في ذكري وفاة «لورانس العرب».. حكايات ملك الجواسيس الذي أسقط الخلافة العثمانية

من الصعب التعايش مع شعب مختلف الطباع وبالاخص العرب، الذين يوجد لديهم نقاط اختلاف كثيره مع الغرب، من حيث العالدات والتقاليد.

ولم تعرف بريطانيا المستحيل عندما ارسلت توماس إدوارد لورنس الشهير بـ «لورانس العرب» ، وهو شاب انجليزي غريب الاطوار حط رحاله في منطقه الشام التي كانت تقع تحت سيطره العثمانيين خلال الحرب العالمية الاولى، ونجح في قياده العرب خلال ثورتهم التي ساعدت في اخراج الباب العالي من اللعبه، محققا بذلك النصر لقوات الحلفاء، واطلق عليه القاب «سلطان الصحراء العربية» و«ملك العرب غير المتوج » نتاج العمل البطولي الذي قام به.

وعلي مدار القرن الماضي، جري استخدام اسطوره لورنس لاغراض متناقضه، اذ ان البعض استخدمها للتاكيد علي شغف الانجليز المفترض بالاعمال البطوليه.

وبينما استخدمها اخرون لتقديم مثال علي الخداع، الذي مارسته بريطانيا الاستعماريه، لا سيما عندما يتعلق الامر بالغدر بالاصدقاء وتوجيه طعنه لهم من الخلف.

سليم الاحمد (كان لورانس علي علاقه به)

ولد «توماس ادوارد لورنس» في 16 اغسطس 1888 ، لام من اسكتلندا واب من انجلترا، انفصل والده عن زوجته الارستقراطيه المتسلطه الليدي «تشابمان» بعد ان وقع في حب خادمته ساره (والده توماس لورنس).

وتنقلت الاسره بين عده مناطق الي ان استقرت في فرنسا، ثم عادت الي انجلترا في عامه الثامن، وعاشت في مقاطعه اكسفورد، وعاش لورنس طفوله تتسم بالرفاهيه والنعومه.

والحقه والده بمدرسه اكسفورد الثانويه ليلتحق بجامعه اكسفورد بعد ذلك عام 1908، ووطد علاقته باساتذته المشهورين، وكان معجب بشخصيه «نابليون بونابورت» نظرا لتشابهه معه في قصر القامه.

وفي نهايه 1908 اثار اعجاب من حوله، عندما طلب منه عمل بحث ميداني حول التاريخ العسكري، وقطع مسافه 2400 ميلا بدراجته الهوائيه لعمل ذلك البحث.

وظل اعزب ويروي بعض المؤرخين انه كان مثليًا ويستدلون بعلاقته مع صبي بدوي يدعي سليم احمد، كان قد رثاه في قصيده.

وكما يعتقد البعض بان اهداءه المبهم الي «س. ا» في صدر كتابه الشهير «اعمده الحكمه السبعه» هو لسليم احمد، رغم انه قال بانه وضع الاهداء علي نحو عشوائي، وان الحرفين «س. ا» لا يحملان ايه دلاله فعليه.  

وفي عام 1909 زار سوريا وفلسطين، ثم انضم الي بعثه للتنقيب في سوريا حيث اقام من عام 1911 الي عام 1914، وهناك تعلم اللغة العربية، وتميز بتعاطفه مع العالم العربى الذي كان يرزح تحت الحكم العثماني لقرون.

وفي عام 1914 زار شمال سيناء، حيث كان يقوم بتغطيه نشاطاته التجسسيه تحت ستار البحث العلمي.

التحريض علي اندلاع الثورة العربية

عقب نجاح «لورانس» كعالم اثار، وذاعت شهرته في الشرق الاوسط ، كلفه ضابط بريطاني بمهام في الشام خلف خطوط العدو العثماني، وهو تحريض القبائل العربية وزعمائها ضد الدوله العثمانيه التي كانت تسيطر عالمنطقه في ذلك الوقت، ودفعها الي التمرد عليها، وقطع خطوط امداد الجيش العثماني وشغله، حيث راي القاده البريطانيون ان ثوره يقوم بها العرب علي الاتراك ستساعد انجلترا وهي تحارب المانيا، علي دحر حليفتها تركيا في مقابل وعود ورقيه للعرب بنيل استقلالهم.

انتقل لورنس الي الجزيرة العربية، ليقف علي حقيقه الثوره العربيه المشتعله ضد الاتراك بقياده الشريف حسين، حيث تقابل مع الامير عبدالله الابن الثاني للشريف حسين، فقد كان يبحث عن شخصيه الزعيم والقائد للثوره التي يمكن ان تساندها انجلترا، ولكنه لم يجد في شخصيه الامير عبدالله تلك الشخصيه.

والتقي بالامير فيصل، الابن الاكبر للشريف حسين، ووجد فيه الشخصيه القياديه التي يبحث عنها، وتباحث معه في وضع الثوره ونجاحاتها واخفاقتها.

وادرك ان الثوره التي يقودها الشريف حسين، ثورة عربية قوميه وليست اسلاميه، ما دفعه الي التمني لو ان مصر تلحق بركب الثوره القوميه بوصفها اكبر البلدان العربية والاسلاميه وان ايمانها بالقومية العربية علي حساب الاسلام سيدفع بالثوره الي الامام.

وغادر «لورانس» الي مقرالقياده البريطانيه العامه في القاهره، ليعبر عن رفضه الشديد لراي رئيس البعثه العسكريه الفرنسيه في جده «بريموند»، بضروره تدخل القوات البريطانيه مع الفرنسيه في الحجاز، قائلا ان تدخل القوات الاجنبيه مباشره سيفقد الثوره تاثيرها ويثير الروح العقائديه ويمنع كثير من مؤيدي الثوره لمحاربه الاتراك المسلمين.

وبالفعل وافقت القياده العامه البريطانيه علي راي «لورانس» ما اثار غضب «بريموند».

انتقال قياده «الثوره العربيه» من الشريف حسين الي «لورانس»

وقررت القياده البريطانيه اعاده ارسال لورنس الي الجزيره العربيه، ليكون بجانب الامير فيصل، ويعمل كمستشاره الذي يتحمل مسؤوليه اتخاذ القرارات وتوجيهاته.

وعاد لورنس في 3 نوفمبر الي ميناء ينبع ليجد الامير فيصل، وقد لحقت به هزيمه ساحقه وقاسيه علي ايدي القوات التركيه اثناء محاوله الامير فرض حصار علي المدينه المنوره، لكن سلاح الطيران التركي استطاع فك هذا الحصار.

وكان لورنس قادرا علي استغلال مهاراته في القيام باعمال الخداع البسيطه، اذ كان الحاكم العثماني، جمال باشا المعروف لدي العرب بـ«السفاح» - مترددا في استخدام قبضته الحديديه بطريقه فعاله.

وخصص جمال باشا جائره لمن يستطيع القبض علي لورنس، لكن لم يفعل اي شيء لاعتقاله.

وعندما اُلقي القبض بالصدفه علي لورنس في درعا، لم يكلف احد نفسه التحقق من هويته، ثم اُطلق سراحه بعد ساعات قليله من اعتقاله، وزعم انه جري الاعتداء عليه جنسيًا من قبل الحاكم المحلي التركي.

وخلال اربع مواجهات فقط عام 1916، قامت «الثوره العربيه» وكانت هناك اشتباكات فعليه بين «الجيش العربي» تحت قياده لورنس والاتراك، واسفرت تلك المواجهات عن نتائج مختلفه.

وفي نهايه الامر، تلقي العثمانيون الهزيمه علي يد الجيش البريطاني النظامي خلال عمليه عسكريه تحت قياده الجنرال اللنبي..

اعمده الحكمه السبعه» اهم مؤلفاته

وما ان وضعت الحرب العالميه الاولي اوزارها وتقاسمت بريطانيا وفرنسا المشرق العربي، الذي كان جزءا من الدوله العثمانيه، حتي اذاعت حكومه الثوره البلشفيه في روسيا اتفاقيه «سايكس بيكو»، التي اظهرت انعدام اي نيه لدي الدولتين في قيام دولة عربية مستقله، الامر الذي ادي لسحب بريطانيا لـ«لورانس» من بلاد العرب وارساله في ١٩٢٦ الي افغانستان.

وكشفت الصحف الهنديه والسوفيتيه امر مهمته، فاضطرت بريطانيا مجددًا الي سحبه من هناك لينتهي بذلك دوره الامني.

«اعمده الحكمه السبعه» اهم مؤلفاته

وكتب «لورنس» العديد من الروايات والقصص التي اتسمت ببعض المبالغات التي تتفق مع شخصيته المضطربه، ومن هذه الحكايات روايات عن خيانات البدو الذين يؤمنون فقط بمصالحهم خارج ايه قيم اخري بما فيها الدينيه، واخري عن توظيف «لورانس» للشذوذ الجنسي للتحقيق غاياته بين القبائل والامراء العرب.

وانتجت هوليوود  فيلما عن حياته عام 1962، تحكي فيه عن بطولاته وقدرته الجاسوسيه التي ادت الي اندلاع الثوره العربيه، يحمل اسم «لورنس العرب»، بطوله بيتر اوتول، الذي قام بدوره، وشارك فيه النجم العربي عمر الشريف، له في اول دور عالمي بدور الشريف علي، وانتوني كوين بدور «عوده ابو تايه» واليك غينيس بدور الامير فيصل، الفيلم من اخراج المخرج البريطاني العالمي ديفيد لين، وانتاج سام سبيجل.

ولاحقا كتب لورنس سيرته الذاتيه في كتاب حمل اسم «اعمده الحكمه السبعه» .