المحتوى الرئيسى

أحمد مجدي يوسف يكتب: لماذا الذات “مُنتفخة” عند المثقّفين العَرب؟! | ساسة بوست

05/24 17:24

منذ 48 دقيقه، 24 مايو,2015

“التواضع ما هو الا المفتاح الحقيقي للنجاح؛ الاناس الناجحون يفقدون طريقهم في بعض الاوقات؛ فغالبًا ما يبالغون في الاستمتاع بثمار النجاح. التواضع يَمنع الوقوع في هذا الفخ من الغرور والغَطرسه. الاناس المتواضعون يشاركون المَنزله العاليه والثروات، ويحتفظون بتركيزهم وتعطّشهم لاستكمال رحله النجاح”.

مدرّب السلّه الامريكي “ريك بيتينو”

لم يُدرك صديقي الاردني طالب الدكتوراه باحدي الجامعات الامريكيه المرموقه مقدار ما سبّبه سؤاله الذي طَرحه عليّ مِن حيره في راسي، ربما لان سؤاله نَفسه ظلّ يلح عليّ منذ سنوات ولم اجد له جوابًا شافيًا حتي الان، ربما، لا اعرف حقيقه!

لماذا يَصعب التعامل مع المثقّف العربي علي المستوي الشخصي والنَفسي والفكري؟

بمعني اخر، لماذا هذه “الذات المنتفخه” لدي كثير من المثقّفين العَرب، بينما نَصطدم بحجم التواضع الذي نراه من المثقّفين الغَرب او حتي غير الغَرب من الشرق الاقصي؟! سالني صديقي وهو يامل ان يَجد الجواب عندي!

عاد سؤال صديقي بيّ خمس سنوات الي الوراء، عندما كُنت ادرس باحدي الجامعات الاوروبيه ما كتبه ادوارد سعيد عن الاستشراق Orientalism في كتابه الذي حَمل الاسم نفسه، وكيف يَري ويصوّر الغَرب الشَرق في كثير من الدراسات الادبيه والفلسفيه وايضًا في الثقافه العامه ككلّ.

وكنت اغتاظ كثيرًا وانا احاول افنّد تلك الثنائيات المتناقضه والقوالب النمطيه التي وَضعها الغرب لوَصف العلاقه بين الشَرق والغَرب: فالشَرقي او الـ Orient المُنحدر من الشرق الاوسط والعالم الاسلامي، يمثّل افتقاد العقل ورجاحته مع عدم القدره علي التفكّر وتدبّر الامور، فضلًا عن تصويره علي انه كسول وتابع ذليل يحتاج دائمًا الي من يُرشده الي طريق الصواب، كما انه سلبي الي ابعد الحدود وصعب الفهم وشهواني ايضًا؛ حيث ساهمت اعمال مثل “الف ليله وليله” في ترسيخ تلك الصفه النمطيه بشكل كبير!

وفي المقابل، هناك الغَربي او الـ Occident، وهو المنحدر من اصول اوروبيه والذي يمثّل عكس الصفات السابقه كلها؛ فهو عاقل ورزين ومتحضّر ومتواضع وايضًا اعلي شانًا وسموًّا وغيرها من الصفات الايجابيه الاخري!

ولكن، بشكل او باخر، ورغم كرهي لهذا التصنيف الجائر وتاييدي لنقد ادوارد سعيد لدراسات الاستشراق والصور النمطيه الخاصه بها، الا اننا لا يُمكن ان نغفل كليًّا ان بعض الشرقيين، لا سيما النخبه المثقّفه منهم، يحاولون دون وعي منهم تَرسيخ تلك الثنائيات المتناقضه سابقه الذكر، لا سيما تلك المتعلّقه بالذات و”الانا” المنتفخه في مقابل “تواضع” الغَربي، بل ان قلّه منهم الذين تعلّموا في جامعات غربيه، يتقمّصون دوّر الغَربي في دراسات الاستشراق تجاه ابناء وطنهم، وهو امر مثير للدهشه ويدعو الي الحُزن والرثاء في الوقت نفسه!

وفي السطور القليله المقبله، احاول – من وجهه نظري- ان القي الضوء علي الاسباب التي قد تكون وراء تلك الغَطرسه التي تجتاح بعض المثقفين العرب، دون اللجوء الي التعميم غير المُجدي، مع الاخذ في الاعتبار ان تعريف المثقّف هنا لا ينطبق علي الادباء والاكاديميين فحسب، وانما يتوسّع المصطلح ليشمل النخبه المتعلّمه تعليمًا مرموقًا من المجتمع.

البيئه التعليمه في الوطن العربي تدعو الي الرثاء، وقد يعزو اليها تضخّم “الانا” واستفحالها عند المثقفين العَرب؛ فبخلاف ثقافه التَلقين والحفظ عن ظهر قلب للمناهج التعليميه، والاختفاء التام لما يُسمّي بالتفكير النقدي في العمليه التعليميه بالوطن العربي، فان علاقه المدرس وتلميذه او الاستاذ الجامعي والطلاب يشوبها كذلك العديد من الشوائب والعيوب!

منذ ما يقرب من قرن او اكثر من الزمان، كان الكُتّاب (بضمّ الكاف وتشديد التاء) هو الوسيله الاشهر للتعلّم في الوطن العربي، بل قد تكون الوسيله الوحيده لتعليم اطفال المسلمين القراءه والكتابه وحفظ القران الكريم، ومع تطوّر العمليه التعليميه في الوطن العربي، تغيّر شكل الدراسه ولكن لم يتغيّر الاسلوب!

كان المعلّم بالكتاتيب هو الامر الناهي ويهابه جميع الطلاب بهيئته الوقوره من جلباب وعِمّه وعصا “الخيِزرانه” بين يديه، يستعد لانزالها علي اي من تلاميذه “الاغبياء” الذين لا يسيرون علي نهجه وفكره “المستنير”! ذلك النمط في التعلّم سَرّب ثقافه الخوف والتلقين دون معارضه الي العمليه التعليميه بالاجيال التي تلتها؛ فطلاب الكُتّاب بالامس باتوا مدرّسين اليوم بمدارس عصريه، مع محاوله اللجوء الي ثقافه الخوف والتلقين نفسها في تعليم طلابهم وتلاميذهم!

والنَتيجه الحتميه لهذا النمط التعليمي، الي جانب الشُح في الانفاق علي التعليم بمراحله المختلفه في الوطن العربي مقارنه بالدول الغربيه، تَدني جوده التعليم بشقّيه الاساسي والعالي. وفي هذا السياق، اشار مَسح استقصائي بعنوان “اتّجاهات في دراسه الرياضيات والعلوم الدوليه” TIMSS في عام 2007 الي ان كافه الدول العربيه الـ 12 المشاركه في المَسح الاستقصائي طلابهم دون المستوي المطلوب؛ فاقل من 1 بالمئه من الطلاب في سن 12 الي 13 عامًا بعشر دول عربيه وَصلوا الي مستوي متقدّم في العلوم، مقارنه بنسبه 32 بالمئه في سنغافوره و10 بالمئه في الولايات المتحدة الامريكية!

والذي ينطبق علي التعليم الاساسي ينطبق ايضًا علي التعليم الجامعي كذلك؛ فعدد الجامعات العربية المُدرجه في التصنيف السنوي لافضل 500 جامعه علي مستوي العالم، لا يصّل الي خمس جامعات في افضل الاحوال!

اما علاقه الطلاب بالاساتذه الجامعيين في الوطن العربي، فحدّث ولا حرج؛ حيث يتعامل العديد من الاساتذه، لا سيما في الجامعات الحكوميه، وكانهم ظلّ الله في الارض، ولا اكاد انسي تلك الواقعه التي سَردها ليّ احد الاصدقاء ان استاذًا باحدي الجامعات المصريه الحكوميه قال لطلابّه: “هل تعرفون الله؟ انا هو الله بالنسبه اليكم فيما يتعلّق بالماده التي ادرّسها وبالورقه الامتحانيه؛ ما اقوله افعله فلا تعصوني او تخالفوني”!

بطبيعه الحال هذا “التشوّه التعليمي” – اذا جاز التعبير- اسفر عن مثقّفين عَرب “مشوّهين” بدورهم، لا يَعرفون معني التفكير النقدي ولم يُخبّروه، مع معرفه علميه محدوده تجعل كونهم مثقّفين امرًا مشكوكًا فيه من الاساس، اذا ما تم مقارنتهم بمثقّفين غَربيين او غير غَربيين اخرين!

97 مليون امّي في الوطن العربي!

نسب الاميه في الوطن العربي كبيره للغايه؛ حيث بَلغت في عام 2014 الماضي 97 مليون امّي تقريبًا لا يعرف القراءه او الكتابه، اي بنسبه 19 بالمئه من عدد السكان البالغ 350 مليون شخص تقريبًا، وفقًا لتقرير اوردته منظمّه اليسكو (المنظمه العربيه للتربيه والثقافه والعلوم).

وحسب تقرير اليسكو نفسه، فان هناك 6.188 مليون صبي وفتاه في سنّ التعلّم الاساسي لم يلتحقوا باي نوع من انواع التعليم، ما يَعني ان مستويات الاميه ستزداد اكثر واكثر في المستقبل. كما اكّدت المنظمه ان نسبه المتسرّبين من التعليم الاساسي في الوطن العربي هي الاعلي في العالم.

تلك النسبه الكبيره من الامّيين في الوطن العربي تجعل المثقّف العربي يَري نَفسه في مرتبه ومنزله اعلي بكثير من قرنائه، وهي الظاهره التي تجلّت بشّده مع الداعيه اسلام البحيري الذي حصل علي ماجستير في “طرائق التعامل مع التراث” من جامعه ويلز بانجلترا واثار بارائه مؤخّرًا جدلًا كبيرًا في الاوساط الدينيه المصريه والعربيه، حيث قدّم برنامجًا فضائيًّا حول التراث يفنّد فيه المسلّمات الدينيه الموروثه.

مشكلّه “البحيري” كغيره من المثقّفين العَرب انه يَعتمد علي ان الكثير من مستمعيه ومشاهديه لا يعرفون شيئًا عما يقوله، بل لا يعرفون شيئًا علي الاطلاق، ما يجعله يبدو واثقًا وهو يُدلي بارائه الدينيه دون ادني معارضه. وعندما تبرز تلك المعارضه في هيئه مناظره تلفزيونيه بين شيوخ من الازهر وبينه، يظهر جليًّا تخوّفه من النقد ومهاجمه من ينتقده علي طول الخطّ، علمًا بان ابسط قواعد وبديهيات الباحث العلمي قابليه ان يتعرّض بحثه لسهام النَقد بصدر رحب، من اجل اثراء عمليه البحث العلمي بشكل عام!

“البحيري” وغيره من المثقفين العَرب يعولون بشدّه علي نسب الامّيه وكذا “انصاف المتعلّمين” من ابناء الوطن العربي، وهو ما قد يفسّر تضخم الذات وانتفاخها عند هؤلاء المثقّفين.

وفي مقابل ذلك، قد تمثّل البيئه التعليميه القائمه علي اسس دينيه في الوطن العربي تهديدًا للثقافه والمثقّفين العَرب؛ ففي احد المسوح الاستقصائيه التي قامت بها مطبوعه “الايكونوميست” في عام 2009 علي البالغين المصريين، وُجد ان بالكاد ثُلث هؤلاء البالغين سمعوا عن تشارلز داروين ونظريه التطوّر، ويَري 8 بالمئه فقط ان هناك قرائن ودلائل تَدعم نظريه التطوّر الشهيره.

اما المعلّمون انفسهم، فباتوا مشكّكين بدورهم في جدوي هذه النظريه. وفي مَسح ضم تسع مدارس مصريه يُدرَّس بها نظريه التطور ضمن المناهج التعليميه للتلاميذ في عُمر الـ 15 عامًا، لم يَصدّق مدرس واحد من ضمن 30 مدرس علوم تم اجراء مقابله معهم، صحه اي من افكار نظريه التطوّر. وفي احدي الجامعات الخاصه بالامارات، راي فقط 15 بالمئه من اعضاء هيئه التدريس ان هناك دليلًا جيدًا يدعم نظريه التطوّر!

العنصريه والطبقيه مرضان يتفشّيان بين المثقّفين العَرب…

اذا كانت دراسات الاستشراق تنمّ عن عنصريه كبيره؛ حيث تَري الغَرب في كفّه وكل ما عداهم في كفّه اخري، فان المثقّفين العَرب يرون انفسهم في جانب والاخرين غير المثقّفين في جانب اخر. بمعني اخر، يَري المدافعون عن دراسات الاستشراق ان هناك ما يُسمّي بالطبقيه الثنائيه؛ فالاخر غير الغَربي يفتقد الي “النظام والذكاء والعِفه والاحتشام الجنسي وايضًا الي التحضّر والتاريخ”، ما تسبّب في ظهور “الثنائيات الطبقيه” مثل: “بلداننا في مقابل قبائلهم؛ ديانتنا في مقابل خرافاتهم؛ ثقافتنا في مقابل فولكلورهم الشعبي؛ فنّنا وادابنا في مقابل حِرفهم؛ مظاهراتنا في مقابل شغبهم؛ دفاعاتنا مقابل ارهابهم”.

وبالمثل، في مجتمع عنصري سلطوي شمولي بطبعه يُقيّم الاخر وفقًا لمكانته الماديه والعلميه وحسبه ونَسبه، وايضًا بدرجه قربه من النظام الحاكم والسلطه، فان تلك الثنائيات الطبقيه تَظهر واضحه بشدّه بين المثقّف العربي وعامه الناس، بل وبين المثقّفين العَرب بعضهم البعض!

الامثله عديده التي تبيّن مقدار العنصريه والطبقيه المتفشّيين بين العَرب، لا سيما مع الاقليات والاجناس الاخري. الصحفيه “مني الطحاوي” كَتبت في عام 2008 مقال بجريده نيويورك تايمز الامريكيه بعنوان: “العنصريه: السر الوضيع للعالم العربي”؛ حيث تَسرد بعض الوقائع العنصريه من مصريين ضد السود، قائله: “نحن شعب عنصري في مصر ونحن ننكر هذا بشدّه… ففي مصر والعالم العربي، هناك ثقافه الصمت تجاه الحوادث العنصريه التي تعكس سلبيه المجتمع العربي”.

اما في مجتمع المثقّفين العرب، فلا يمكن انكار التعليق العنصري لوزير الثقافه المصري “عبد الواحد النبوي” الذي اصدره منذ اسابيع قليله، في حق امينه احد المتاحف بالاسكندريه؛ حيث وَصف وزير الثقافه امينه المتحف بالـ”تخينه” او السمينه، قائلًا:

“انا عندي مشكله مع الموظفين التخان”!

وما يَحدث في مصر تجاه السود، يَحدث ايضًا تجاه الاكراد في بعض البلدان العربيه، بل يَحدث ايضًا ان ينحاز المثقّفون الي الدوله والنظام الحاكم فيتبنون وجهه النظر السياسيه للاخيره، وينعتون المختلفين مع وجهه النظر السياسيه تلك سواء كانوا مثقّفين او غير مثقّفين، باقذع العبارات العنصريه والطبقيه.

قد يظنّ البعض ان هذا ليس سببًا علي الاطلاق، ولا يمت بصله للذات المنتفخه عند المثقّفين العَرب، ولكن العديد من المؤرّخين والباحثين يرون ان المناخ يحمل بين طيّاته ايديولوجيات بعينها؛ حيث لطالما حُدّدت شخصيه اجناس متنوّعه عبر التاريخ من خلال المناخ؛ حيث فسّر البعض انتصارات الاسكندر الاكبر علي الامبراطوريه الفارسيه علي انه حَدث بفضل هِمّه وقدره الاوروبيين علي الانتصار مقابل الشخصيه “الاكثر لينًا” للاسيويين!

وبالمثل، انهي المؤرّخ “اليسورث هانتنغتون” في كتابه “الحضاره والمناخ” لعام 1915 بهذه الكلمات: “اذا ما تمكّننا من التغلّب علي المناخ، فان العالم كله سيصبح اقوي واكثر نُبلًا.”! ويُرجع “هانتنغتون” نظريته “الطبقيه العنصريه” الي المناخ وتقلّباته؛ حيث يَري تفوّق الجنس الابيض علي الاسود، كما خَلُص الي انه ما مِن امه ارتفعت الي اعلي درجات الحضاره الا في المناطق التي يكون فيها الحافز او الدَافع المناخي كبيرًا؛ فالمناخ المفضّل عامل اساسي للحضارات العظيمه!

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل