين أو متغافلين عن ضرورة تفسير الآيات تبعًا للظروف التاريخية وأسباب التنزيل وليس حسب عموم الألفاظ والرأي الشخصي”! وفي ذلك اعتراف صريح بتبني منهجية من ذكرناهم.

فهو يرى أن الحجاب ليس فريضة لأربعة أسباب:

ففسر أول الآيات بأن سبب نزولها هو لزوجات الرسول فقط وثاني الآيات بأن معنى الخمار هو العباءة! هكذا هو رأيه دون دليل لغوي أو تاريخي! وثالث الآيات أنها لظرف تاريخي معين بسبب عدم وجود حمامات في ذاك الوقت!

أما رابعها فالكاتب لا يؤمن بالحجاب كفريضة لأن الحديث المنسوب للرسول هو حديث آحاد! والكاتب الذي بنى منهجيته في تعامله مع القرآن على أسباب التنزيل المأخوذة من أحاديث آحاد يرى أن الحجاب ليس فريضة لأنه حديث آحاد!

ثم يناقض الكاتب نفسه حيث أنه يدّعي إيمانه بالأحاديث المتواترة الصحيحة السند غير المنقطعة المجمع عليها والتي رواها جماعة يستحيل أن يتواطؤوا على الكذب، لكنه لا يؤمن بالإجماع الفقهي الذي قام به علماء يستحيل تواطؤهم على الجهل والتناسي كما يصفهم الكاتب! في حين يتناسى أن الإجماع هو قاعدة أصولية من قواعد أصول الفقه!

وفي نفس الوقت يعترف باقتباسه من فرد واحد معتبرًا رأيه الشاذ أفضل من رأي إجماع علماء وفقهاء الأمة! وهو نفس الشخص الذي حلل الخمر بنفس منهجية التفسير تلك، ولعله يرى أن آيات تحريم الخمر نزلت لظرف تاريخي هو غياب الخمارات والبارات الاحترافية!

ثم انتقل الكاتب لمناقشة حججه المجتمعية وهي الأهم من وجهة نظره.

فوضع الكاتب في بداية مقاله فرضياته التي بنى عليها كل المقال فقد افترض أن الحجاب ليس فريضة إسلامية وأنه أداة قمع تحتقر المرأة وتحكم عليها بعدم الوصول أبدا إلى المساواة مع الرجل.

وبدأ بسؤال لماذا لا يتحجب الرجل أيضا؟ هكذا تساءل الكاتب ثم أجاب فقال: إن هناك سببين كامنين أولهما أن المجتمعات المحافظة التي يكثر فيها الحجاب تحتقر المرأة! لدرجة أنها لا تعتبر أصلا أنها أيضا لها رغبات جنسية وأن رغبة الرجل جامحة. وثانيهما أن نفس تلك المجتمعات تسعى لترسيخ صورة المرأة ككائن ضعيف وصورة الرجل كالحامي القوي الهمام.

وبعد أن تجاوزنا المغالطات الدينية انتقلنا لمغالطات أخرى علمية اجتماعية بحتة؛ فالكاتب الفاضل لا يدري أنه فعليًا الرجل والمرأة يختلفان جدا منذ الأزل وإلى الأبد، وهنا لا أتكلم عن الأعضاء التناسلية أو عن الشكل عامة بل عن الأمور الأخرى كلها، الدماغ والهرمونات والمواقف والتصرفات والإدراك والتمييز… إلخ. هذا ما قالته آلين ويلر – الكاتبة التي تعيش وتعمل في باريس صاحبة كتاب Les hommes, les femmes, etc.

وتتساءل الكاتبة في مطلع كتابها ماذا لو كذبوا علينا؟! وأجابت:

(أنا نتاج سنوات من النضال من أجل تحرير المرأة لذا لطالما اعتقدت أن الرجال والنساء متساوون فاستنتجت بحماقة ومن دون أن أفكر في الأمر مليًا أننا متشابهون فعلا، وأنا التي لطالما مارست مهنتي كند للرجل أو على الأقل هذا ما كنت أقوله لنفسي حين أرتدي البنطلون كل يوم لأقصد مقر عملي؛ تطلب مني الأمر أكثر من 40 عامًا لأفهم مدى خطئي، هل كذبوا عليّ؟ هل كذبوا علينا؟

الجواب هو نعم، إلا أنني لا أعرف من هم هؤلاء الذين أوهمونا أننا لا نختلف عن الرجال فطاب لنا الأمر واقتنعنا به وهم لم يفعلوا ذلك إلا ليمنحونا الطاقة اللازمة لنقاتلهم بأسلحتهم: حس المنافسة، التوق للفوز، والحاجة للتغلب على الآخرين؛ علمًا بأن أولئك الذين زرعوا هذا الوهم في عقولنا ليسوا من جنسنا).

وحول الاختلافات الجنوسية الأخرى بين الرجال والنساء يقدم Allan Pease وهو من المتخصصين في هذه المجالات وله عشرات الكتب ومئات المحاضرات بمشاركة زوجته Barbara Pease:

“إن الرغبة الجنسية لدى المرأة تشبه الفرن الكهربائي الذي تزداد حرارته شيئًا فشيئًا وتتأثر تلك الرغبة بالأحداث التي تقع في حياتها، فضغوط الحياة لا تدفعها للتفكير في تلك العلاقة بل للنوم، وهي تمارس كثيرًا من الجنس مع نفس الشخص الذي تحبه، وهي كي تمارس هذه العلاقة تحتاج لسبب، وحينما ترى المرأة صورة لرجل عارٍ فغالبًا ستنفجر في نوبة من الضحك [أو الكسوف على حسب حيائها] وأن المرأة تستخدم أسلوب الابتزاز العاطفي للحصول على ما تريده.

أما الرجل فرغبته تشبه الموقد المشتعل الذي يندلع في لحظة وينطفئ بعد أداء المهمة، والأحداث اليومية في حياة الرجل تدفعه للتفكير في الجنس لتخليصه من التوتر، والرجل تترسخ في عقله فكرة التعددية الجنسية ولا يحتاج لممارسة العلاقة لأسباب بل لمكان، وإن رأى صورة عارية لامرأة فهذا يثيره ويجذبه لها، وأما الرجل فهو يستخدم أسلوب القوة للحصول على ما يريد”. [Why Men Can Only Do One Thing at a Time & Women Never Stop Talking ]

وكل تلك الاختلافات هي أمور علمية ونفسية بحتة لا علاقة لها بطبيعة المجتمعات.

وأعتقد أن تلك إجابة كافية على سؤاله ومع ذلك فسأزيده من الشعر بيتًا، ولكن بداية ما نراه في الشارع ليس حجابًا بالمعنى الإسلامي إنما غطاء رأس. فالحجاب هو ستر في السلوك والمشاعر والأفكار قبل أن يكون سترًا للجسد {وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ۚ} – [الأعراف:26].

وبهذا المعنى فالرجل أيضا فُرض عليه حجاب {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} – [النور:30].

أما اتهام النساء المحجبات أنهن مقهورات ضعيفات فنظرة بسيطة جدا على المحجبات في السجون والمعتقلات بسبب دفاعهن عن مبدأ وبسبب ثورتهن على الظلم والاستبداد – الذي لم يتحدث عنه الكاتب إطلاقًا ولم يتهمه بأنه السبب الأول والأخير في أمراضنا المجتمعية وليس الحجاب! – فكيف يعقل أن تكون مثل هذه النساء ضعيفات مقهورات! إنهن أقوى من كثير من الرجال.

إن امرأة غربية أسلمت رأت في الحجاب قوة لم يرها المسلمون أنفسهم، وهذه هي السيدة تتحدث بنفسها عن قوة الحجاب: https://youtu.be/TKaWiNob5W4

ما مشكلتك الحقيقة مع الحجاب؟! هل لأنه علامة قهر للنساء أم لأنه علامة قهر للرجال؟! هل لأنه تعبير عن خضوع المرأة أم تعبير عن خضوع الرجل؟!

فضح الكاتب نفسه حينما استاء من المثل القائل بأن المرأة جوهرة مكنونة يجب أن توضع في خزنة لحمايتها من اللصوص، فيبدو لي أن المشكلة الحقيقية لكثيرين مع الحجاب هي كما تقول العبارة الشائعة “إنهم لا يريدون حرية المرأة إنما حرية الوصول للمرأة”.

فالمرأة الفاضلة يصعب الحصول عليها وقد عبر د.مصطفى محمود عن تلك القوة الإيمانية قائلًا: “فالمرأة الفاضلة.. فإني أخافها وأرتعد منها لأن فضيلتها تجعلني ألقي بكل سلاحي وأضع روحي بين كفيها بلا تحفظ”. وهكذا نحن جميعًا معشر الرجال.

والمغالطة الأشد التي ساقها الكاتب هي أن الحجاب يجعل من جسد المرأة ملكية عامة!

فهو يرى أن المرأة التي تستر جسدها بحيث لا يراه إلا شخص واحد فقط هو من اختارها أمًا لأطفاله وضحى بحريته من أجلها هي صاحبة جسد ملكية عامة، أما تلك المرأة التي ترى منها في الشارع ما لا يراه زوجها في المنزل فتلك جسدها ملكية خاصة! ويكفينا هنا رؤية جسد المرأة الغربية غير المحجبة والتي أصبحت ضيفًا في كل المناسبات فما يخلو فيلم أو أغنية أو إعلان حتى لو كان إعلان كريم حلاقة! من امرأة عارية الجسد تتمايل لتجذب الرجال، فمن هن صاحبات الجسد الملكية العامة؟

ربما لضعف الحجة لجأ الكاتب لكثير من المغالطات المنطقية وكان أغلبها:

حيث سردَ قصصًا من نسج خياله أو البعض منها يحدث في الواقع ولكن الكل بلا استثناء يرفضها، ورغم ذلك نسبَ حدوثَها بسبب الحجاب على الرغم من أن كثيرًا من تلك الأمراض لها أسباب أخرى أكثر تأثيرًا ووضوحًا.

وهو أسلوب سهل فكل ما عليك فعله أن تبني رجلًا من القش ثم تهاجمه ثم تبين مدى ضعفه وكيف كانت هزيمته سهلة جدا وبالتالي تقفز للاستنتاج المرغوب!

فقدم حججًا واهية على لسان المدافعين عن الحجاب ثم ضرب تلك الحجج بالضربة القاضية! وقفز بذلك لاستنتاج أن الحجاب ليس فريضة فكل حججه واهية!

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل