المحتوى الرئيسى

حوار| أثري مصري لـ"الليبيين": التراث مش حجارة

05/22 11:09

علي اعتاب طائره في مطار معتيجا العسكري في ليبيا، يقف الاثري المصري وليد خليل، يتذكر الشهر الاخير في ليبيا، شهر من المعاناه تحت ضغوط لم يكن ليتصورها حينما وافق علي عرض المسؤول الليبي بالاعاره الي احد كليات الاثار بليبيا، اثناء مناقشته رساله الدكتوراه بروسيا.

شهر كامت تحت القذف، في ظل ازمه انسانيه شديده، لا رواتب، لا كهرباء، لا مياه، ارتفاع في الاسعار، نقص في الغذاء، ازمه في الوقود، ظروف تحملها "خليل" لمده شهر كامل في ليبيا، بعد ان تمكنت عائلته من اعادته الي مصر.

عام ونصف كانت كفيله بان يحلل الاكاديمي المصري، الوضع في ليبيا انسانيًا واثريًا، لهذا كان لنا معه هذا اللقاء.

حينما سافر الدكتور وليد خليل الي ليبيا في فبراير 2013، كانت الاجواء اكثر استقرارًا، وسرعان ما انقلب راسًا علي عقب، فاصبحت الحياه هناك شبه مستحيله، ما جعله يقول: " اذا انعدم الامن والامان، لا مجال لحياه ادميه".

في محاولات للتامل والدقه، قسم خليل الوضع الانساني في ليبيا، الي قبل وبعد الثوره، وقبيل اندلاع ثوره 17 فبراير 2011، كان هناك حب وود بين الشعبين الليبي والمصري، الا ان كل ذلك تحول، بعد اندلاع الثوره، فاصبح من الصعب علي الشعب الليبي ان يتقبل الراي الاخر، ويعتبره مهما كانت جهته دربًا من دروب التعالي او التكبر.

وعلي نفس المنوال، قام خليل بتقسم الوضع الاثري ايضا، الي قبل وبعد الثوره، فرغم عدم انتشار التعديات قبل الثوره علي الاثار الليبيه، الا انها لم تكن في نظره باحسن حال، فكانت تعاني دائمًا من انعدام ترميمات، ودوام الغلق.

وازداد الامر سوءا بعد الثوره، لعدم وجود قوانين او روادع تؤمن المناطق الاثريه، حيث اصبح الاهالي يتقاسمون اراض تحتوي علي اثار علي انفسهم، ويقيمون الحفائر غير المقننه.

انتشار السلاح بطريقه عشوائيه في ليبيا، جعل من مناطق اثريه كامله، مثل المدينه القديمه، في قلب العاصمه طرابلوس، والتي تحولت الي وكر علني لتجاره المخدرات والسلاح، فاصبح من الخطوره زياره الاماكن الاثريه في وضح النهار، ناهيك عن المدن التي تعرضت الي النهب والسلب.

يسرد الاثري المصري، الذي طغت علي وجهه سمره الصحاري الليبيه، بلهجه من الحسره ما تمتلك ليبيا من معالم اثريه، لا يعلم قيمتها الشعب الليبي نفسه، فهي في نظره مجمع لحضارات كبري، بحكم موقعها الجغرافي، بدايه من الحضاره الجرانيتيه، والامازيغيه، والرومانيه والعثمانيه، وصولًا الي الاحتلال الايطالي.

ورغم كل هذا، فان الشعب الليبي مكتفي بانتاج النفط وتصديره، ولا يستغلوا ذلك الارث الحضاري والتاريخي، والذي هو من وجهه نظر الاثري المصري افضل من النفط.

فعلي الساحل الليبي مدن يونانيه واغريقيه كامله، ومناطق اثريه راقيه كانت ستستغل افض استغلال اذا وجدت في اي دوله اخري، بحسب قول خليل، الا ان بعد الثوره اهينت تلك المناطق الاثريه.

فخمس مناطق علي قائمه اليونسكو للتراث العالمي، لم توقظ الشعب الليبي من غفلته للحفاظ عليها، هم مدن الشحات ولبدا الكبري وسبراطه وغدامس التي تلقب بلؤلؤه الصحراء، والمدينه العتيقه بوسط طرابلوس التي تحتوي علي احياء واسوار وابواب عتيقه، كما تحتوي علي السرايا الحمراء.

لم يكن الارهاب وحده من وجهه نظر خليل هو الخطر علي الاثار الليبيه، فقله الوعي الاثري لدي الشعب الليبي هي التي مكنته من ان يشكل خطرًا من الاساس، وهو ما جعله يوجه كلمه لكل العالم والشعب الليبي بالاخص: "الاثار ليست حجاره .. الاثار تروي قصصا وتؤرخ لحضارات، فمن لم يقدر قيمه الاثر لم يقدر قيمه الانسان الذي بناه".

وفي محاوله لحصر التعديات علي الاثار لليبيه، يحكي خليل عن اول جريمه اثريه في ليبيا بعد الثوره، وهي سرقه الوديعه الاثريه "كنز بني غازي" والتي كانت محفوظه في المصرف التجاري بشارع عمر المختار، وتحتوي علي 6000 راس تمثال اثري، وعدد من العملات الذهبيه والففضيه، وحتي الان سارقها مجهول، ولكنها تباع علي مراي ومسمع من الاعين العربيه بالمزادات الاجنبيه ونحن مسلوبين الاراده.

ومع ظهور التيارات المتشدده بليبيا، وصل الامر الي هدم الاضرحه، مثل ضريح الشيخ عبد السلام الاسمر بمدينه الخمس، ومقابر زويله في جنوب شرق ليبيا، وهي الاعمال التخريبيه التي اعلنت مسؤوليتها جماعه تدعي انصار البغدادي بدافع الحرمانيه، الا انهم لم يكتفوا بالهدم فحزب، فيلتقط خليل انفاسه وتابع بعصبيه: "اصبحوا يهدمون الاضرحه ويمثلون برفات من بداخلها، بنشرها علي احبال داخل اكياس القمامه".

ناهيك عن هدم بقايا كنيسه بني غازي، وهدم واحراق مسجد الدهماني بطرابلوس، واحراق مكتبه متحف زيلتن، وهو ما بث الرعب داخل الاهالي، فاصبح لا احد يدب وطا قدم داخل منكقه اثريه، اضافه الي التعديات البسيطه والعاديه، واستخدام المناطق الاثريه لاغراض اخري، فقدر خليل الخساره الاثريه بليبيا الي 40% من الاثار الليبيه، كدراسه مبدئيه.

ورغم ان دراسه الاثار في ليبيا لا تحظي الاحترام الكافي، فالاهالي يعتبرونها دراسه للحجاره، والطلاب لا يقبلون عليها الا باجبار مكاتب التنسيق، الا ان خليل وجد لديهم ميزه وحيده، وهي تدريب الطلاب عمليًا علي اعمال الحفائر، ولو بامكانيات بسيطه، وهو ما ليس متوفرًا حتي الان بمصر.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل