أحمد نصار يكتب: إيران.. نظرة من الداخل | ساسة بوست

منذ 16 دقيقه، 20 مايو,2015

اثار خبر انتحار الفتاه الايرانيه “فريناز خسرواني” بالقاء نفسها من شرفه الفندق الذي تعمل به في مدينه “مها اباد” الايرانيه ذات الاغلبيه الكرديه، احتجاجات قويه في المدينه – بولايه اذربيجان الغربيه في ايران، اثر انباء عن تهربها من محاوله اغتصاب من قبل ضابط من الحرس الثوري الإيراني. الامر الذي دفع المحتجين لتدمير كافه محتويات الفندق.

ثم لم تلبث الاحتجاجات ان انتقلت الي مدن في دول مجاوره كمدينه اربيل العراقيه ذات الاغلبيه الكرديه ومدينه اسطنبول التركيه، في اشاره واضحه الي الرباط العرقي العابر للحدود بين هذه الدول.

ومن ناحيه اخري، فان هذه الحادثه قد لفتت الانتباه الي الاختلافات العرقيه داخل ايران التي يسود فيها العرق الفارسي علي بقيه الاعراق منذ قرون، رغم ان نسبته لا تزيد عن نصف الشعب الايراني متعدد العرقيات، وفق كثير من الاحصائيات.

طبقًا لكتاب حقائق العالم (The World Factbook) – وهو منشور سنوي تصدره وكاله المخابرات المركزيه الامريكيه ابتداء من عام 1962، ويحوي من صفحتين الي ثلاثه صفحات عن كل دوله من الدول التي تعترف بها الولايات المتحده، وابتداء من عام 1971، اصبح هذا الكتاب غير سري – فان التوزيع العرقي لسكان إيران ينقسم كالتالي:

فرس 51%، واذريون (اتراك) 24%، وجيلاك ومازندرانيون 8%، واكراد 7%، وعرب 3%، لور 2%، بلوش 2%، تركمان 2%، اعراق اخري 1%.

صحيح ان معظم الايرانيين يدينون بالاسلام الذي جمع بين هذه العرقيات المختلفه وصهرها وربطها برباط العقيده، الا ان اغلبيه السكان يتبعون المذهب الشيعي الجعفري والمعروف ايضًا بالمذهب الامامي او الاثنا عشريه. وياتي في المرتبه الثانيه المذهب السني. ثم ديانات اخري مثل البهائيه واليهوديه والزردشتيه والمسيحيه.

والجدير بالذكر انه تاريخيًّا كان اهل السنه (الشافعيه والحنفيه) الاكثريه في ايران. وكان الشيعه اقليه، محصوره في بعض المدن الايرانيه، مثل قم، وقاشان، ونيسابور، لكن لما وصل الشاه اسماعيل الصفوي الي الحكم سنه 907 هـ اجبر اهل السنه علي التشيع حين خيرهم بينه، وبين الموت، وجعل شعاره سب الخلفاء الثلاثه.

ووفقًا للدستور الايراني الذي كتب بعد ثوره 1979، فان الماده الثانيه تنص علي الايمان “بالامامه”، في تغليب واضح للمذهب الشيعي علي المذهب السني.

كما نصت الماده الخامسه من الدستور الايراني: في زمن غيبه الامام المهدي (عجل الله تعالي فرجه) تكون ولايه الامر وامامه الامه في جمهورية إيران الإسلامية بيد الفقيه العادل، المتقي، البصير بامور العصر، الشجاع القادر علي الاداره والتدبير وذلك وفقًا للماده 107!!

تتضارب المعلومات بشان الحجم الحقيقي للسنه في ايران؛ فالاحصاءات شبه الرسميه الحكوميه في ايران تقول انهم يشكلون 10% من السكان.

الا ان بعض مصادر السنه تؤكد انهم يشكلون 30%، وهو يوافق – كما يقولون- الاحصائيه القديمه التي اجريت اثناء حكم الشاه. ومصادر مستقله تقول ان السنه يشكلون من 15 الي 20% من سكان ايران.

يتوزع السنه علي اطراف ايران بعيدًا عن المركز الذي تشيع اثناء الحكم الصفوي؛ اكثرهم من الاكراد (شافعيه) والبلوش (حنفيه) والتركمان (حنفيه) والطوالش، ثم يليهم العرب (خاصه في لنجه) وبعض الاذريين (حنفيه نقشبنديه).

اما الفرس الشافعيه فكثير منهم من في محافظه فارس وبعضهم في طهران. واهل السنه يشكلون الغالبيه في کردستان (من مدينه قصر شيرين شمال الاحواز الي حدود ارمينيه علي طول حدود تركيا) وبلوشستان وبندر عباس والجزر الخليجيه وبو شهر وتركمن صحرا (من بحر قزوين الي حدود تركمانستان) وشرقي خراسان (تحدها من الشمال تركمانستان، ومن ناحيه الشرق افغانستان). كما يتواجدون كاقليات في كرمنشاه وخوزستان، ومناطق في محافظه لرستان اضافه لمن هاجر منهم للمدن الكبري كطهران واصفهان ومشهد.

كانت ايران حتي العام الماضي تنقسم الي 31 محافظه (انظر الخريطه)؛ قبل ان تعلن وزارة الداخلية الايرانيه في 23 يونيو 2014 عن تقسيم البلاد الي خمس مناطق اداريه وجغرافيه، عوضًا عن 31 محافظه؛ بحيث تحوي كل منطقه عددًا من المحافظات كالتالي حسب الجدول الذي نشرته صحيفه “ارمان” الايرانيه:

المنطقه الاولي: تشمل محافظات “طﻬﺮﺍﻥ، وﻗﺰﻭﻳﻦ، وﻣﺎﺯﻧﺪﺭﺍﻥ، وﺳﻤﻨﺎﻥ، وغوﻠﺴﺘﺎﻥ، وﺍﻟﺒﺮﺯ ﻭﻗﻢ” بمركزيه طهران.

المنطقه الثانيه: تشمل “اﺻﻔﻬﺎﻥ، وﻓﺎﺭﺱ، وﺑﻮﺷﻬﺮ، وجهار ﻣﺤﺎﻝ ﺑﺨﺘﻴﺎﺭﯼ، وﻫﺮﻣﺰغان، ﻭكهغلويه ﻭﺑﻮﻳﺮ اﺣﻤﺪ” بمركزيه اصفهان.

المنطقه الثالثه: تشمل “اﺫﺭﺑﻳﺠﺎﻥ الشرقيه، واﺫﺭﺑﻳﺠﺎﻥ الغربيه، واﺭﺩﺑﻴﻞ، وﺯﻧﺠﺎﻥ، وغيلان، ﻭﮐﺮﺩﺳﺘﺎﻥ” بمركزيه اذربيجان الشرقیه.

المنطقه الرابعه: فتشمل “ﮐﺮﻣﻧﺸﺎﻩ، وعيلام، وﻟوﺮﺳﺘﺎﻥ، وﻫﻤﺪﺍﻥ، وﻣﺮﮐﺰي ﻭﺧﻮﺯﺳﺘﺎﻥ (الاهواز)” بمركزيه كرمنشاه.

المنطقه الخامسه: تشمل “ﺧﺮﺍﺳﺎﻥ ﺭﺿﻮي، وﺧﺮﺍﺳﺎﻥ الجنوبيه، وﺧﺮﺍﺳﺎﻥ الشماليه، وﮐﺮﻣﺎﻥ، وﻳﺰﺩ، ﻭﺳﻴﺴﺘﺎﻥ ﺑلوشستان” بمركزيه خراسان رضوي.

ورغم ان الحكومه الايرانيه قالت ان الهدف من هذا التقسيم الجديد هو الربط بين مشاريع التنميه المخطط لها؛ هناك من يقول ان هذه التقسيمات تاتي في اطار سياسه عسكريه– امنيه لا ترتبط باي خطه تنمويه، حيث تتناقض طبيعه هذه التقسيمات مع اسس المشاريع التمنويه، وان الهدف منها السيطره علي ايه اضطرابات محتمله، خاصه في الاقاليم القوميه.

وكثيرون لا يعلمون ان اقليم الاحواز – اقصي شمال الخليج العربي- كانت اماره عربيه اقتطعتها بريطانيا من العراق وضمتها لايران عام 1925 مقابل تقليص النفوذ الروسي في ايران. ومنذ سيطرت ايران علي عربستان عام 1925، اتبعت السلطه سياسات تمييزيه ضد العرب في التوظيف وفي الثقافه، كما منعتهم من تعلم اللغه العربيه!

دور ايران في تفتيت المنطقه علي اساس مذهبي:

وقد بينا في مقالات سابقه ان الادوات الامريكيه للسيطره علي المنطقه خلال المئه عام القادمه ربما تختلف عن ذات الادوات التي استخدمتها امريكا للسيطره علي المنطقه في المئه عام السابقه (اسرائيل والسعوديه). وان الاستراتيجيه الرئيسيه التي تعتمدها امريكا حاليًا هو تقسيم المقسم وتفتيت المفتت، بشراكه واضحه مع ايران تم تدشينها رسميًّا بتوقيع الاتفاق النووي الاخير في جنيف في ذات الفندق الذي تم فيه الاتفاق علي تفكيك الخلافه العثمانيه عقب الحرب العالميه الاولي.

فدول المنطقه التي تفتت بعد ان جمتعها الخلافه الاسلاميه، وانقسمت علي اسس قوميه ترسخت بانقلابات عسكريه في حقبه الاربعينات والخمسينات والستينات مواليه لامريكا، يتم تقسيمها ثانيه الان ولكن علي اسس طائفيه ومذهبيه وعرقيه.

وهذه الاستراتيجيه شديده الوضوح في العراق وسوريا ولبنان، ثم ها هي تنفذ الان بقوه في اليمن، ومن المرشح ان تمتد الي عده دول اخري، ذكرها لويس برنارد الاب الروحي للمحافظين الجدد في الولايات المتحده، في عده مقالات قديمه ونشرها في العديد من الخرائط.

ومن البديهي ان الولايات المتحده لا يمكنها اعتماد هذه الاستراتيجيه دون عون من ايران كممثل للطرف الشيعي الفارسي من جهه، مقابل الدول المتحالفه مع الولايات المتحده التي من المفترض انها ممثله للعرب السنه (الخليج)، ولا مانع من مزيد من الفزاعات التي تزيد اللعبه اثاره وتسكب زيتًا علي النار: “داعش”.