المحتوى الرئيسى

طارق متولي يكتب: عمدة جهنم

05/22 10:07

من بين كل القصص الخيالية والأساطير التي قرأتها، من بين كل الشخصيات المختلفة في فلكلور الشعوب المتفرقة، ومن بين كل قصص الأديان وعالم الآخرة، لم أعشق شخصية مثلما عشقت “مالك”.

في العقيدة الإسلامية “مالك” هو خازن النار، الملاك الذي يدير شئون جهنم، ففي الإسلام ليس لله ند في معركة بين الخير والشر، في الإسلام ليس لأحد ملك إلا الله، الشيطان لا يحكم جهنم بل هو نزيل بها، عذابه أبدي في قبضة “مالك” وقبضة التسعة عشر ملكاً الذين يعملون تحت أمرته، “مالك” بمفهومنا الدنيوي هو عمدة جهنم.

لم يذكر اسمه إلا مرتين، مرة منهم في القرآن وأهل النار يترجونه أن يجعلهم عدم لينتهي عذابهم فيجيبهم: )إنكم ماكثون).

لا يجادل، لا يبرر، لا يشرح، لا يفسر، لا يلوم، لا يعاتب، لا يلقي خطاباً وعظياً مليئاً بالحكمة، لا يوافقهم الرأي او حتى يخالفهم، فقط ينصت بهدوء وينظر إليهم نظرة موقنة يتذكرون بها جيدا مع من يتعاملون ثم يجيب بإختصار شديد: (إنكم ماكثون).

ثم ذُكر اسمه مرة ثانية في “السيرة النبوية لابن هشام ” في رحلة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم إلى السماء ليلة الإسراء والمعراج ويقول الرسول:

“تلقتني الملائكة حين دخلت السماء الدنيا فلم يلقني ملك إلا ضاحكا مستبشرا، يقول خيرا ويدعو به، حتى لقيني ملك من الملائكة فقال مثل ما قالوا ودعا بمثل ما دعوا به إلا أنه لم يضحك، ولم أر منه من البشر مثل ما رأيت من غيره، فقلت لجبريل: يا جبريل من هذا الملك الذي قال لي كما قالت الملائكة ولم يضحك إلي؟ ولم أر منه من البشر مثل الذي رأيت من غيره؟، فقال لي جبريل: أما إنه لو ضحك إلى أحد كان قبلك أو كان ضاحكا إلى أحد بعدك لضحك إليك، لكنه لا يضحك، هذا مالك خازن النار”.

كل ما نعلمه عن “مالك”.. أنه لا يضحك.

يوم لام الناس المغتصبة وابتدعوا الأعذار للمغتصب؟

يوم شرح لك القاتل نبل أهداف جريمته؟

يوم حاولت أن تجد الأعذار للخائن والمنافق؟

يوم حزنت وفاض بالبكاء قلبك، ولم تتحمل كل هذا الأسى، فلم تجد صرخة تصرخها في وجه واقعك المؤلم أعلى من أن تنفجر في الضحك؟ هل تتذكر هذه الوسيلة الدفاعية البائسة التي كلما اعتصر الحزن قلبك هربت إليها ودمعت عيناك ضحكا؟

ومع فائق احترامي لك، أنت لست مثل “مالك” بشئ.

هو نور لا تمسه النار.

عظيم تزلزل خطاه المنيرة ظلمات الجحيم.

يتوسلون إليه أبد الدهر أن يجد لهم عذرا، فلا يضحك.

يمطرونه بلغو أكاذيبهم البالية، فلا يضحك.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل