المحتوى الرئيسى

سينما الرثاثة وفن الكباريهات

05/22 00:57

كان الذهاب الي السينما في بيروت خلال حقبه السبعينيات متعه غامره، بل سهره كامله تبدا قرابه السادسه مساء، فيجلس الواحد منا مع صديقته في احد مقاهي الرصيف في شارع الحمراء كالالدورادو مثلًا او الكافيه دو باري، ويطلبان بعض الطعام، ويسرِّحان النظر في الجمال والاناقه والذوق الرفيع؛ وهي العناصر التشكيليه لهذا الشارع المتوثب. وفي تمام التاسعه كنا ندلف الي صاله السينما بهدوء ونظام وادب؛ فلا بوشار ولا سندويتشات ولا سجائر كما يحدث في صالات الاحياء وساحه البرج. ويستمر العرض في العاده الي ما قبل منتصف الليل بقليل، ونكون حينذاك، ونحن خارجون من ظلام الصاله، علي موعد جديد مع انوار شارع الحمراء بعدما بات عدد الرواد قليلًا، وخف الصخب كثيرًا. وربما نجلس في احد المقاهي لاحتساء شراب ما او تناول قطعه حلوي. وهكذا تستغرق رحله السينما اكثر من ست ساعات متواصله.

اعرف ان الذهاب اليوم الي السينما لا يستهلك اكثر من مئه دقيقه لكثير من الشبان الذين يدلفون الي الصاله مع بدايه عرض الفيلم ويخرجون قبيل شاره النهايه، الامر الذي يشبه دخول المراحيض والخروج منها بسرعه، فلا تامّل ولا تنعم ولا استمتاع حقيقي بالظلام حين تكون العيون كلها شاخصه الي شاشه واحده. ولا الوم احدًا في هذا المسلك الاستهلاكي لان معظم الافلام ما عاد لها الاثر الذي كانت تتركه في خيالنا واحاسيسنا افلام عظيمه مشهوره. فحين شاهدنا فيلم «زوربا» والظهر العاري لبطلته ايرين باباس مزقنا كتب الجامعه. وعندما شاهدنا «ثرثره فوق النيل» و «الكرنك» و «العصفور» بدا نقد الناصريه لدينا حقًا، وليس قبل ذلك، علي الرغم من مقالات مجله «الحريه» ومجله «دراسات عربيه» وقصائد نزار قباني وكتاباته في مجله «الاسبوع العربي». وفي هذه الحقبه ظهرت افلام مهمه مثل «درب المهابيل» (توفيق صالح) و «ليل وقضبان» (اشرف فهمي) و «زوجتي والكلب» (سعيد مرزوق) و «الجوع» (علي بدر خان) و «شيء من الخوف» (حسين كمال) وغيرها كثير. انذاك لم يفتننا فيلم «الدارعه بوتمكين» او « فيلم «الحرب والسلم» (جزءان) او فيلم «الفهد»، بل ادهشتنا افلام مثل «زد» و «حاله حصار» لكوستا غافراس، و «سحر البرجوازيه الخفي» و «شبح الحريه» للويس بونويل، و «دولتشي فيتا» و «اماركورد» و «موت البندقيه» وجميع افلام وودي الن.

يلوح لي ان معين الابداع والتجدد قد نضب تمامًا في السينما المصرية التي باتت افلامها عباره عن مشاهد صاخبه بلا ترابط، وكلام غير واضح، واغانٍ تصطخب فيها الحركات والالات والاجساد علي طريقه الكباريهات والمراقص الرخيصه. ففي الكباريهات ضروب من التعبير الخاص بهذا المكان، وهي من متممات الحال كالرقص والغناء والعزف، وجل ما في الامر هو اضفاء اجواء مثيره واستجلاب المتعه والاثاره. وما يجري في الكباريه لا يُنقل الي المنازل، تمامًا مثل لغه التخاطب في مقاهي الاحياء، فتبقي محصوره فيها، ولا ينقل الاب علي سبيل المثال لغه المقاهي الي بيته؛ فلكل مكان طريقته المخصوصه في التسليه والمتعه.

المشكله اليوم، بحسب قدرتي علي الالتقاط والتفكر، ان فن الكباريهات والكلام اليومي الساري في الافواه في الاحياء الرثه وعلي السنه ابناء الاغنياء الجــدد راح ينتقل الي المنازل من خلال الافــلام التافهه التي تعرضــها قنوات التلفزه العربيــه. ودلــيلي ان معين الابداع والتجدد قد نضب الي حد كبــير في السينما المصريه هو اســماء الافـــلام. لنرصــد ما يــلي: فيلم «اللص والكــتاب» هو اختطاف مبتذل لفيلم «اللص والكلاب» للمخرج كمال الشيخ عن روايه مشهوره لنجيب محفوظ. وفيلم «اريد خُلعًا» استــعاره من الفيلم المشهور «اريد حلًا». وفيلم «الناظــر صلاح الدين» هو استيلاء ممجوج علي اسم الفيلم المعروف «الناصر صلاح الدين». وعلي هذا المنــوال شاهدنا وقرانا اعلانات عن الافــلام التاليه: «قصه الحي الشعبي» بــدلًا من «قصه الحي الغربي». و «فول الصين العظيم» بدلًا من «ســور الصــين العظيم». و «احلام الفتي الطائش» بدلًا من «احلام الفتي الطائر» . و«حبــيبي نائمًا» بدلًا من «حبيبي دائمًا». و «المش مهندس حســن» بدلًا من «الباش مهندس حسن». و «امــبراطوريه مين» بدلًا من «امبراطوريه ميم». وثمه فيلم بعنوان «كلبي دليلي» علي نيه فيلم «قلبي دليلي» لفريــد شــوقي واغنــيه ليلي مراد «انا قلبي دليلي»، و «سامي اوكسيد الكربــون»، وهو تحويل ممجوج لمصطلح ثاني اوكسيد الكربون، و «نمس بوند» و «زكي شان» بدلًا من جيمس بوند وجاكي شان.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل